هل يمثّل بوتين الدولة الروسية أَم المجتمع الروسي؟

عامر نعيم الياس

حمل الخطاب الذي ألقاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال التوقيع على مراسم انضمام شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول إلى روسيا، شعوراً بالمرارة على المظالم التي وقعت في بلاده، وذكر منها انهيار الاتحاد السوفياتي الذي وصفه «بالكارثة الجيوسياسية»، وقرار خروتشوف في خمسينات القرن الماضي بمنح القرم إلى أوكرانيا.

عادت القرم إلى حضن الوطن الأمّ، وبقي الغرب، بحسب توصيف بوتين. يحاول على الدوام النيل من هيبة روسيا والتقليل من شأنها.

الرئيس الأميركي باراك أوباما وصف روسيا على هامش أعمال قمة الدول السبع الكبرى بعد استبعاد موسكو ، بأنها «دولة إقليمية»، توصيف يعكس الرؤية الفعلية الأميركية لروسيا ودورها وحجمها، رؤية أرفقت بالعمل المنسق مع الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي لتفكيك روسيا والسيطرة على محيطها الحيوي بهدف استكمال حصارها وتحويلها إلى دولة تابعة لواشنطن على غرار غالبية العواصم الأوروبية التي لا تعدو الأصوات الصادرة عنها سوى صدىً للصوت الأميركي المسيطر على المنبر الدولي.

اليوم، أطلقت سلطات كييف، المعادية لروسيا، حملة لـ«مكافحة الإرهاب» في شرق البلاد، على وقع الزيارة السرّية التي قام بها مدير وكالة الاستخبارات الأميركية جون برينان إلى أوكرانيا، وإجرائه لقاءات مع قياديين أمنيين فيها، والتي كشف عنها مصدر في البرلمان الأوكراني، وذلك قبيل اللقاء الرباعي الذي سيعقد في جنيف بين وزراء خارجية: أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وعلى اعتبار أن الحملة التي أطلقتها كييف جاءت تحت ستارة مكافحة الإرهاب، لا بدّ أن الإرهابيين هم المواطنون «الموالون لروسيا» بحسب المصطلح الغربي، وهذا ما يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: هل الحقد الغربي على روسيا يتجاوزها كدولة وصولاً إلى المجتمع والإرث الإمبراطوري الروسي؟

في سياق الإجابة عن هذا التساؤل نشرت «لوموند» الفرنسية في صفحة الأفكار مقالاً بعنوان «المجتمع الروسي فقد الثقة بالغرب» بدأ بالتساؤل التالي: «هل الرئيس بوتين هو روسيا؟ من الناحية النظرية لا، لكن الواقع يقول نعم»، بوتين يعبّر عن مشاعر عميقة لدى الروس، التراجع الديمغرافي، فقدان الهيبة، القلق و«عدم الثقة بالغرب الذي ارتكب خطأ توسيع الأطلسي عام 1994، فضلاً عن النفوذ الأميركي على أوروبا المنقسمة على ذاتها، والذي يضفي مشروعية على حنق الروس وإصرارهم على ضم شبه جزيرة القرم وإعادتها إلى كنف الوطن الأم».

يمثل بوتين نقطة تقاطع لكافة التيارات السياسية والقوى المجتمعية والاقتصادية في روسيا، بدءاً من المجمع الصناعي العسكري، مروراً بالاقتصادي، وليس انتهاءً بالأحزاب السياسية من الشيوعي مروراً بالليبرالي وحتى القومي، وما يؤكد هذا الأمر هو ارتفاع شعبية الرئيس بوتين بعد ما حصل في القرم لأنه جاء استجابةً «للإرث الوطني الروسي الجريح» بحسب تعبير «لوموند».

القرم تشكل حلقة في سلسلة طويلة من عوامل الصدام مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، قضايا لا تقل شرعيتها الوطنية بالمفهوم الإمبراطوري الروسي عما حصل في القرم ويحصل في شرق أوكرانيا اليوم، وعليه فإن «بوتين على حق في قضايا أخرى على الساحة الدولية كسورية التي تقع في قلب مصالح المؤسسة العسكرية الروسية، وما وراء سورية اليوم تقف خريطة المنطقة وصولاً إلى كازاخستان.

«إن إعادة رسم الخارطة هو التحدي الحقيقي في السنوات المقبلة»، تختم «لوموند».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى