هل القضية الفلسطينية قضية عربية فعلاً أم سورية؟

محمد ح. الحاج

سؤال من حقنا طرحه في هذه الظروف وما يحصل على مساحة عالمنا؟

بازار تصفية القضية الفلسطينية المنعقد أخيراً في البحرين لا يبعث على الشك والريبة بالنوايا فقط، بل هو يؤكد عدداً من الحقائق أولها أنّ أية قضية في العالم لا تعني إلا أصحابها الحقيقيين، كانوا يردّدون أنّ القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى! ولكن كيف وبأيّ معنى، وهل أتعبهم حملها فجنحوا للتخلص منها ولو دفعوا الثمن من ثروات شعوبهم، أم أنهم منذ البداية ملتزمون بما يطرحه اليوم الطاقم الأميركي ومؤيدوه من الأعراب بعد أن عمل أغلبهم على دفع غالبية أصحاب القضية من الفلسطينيين إلى مهاوي اليأس والإحباط والضياع وحتى التعامل مع العدو والاعتراف بأحقيته بما ليس له!

ـ القضية السورية هي قضية قومية قائمة بنفسها مستقلة كلّ الاستقلال عن أية قضية أخرى. المبدأ الثاني من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.

ـ وللتأكيد والإثبات جاء المبدأ الثالث: القضية السورية هي قضية الأمة السورية والوطن السوري. وتتابع بقية المبادئ تحديد هوية الأمة السورية وحدود الوطن السوري، والنتيجة تأكيد أنّ القضية السورية ليست قضية عربية رغم أنّ سورية يوم وضع سعاده المبادئ كانت محتلة من طرفين متآمرين وقد قرّرا تقسيمها بموجب اتفاقية بينهما، وهكذا تجزأت القضية إلى قضايا أعقدها القضية الفلسطينية، ومثلها قضية الشمال السوري في كيليكية ولواء الاسكندرون، وقبل ذلك فصل كلّ من لبنان والأردن، كذلك الخطوط الحمراء التي تمنع أيّ لقاء بين جناحي سورية الشام والعراق وهو التزام سعودي ومصري كما فصلوا الكويت والأحواز عن العراق، فأقاموا إمارة في الأولى ووضعوا الثانية تحت تصرف النظام الشاهنشاهي العميل للغرب.

لقد كان واضحا لأغلب دول الغرب الأوروبية الهدف من الانتداب على المنطقة لقاء لندن 1907 ، تماماً كما تمّ إطلاق يد دول أخرى في مناطق العالم العربي وحوله وخصوصاً طرق التجارة وعبور المواد الأولية، وأما الجوهر فقد كان تحضير المنطقة تمهيداً لتجزئتها وإقامة كيانات وأنظمة تتعهّد حراسة المشروع الذي كان طيّ السرية والكتمان، هذا لا ينفي أنّ بعض قيادات العالم العربي كانت على اطلاع محدود، وهي ارتبطت والتزمت على التوالي بمطالب كلّ من الدولتين المنتدبتين، وهذا ما حصل فعلاً عبر عقود منذ العام 1935 1948 وبعدها حتى اليوم في أكبر عملية سرقة تاريخية واكبتها أكبر عملية حماية سرية وتضليل لشعب المنطقة المجزأ بواسطة حراس موثوقين. التزام سعودي تجاه بريطانيا وثيقة بخط يد عبد العزيز، واتفاق المذكور مع الرئيس الأميركي ترومان على ظهر الطراد وتوقيعه اتفاقية مقابل الاعتراف الأميركي والحماية عام 1935 .

لو أنّ القضية الفلسطينية قضية تهمّ القيادات العربية فعلاً، وعملوا لها بإخلاص دون تآمر وتواطؤ سري وخداع شعوبهم لما استمرت عالقة حتى اليوم ولما تفاقمت، ولما توسع العدو في 1967 نتيجة الدفع الأميركي بتحريض من ملك السعودية للعدو بعد إعطائه الضوء الأخضر وتقديم المساعدة الاستخبارية واللوجستية، وتالياً التعويضات المالية من السعودية التي انتقمت من مصر لهزيمتها في اليمن، لقد كانت مهمة بني سعود تخريب العالم العربي المحيط بفلسطين والتركيز على الكيانات السورية المعنية الأساس بالقضية فعلاً والتي لم تقرّ يوماً بحق أحد في التصرف نيابة عن الشعب السوري صاحب الحق، وشعب فلسطين هو جزء من هذا الشعب كما اللبناني والأردني وأبناء كيليكية واللواء وكلّ جزء مغتصب، سورية وحدها بكلّ كياناتها لم تساوم ولم تتآمر على القضية، وحدهم بعض الأفراد من القيادة الفلسطينية سقطوا في حمأة الخديعة فوافقوا على فصل القضية وعزل أنفسهم عن جذورهم وهو ما سهّل الطريق لتدخل الغرب والأعراب وفرض ولايتهم ووصايتهم، اليوم يبيعون ما بقي من أرض القضية، السخرية الأكبر تهديد وزير خارجية البحرين للفلسطينيين إن لم يقبلوا فإنّ بلاده ستضطر إلى استخدام القوة!

