قماطي عند أرسلان: ولّى عهد الميليشيات… ولن نقبل بالمناطق المغلقة الاشتراكي يحمّل باسيل المسؤولية لأنه لم يدخل الجبل من «الباب» وأراد «خلعه»
كتب المحرّر السياسيّ
أمضى اللبنانيون ليلتهم وهم يحبسون الأنفاس بعدما أعادت أحداث الجبل إلى ذاكرتهم القلق على السلم الأهلي، بعدما تمت استعادة خطاب الحرب الأهلية. فللمرة الأولى يتم التعامل مع حادثة إطلاق نار بصفتها ذات مضمون سياسي وليست مجرد حادث يكفي لمعالجة ذيوله السير في تحقيق قضائي جدّي، فقد شكّل خطاب الحزب التقدمي الاشتراكي جواباً على السؤال عن السبب بربطه بعاملين، خطاب وسلوك رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يقوم على الاستنهاض لمسيحيي الجبل ويتحدّث عن توازن طائفي قائم على الندية السياسية والاجتماعية بين المسيحيين والدروز، ويرفض الصيغة التي تمنح الزعامة الجنبلاطية صفة المرجعية الحصرية للجبل، ويقيم تحالفات مع خصوم الاشتراكي ويوظف حضوره ونفوذه في الحكم لحسابهم،. والأهم في خطاب الاشتراكي كانت الجمل التي تكرّرت في كلام قادته، عن الدخول إلى البيوت من أبوابها واتهام باسيل بخلع الأبواب. والواضح أن المقصود كان أن الجبل هو بيت جنبلاطي يتمّ دخوله من بابه وليس بالقفز عن هذا الباب.
الحادث الدموي والخطاب الجنبلاطي استنفرا الداخل اللبناني على جبهتين، الأولى كانت حكومية قضائية أمنية، حيث رافق الحادث قطع لطرقات بيروت نحو الجنوب والبقاع، استدعى تدخلاً أمنياً لفتح الطرقات، بينما دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للدفاع صباح اليوم لمناقشة الحادثة وذيولها وأسبابها، وكيفية التعامل معها. أما الجبهة الثانية فقد كانت سياسية حيث تموضع الساسة اللبنانيون على ضفتي الاشتباك، وكان أبرزها موقف حزب الله الذي عبر عنه وزير الدولة محمود قماطي خلال زيارة تضامن مع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان، حيث اعتبر أن ما جرى خطير جداً، مضيفاً لن نقبل بالعودة إلى المناطق المغلقة، مؤكداً أن زمن الميليشيات قد ولى، ما اعتبره نواب الحزب التقدمي الاشتراكي تهديداً، كما قال النائب فيصل الصايغ، في ردّ هو أقرب للتحدّي، متحدثاً عن فائض قوة لا يُخيف، وعن تهديد لا يجدي، ناسفاً مناخ التهدئة الذي لم يكتمل بعد بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يقوده رئيس مجلس النواب نبيه بري. بالمقابل شارك عدد من نواب القوات اللبنانية مع الحزب الاشتراكي الحملة على باسيل واتهامه بتوتير الأجواء اللبنانية بجولاته ومواقفه وحمّلوه مسؤولية حادثة قبرشمون.
الوزير صالح الغريب وصف الحادثة بمحاولة الاغتيال، بينما حمّل الوزير السابق وئام وهاب جنبلاط المسؤولية الكاملة عنها، وأعلن أرسلان أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً اليوم ظهراً بعد صدور قرارات المجلس الأعلى للدفاع، وذلك بعد أن تلقى اتصالاً من رئيس الجمهورية، فيما كان وزير المهجّرين غسان عطالله قد أعلن أن دفن الشهيدين لن يتمّ إلا بعد محاسبة المعتدين.
فيما كان مرتقباً أن يُعقد لقاء المصارحة والمصالحة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط هذا الأسبوع برعاية وحضور رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خطفت زيارة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الى منطقة عاليه كل الأنظار السياسية والأمنية، فالجولة لم يستكملها الوزير باسيل لدواعٍ أمنية، فمن جراء إطلاق مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي النار بين بلدتي قبرشمون والبساتين على موكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب استُشهد شابان من مرافقي الغريب هما سامر أبي فراج ورامي سلمان وأصيب كريم الغريب، فيما أصيب 3 أشخاص من الحزب الاشتراكي.
وفي التفاصيل، أن نهار أمس، بدأ بمحاولة مناصري التقدمي الاشتراكي قطع الطرقات وإطلاق الهتافات المناهضة لزيارة باسيل، ونظراً لتوتر الأجواء قرر وزير الخارجية عدم زيارة بلدة كفرمتى بعدما كان زار صوفر والكحالة وشملان. وقال: «نقف على أرض ثابتة من التفاهمات التي تزعج كثيرين فيحاولون أن يهزّوها، لكنها أقوى من أن تهتز وهي ضمانة الوحدة الوطنية».
وتشير المعلومات إلى أن الغريب ومن جراء توتر الأجواء قرّر أن يلاقي الوزير باسيل الى شملان وخلال محاولة موكبه مغادرة بلدة شملان والمرور بين بلدتي قبرشمون والبساتين، بعدما تجنّب سلوك الطريق الرئيسية التي شهدت تحركاً لمناصري الاشتراكي، تفاجأ بكمين مسلح قرب صيدلية الحسام حيث تعرّض لإطلاق نار كثيف مما أدّى إلى استشهاد مرافقيه أبو فراج وسلمان وإصابة آخر بجروح بليغة.
