دعوة لحضور ورشة البحرين أم مذكرة استدعاء؟
جمال محسن العفلق
بمذكرة استدعاء جمعت الولايات المتحدة الأميركية مجموعة من الدول العربية تحت عنوان دعوة لحضور ورشة البحرين، وهي ورشة عمل اقتصادية لتمرير ما أطلق عليه صفقة القرن، تلك الصفقة التي تختصر القضية الفلسطينية وتحوّلها الى قضية إنسانية وتحوّل الشعب الفلسطيني الى مجموعة عمال يعيشون في مناطق صناعية كبرى من خلال مشاريع عملاقة ريعها الحقيقي يعود لأصحاب رأس المال ويكون مقابل ذلك نسيان إعلان دولة فلسطين وأيّ مطالبة بحق العودة للشعب الفلسطيني، وفتح الطريق أمام الكيان الصهيوني لتحقيق أحلامه القديمة بالسيطرة على كامل تراب فلسطين المحتلة بما فيها القدس.
إنّ ورشة البحرين والتي تمّ استدعاء بعض الدول العربية إليها لا دعوتها إلى التشاور هي قائمة على أساس واحد وهو إلزام تلك الدول بدفع مبالغ ضخمة لإنشاء مشاريع اقتصادية تدجّن الشعب الفلسطيني وتلزمه بالتوقيع على صكّ تنازل عن أيّ مطالب في المستقبل، وبهذا التنازل يكون الكيان الصهيوني حقق المرحلة الأولى من مشروعه القائم على التوسع، ولكن هذه الورشة فتحت لنا الباب على مصراعيه لنسأل إذا كان هذا المشروع مموّلاً عربياً بمبلغ يقدّر بخمسين مليار دولار، فلماذا لا تدفع هذه الدول ربع المبلغ لدعم الشعب الفلسطيني وتحقق الحدّ الأدنى له من أسباب الصمود؟ ولماذا تساهم هذه الدول بحصار الشعب الفلسطيني؟
الإجابة ببساطة لأنّ هذه الدول لا تملك من أمرها شيئاً، وهذه الدول ليست الا مكاتب تمثيل لسفارات الولايات المتحدة في العواصم العربية، فكلّ التبريرات التي قدّمتها الدول العربية وتعليل أسباب حضورها ورشة البحرين ليست الا مبرّرات واهية لا معنى لها، ولا نعتقد أنّ هذه الدول لديها حق الرفض او الاعتراض على هذا الاستدعاء الذي نظمته الولايات المتحدة الأميركية، واختيار البحرين لم يكن عن عبث لأنه تمّ رغم وجود الحراك الشعبي فيها وكذلك قربها من إيران جغرافيا وتحميل المنامة ما لا طاقة لها فيه في حال فشل المؤتمر، وهو فشل قبل أن ينطلق بغضّ النظر عن مستوى التمثيل فيه، فإنّ أيّ دولة أو منظمة تشارك هي عملياً تساهم في اغتيال شعب بأكمله وتخالف قرارات الأمم المتحدة بحق الشعوب بتقرير مصيرها وتلغي حق العودة.
انّ هذه المنظومة العاملة والتي استطاعت العصابات الصهيونية جمعها حولها وهي بالحقيقة أذرع تنفيذ مشاريع التوسع الصهيوني بالمنطقة لن تصمد طويلاً، فنفس المجموعة الذاهبة الى المنامة هي التي نظمت مؤتمرات ضدّ الشعب السوري وموّلت ودعمت الجماعات التكفيرية وكانت أراضيها قواعد انطلاق لتلك الجماعات الإرهابية ومنها من ذهب أبعد من ذلك في تشكيله لمجموعات إرهابية بهدف احتلال دمشق.
وعلى الرغم من هذا التطبيل الأميركي لهذه الصفقة وخضوع بعض الدول العربية ومشاركتها بهذه الورشة إلا أنّ التمثيل الصهيوني الرسمي غير موجود ولا يعترف بالمشاريع والأرقام التي تحدث عنها البيت الأبيض، فالحركة الصهيونية لا تريد توفير مثل هذه المشاريع للشعب الفلسطيني وبالتأكيد ستجد طريقة للالتفاف عليها كما التفّ الصهاينة سابقاً على كلّ اتفاقيات السلام الوهمية التي وقعوها مع العرب.
انّ الصمت عن هذه الصفقة ومجرد طرحها في الإعلام هو جريمة بحق شعب بأكمله لا تقلّ خطراً ولا ظلماً عن وعد بلفور المشؤوم، فبعد مئة عام يطلّ علينا ترامب بصفقة تجهز على ما تبقى من قضية فلسطين إذا ما قبل الفلسطينيون وشرفاء العالم بها. وما نشاهده اليوم وشاهدناه خلال الأيام السابقة من حراك شعبي رافض لهذا المؤتمر دليل على أنّ الوعي العربي لم تتمّ السيطرة عليه كما تعتقد الصهيونية العالمية، وانّ الرفض لمشروع صفقة القرن هو رفض ناتج عن فهم حقيقي لما سوف تجلبه هذه الصفقة من دمار وخراب يفوق بكثير ما سوف تخلفه الحرب مع الكيان الصهيوني.
وإذا كان هناك شيء من الإيجابية في هذا المؤتمر فإنه وحّد الفصائل الفلسطينية جميعها في الداخل والخارج، حيث أعلنت موقفاً واحداً وهو رفض هذه الورشة وما سيتمخض عنها من قرارات، وهذا بحدّ ذاته شيء مبشر بالخير رغم أنّ الدول المشاركة في هذه الورشة تلوّح بتشديد الحصار على الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية والتضييق أكثر على قطاع غزة.
وعلى من يدير هذه السياسة العالمية أن يفهم انّ هناك عواصم عربية مثل بيروت ودمشق إذا رفضت مشروعاً ما فكلّ موافقات العواصم العربية الأخرى ليست إلا حبراً على ورق، فالقرار الحقيقي في عواصم المقاومة لا في عواصم الإذعان والخضوع.
معا لإسقاط صفقة القرن.