الشام، لبنان، العراق، أبناء فلسطين، وحتى الأردن أكدوا رفضهم للصفقة بشكل قاطع بعد أن اكتشفوا اللعبة الأميركية فقاطعوا… فالتطبيع والاعتراف والأمان والأرض لصهيون يدفع ثمنه الأعراب! عجباً حتى هذا لا يجب أن يمرّ دون تحقيق ترامب وكوشنر لفوائد مالية، وهم يفرضون على بعض الدول مثل اليابان والاتحاد الأوروبي مساهمات لا تتجاوز 10 مما يعتبرونه ثمن أرض فلسطين وكأنها لا تساوي أكثر من شارع في مدينة غربية… السوريون الرافضون يثبتون اليوم أنهم أصحاب الحق وأن ما جاء في مقدمة المقال هي حقيقة لا تقبل النقض ولا الطعن، إنه الاستشراف والمعرفة، استشراف العقل الخبير والباحث المالك لناصية المعرفة… يقول أستاذ جامعي كويتي إنّ بعض ما ورد في لقاء لندن 1907 تخوف من بروز شخصية قيادية مخلصة تعمل لوحدة هذا العالم الممتدّ من الكويت إلى نواكشوط! ولهذا قرّروا زرع الجسم الغريب بين المشرق والمغرب، وكلما برز رجل مؤهّل وصاحب مشروع للنهوض تكالبوا وتآمروا.. وعملوا على تصفيته سريعاً حتى لا ينتشر فكره وتنهض أمته، من يجرؤ على القول إنهم لم يرتكبوا جريمة قتل سعاده لهذا السبب، بعد تأليب حراس سايكس بيكو وتحريضهم والضغط عليهم لارتكاب أشنع جريمة تصفية سياسية في حينه… وكم كرّروها في أكثر من مكان وما زالت محاولاتهم ناشطة.. إنّ مهمة الكيان الصهيوني لم تستكمل أهدافها بعد وهو من تعهّد بمنع استقرار هذه الأمة ونهوضها من كبوة طال أمدها.

عندما تدعو الصحافة الخليجية إلى التطبيع والاعتراف بحق اليهود في القدس والمقدسات، وعندما ينعت بعضهم الفلسطينيين وتالياً السوريين جميعا بأنهم «شحادون» متناسين أنهم عبر تاريخ طويل وحتى الأمس كانوا أصحاب رحلتي الشتاء والصيف، وأنهم كانوا يتنعّمون بخيرات بلاد الشام مقابل تمورهم ووبر جمالهم وجلودها، وأنّ الشام بلاد الحضارة والخير، وأبناء بلاد الشام دون استثناء هم السواعد التي بنت بلاد الخليج ومدنها وصروحها وعالجت مرضاهم وعلمت أجيالهم، الآن تطفو على السطح غطرستهم المادية وأصبحوا «مرفوعي الخشم» تجاه أهل الشام، مطأطئي الرؤوس أمام حكام وبطاريق الغرب، يركعون ويسجدون للأميركي ويقدّمون له القرابين، الأحرى بهم أن يطلقوا وصف الشحات على ترامب وآله، بل انه اللصّ الأكبر في عالم الغرب وهو الذي لم يخجل من وصفهم بالبقرة الحلوب، ومع كلّ صباح يصرخ: ادفعوا ثمن حمايتكم وإلا ننسحب! ويا لها من بشرى يوم يجمع أدواته وينسحب عندها فقط يكون الأمن والاستقرار ولن يفعلها حتى ولو لم يدفعوا فلساً واحداً.

سيخرج كثيرون يهاجمون هذا الطرح ويسفهون هذا القول، ولكن، اعلموا أنّ في الشام وحدها العروبة وليست خارجها، وفيها عرب سوريون كما فيها غيرهم من أعراق، لكنهم سوريون، أثبتوا أنهم كذلك بموقف رافض وقطعي، فإنْ قلتم إنّ في عالمكم العربي قادة عرب فعلاً فهاتوا برهانكم، لا تتذرّعوا بأنّ الشعوب عاجزة عن تحطيم أصنامها لتثبت أصالتها، لقد تشوّهت مفاهيم الشعوب، أفقدوها بوصلتها، تاهت عن طريقها تماماً، إنها تعاني من انفصام في شخصيتها الحقيقية، كيف يمكن لها أن تتعايش مع نص وتفسير متناقضين! كيف يصبح أشدّهم عداوة للذين آمنوا. هو الصديق والحليف، وكيف ينقلب الأخ في الدين والكتاب والجوار وسيرورة الحياة والحضارة.. هو العدو؟

لقد حقق لقاء لندن 1907 أهدافه كاملة، وأثبت استحقاقه العلامة التامة في الأداء، ونجح اليهود في ركوب موجته وأوفوا بتعهّداتهم، في الوقت الذي أثبت فيه قطعان أمة الأعراب أنهم أغبياء مطواعون متلوّنون أكثر من حرباء.

القضية السورية هي قضية السوريين، ومصلحة سورية فوق كلّ مصلحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى