الأحادية الأميركيّة تترنّح لمصلحة صراع بين أحلاف!
د. وفيق إبراهيم
قمّة دول العشرين نجحت في جذب اهتمام إعلامي كوني شامل، وضَعَ العالم في أجواء قرارات كبرى ومصيرية.
لكن النتائج المطلوبة لم تكن بمستوى الآمال المعقودة، خصوصاً لجهة رعاية المناخ ودعم التبادل الحر، وإسناد المنظمات الدولية، والتعاون بين الشعوب والعولمة. وهذه بالطبع شعارات كبيرة لا تهتم بها الدول الكبرى التي تركز دائماً على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية إلا إذا توافقت مع اتجاهاتها.
العولمة مثلاً شكلت في العقود الأربعة الماضية مشروعاً غربياً أميركياً لفتح الحدود بين الدول وإلغاء ما يعترضها من تدابير سياسية واقتصادية، حتى أنها أسست الإعلام الكوني غير الوطني أو الإقليمي للتشجيع على العولمة.
فتبين أخيراً أنها وسيلة تسمح للسلع الأميركية والغربية باكتساح الحدود من دون معوقات وحمائيات وطنية كانت تتذرع بحماية السلع الوطنية لعرقلة دخول البضائع الأجنبية.
بيد أن صعود الاقتصاد الصيني والياباني والألماني جعل الأميركيين يقاطعون العولمة عائدين الى زمن الحمائيات الوطنية.
يتبين بالاستنتاج أن المهام المطلوبة من قمة العشرين كان يجب أن تذهب نحو العودة الى العولمة، وقف الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين ومعالجة التوتر العنيف المهدّد بحروب في الخليج بين إيران وتحالفاتها والأميركيين وتحالفاتهم ومسائل الحدّ من التلوث المناخي والبحري والدفع باتجاه تعاون اقتصادي مفيد للعالم.
إن أياً من هذه المسائل لم يرتقِ الى اهتمام دول العشرين أو بدوا حريصين على مناقشة الأزمات إنما بنظام المحاور الأكثر ارتباطاً بها والتأثير على مجرياتها.
فسورية كانت مدار نقاش بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلادمير بوتين وكذلك أزمات فنزويلا وأوكرانيا.
ويبدو أن الموضوع الإيراني استحوذ على اهتماميهما وسط اعتقاد أميركي بأن الرهان على العقوبات الاقتصادية على طهران من شأنه تفجير الدولة الإيرانية من الداخل، مقابل قناعة روسية راسخة بأن استمرار هذه العقوبات ذاهب إلى تفجير حرب إقليمية مرشّحة للتوسّع أكثر.
هناك ايضاً اهتمام أميركي صيني بإيجاد ضوابط للحرب التجارية بين البلدين التي تهدّد الاقتصاد العالمي بأسره.
فهل تجد قمّة العشرين حلولاً لهذه الأزمات أو تضعها على الأقل على معادلات تفاوضيّة قابلة للتطوّر في مقبل الأيام.
كان واضحاً أن الأميركيين يعملون في قمة العشرين على الاستعراضات الإعلامية مع الابتعاد عن أي حلول فعليّة مستشعرين بالخطر الصيني الداهم على اقتصادهم وبالدور الروسي الصاعد الذي أصبح وجوده ضرورياً وفي كل الأزمات.
لذلك كانت اقتراحاتهم متوجّهة الى كسب الوقت بطريقة إيهام الروس بقابليتهم للتفاوض معهم وخداع الصينيين بإيهامهم بإمكانية الحلول المباشرة بين بلديهما، أما الأهداف فذاهبة نحو منع تشكل حلف روسي صيني قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في 2020.
بالمقابل أدى الروس والصينيون دور القانع بوجهة النظر الأميركية انما بتردد.
لكنهم كانوا يعملون على بلورة حلف عالمي مع الهند، هو المعادلة الفعلية لإسقاط الاحادية الاميركية لانها تربض على نصف سكان الأرض وإمكانيات اقتصادية وعسكرية هائلة واستعداد لضم عشرات البلدان المستعدّة، بما يقلص من نفوذ الولايات المتحدة الاميركية واحاديتها العالمية.
لجهة الأميركيين فيعملون بصمت على الاستفادة من العداء الصيني الهندي التاريخي لتشكيل حلف اميركي ياباني هندي اوروبي بهيمنة اميركية كاملة.
فيصبح بوسعهم وقف الاندفاعة الصينية والصعود الروسي.
وهذا يكشف أن قمة العشرين ليست أكثر من مجرد واجهة فولكلورية للدول الأقوى في العالم تطلق فيه مواقف عامة، وتنقسم فعلاً الى تحالفات متصارعة، تبحث في لقاءاتها عن قواسم مشتركة، فإذا وجدتها فلا بأس وإذا فشلت فإن الصراعات الدولية تزداد شراسة على حساب الاستقرار العالمي انما ليس بحروب نووية مدمرة.
كشفت القمة الحالية عن مدى اهتمام رؤساء الدول بعقد اجتماعات مع الرئيس بوتين الروسي لما لبلده من أدوار نافذة في معظم الأزمات بما يدل على أن التحالف الروسي الصيني – الهندي ليس مجرد شائعات وأوهام، وقد تلتحق بهم مجموعات أخرى في طليعتها إيران والعراق وسورية ودول منظمة شانغهاي والبريكس.
إن هذا الاحتمال يدفع الى نسف منظمة العشرين وقد يستبدلها بدول أكثر نفوذاً تستطيع تحقيق الازدهار العالمي لمصلحة الشعوب.
وبذلك تنتهي هذه القمة بإطلاق مزيد من الشعارات البراقة التي تحاول إخفاء التوترات الكبرى في الخليج ولا تستطيع إخمادها لأن الاميركيين لا يزالون مصرّين على حماية أحاديتهم بالمزيد من السطو على اقتصادات الدول الضعيفة.