وشددت مصادر الديمقراطي اللبناني لـ«البناء» على ان وحدة الجبل تبقى الأساس، لكننا لن نسمح بأن تمر الأمور من دون أن يأخذ التحقيق مجراه ومعاقبة ومحاكمة مَن أطلق النار على الشهيدين أبو فراج وسلمان. واعتبرت المصادر ان ما جرى كان موجهاً ضدّنا على وجه التحديد لا سيما أن زيارة الوزير باسيل في الشوف لم تلقَ أي اعتراض او استهجان من قبل الاشتراكي، مشددة على أن الجبل ليس منطقة مقفلة لأحد، معتبرة أننا لسنا أصحاب فتنة، لكننا لن نقبل أن تُمسّ كرامات الناس ومتمسكون بالدولة وأجهزتها لتحقيق العدالة.
وأكد وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب أن ما حدث في قبرشمون «كان كميناً مسلحاً ومحاولة اغتيال واضحة، وإطلاق النار على الموكب كان موجهاً الى الرؤوس»، منبّهاً إلى أن «شدّ العصب يوقع بالمحظور». كما أكد «حرصنا على السلم الأهلي ووحدة الدروز وتكاتفهم»، داعياً الى «ضبط النفس بعد الدماء التي سقطت»، وقال: «نحن نعتبر أنفسنا بي الصبي». وأضاف: «نحن لا نتفنن باستعمال الدم في السياسة».
واستغربت مصادر التيار الوطني الحر في حديث لـ«البناء» تعاطي الحزب التقدمي الاشتراكي، خاصة أن الوزير باسيل من خلال المواقف التي أطلقها من محطات عدة زارها ضمن جولته كانت إيجابية وتؤكد التفاهمات واليد الممدودة للجميع، مشددة على أن لبنان للجميع، وليس هناك من مناطق حكراً على زعيم من هنا وزعيم من هناك. ولفتت المصادر الى أن الحزب الاشتراكي المنزعج من التسوية السياسية والاستقرار في البلد يحاول أن يؤجج الفتنة فيه، لكننا لن نستدرج الى ما يريده. واشارت المصادر الى أن جولة الوزير باسيل المقررة منذ شهر كانت تهدف الى افتتاح مكاتب للتيار الوطني الحر في بعض المناطق ولقاءات مع الحلفاء في مناطق أخرى بعيداً عن استفزاز للحزب التقدمي الاشتراكي الذي يبدو أنه يضرب المصالحة عرض الحائط، معتبرة أن كلام الاشتراكي عن مصالحة الجبل بين الفينة والأخرى دحضته كل تصرفات مناصريه ومسؤوليه، فالمصالحة لا تكون بالرصاص.
وذكرت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي من جهتها أنه أثناء محاولة بعض الشباب إزالة الدواليب المشتعلة في منطقة الشحار اقتحم موكب للوزير صالح الغريب الموقع وقام عناصر المرافقة بإطلاق النار باتجاه المحتجين عشوائياً، ومما أدى إلى إصابة شاب من بين المحتجين، فردّ بعض مَن كان يحمل سلاحاً باتجاه مصدر النار دفاعاً عن النفس فسقط مرافقان للوزير الغريب. وهذا أمر موثق بفيديوهات باتت بحوزة المراجع الأمنية.
وشدّدت المصادر على أن «ما جرى يتحمّل مسؤوليته من وتر الأجواء واستفز الناس ونبش قبور الحرب ومَن كان ينتظر زيارة فكانت ردة فعله بالاعتداء على الناس الذين عبّروا سلمياً عن رفضهم لزيارة الوزير باسيل إلى منطقتهم».
ولم تنته الأمور عند هذا الحد، حيث شهد أوتوستراد خلدة زحمة سير خانقة، حيث احتجز السائقون في سياراتهم لساعات بسبب إشعال الإطارات من قبل بعض المحتجين وقطع الطريق، كما سمع إطلاق نار في محيط البلدة. كما قُطعت طريق صوفر من قبل مجهولين احتجاجاً على ما حصل في عاليه وجرى تحويل السير إلى طرقات داخلية باتجاه بحمدون.
وفيما بدأ النائب العام التمييزي بالإنابة القاضي عماد قبلان الإشراف على كلّ التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية بحادثة قبرشمون، وقد سطّر استنابات لمعرفة هوية مطلقي النار والمتسببين بالحادث. أكدت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن، أن الأجهزة الأمنية بدأت التحقيقات الى أن تتبين حقيقة الأمر.
وأشار وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب الى أنّ «التحقيقات ستظهر مَن أطلق النار الذي حصل عند تقاطع كان سيمرّ فيه باسيل»، مشدّداً على أنّ «العقلاء يجب أن يتدخلوا لحلّ هذا الأمر، أما لناحية الأمن فالجيش لا يحتاج الى مساعدة من أحد وهو بجهوزية تامّة لفرض الأمن في أيّ منطقة». وبحسب بو صعب فإن تقارير وصلته يوم أول أمس عن رمي مجهولين قنابل وقديفة آر بي جي على موقع كان من المفترض أن يزوره باسيل.
ويعقد المجلس الأعلى للدفاع اجتماعاً استثنائياً دعا اليه رئيس الجمهورية ميشال عون، في تمام الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، بعدما أجرى أمس اتصالات لمعالجة الوضع الأمني في قبرشمون، طالباً من الجيش والاجهزة الامنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط الوضع.
وأجرى رئيس الحكومة سعد الحريري من جهته سلسلة اتصالات شملت وزير الخارجية جبران باسيل والمسؤولين في قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ومدير المخابرات في الجيش، تركّزت على ضرورة تطويق الإشكال الحاصل في الجبل وبذل أقصى الجهود الممكنة لتهدئة الأوضاع وإعادة الأمور الى طبيعتها.
وغرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر»، فقال: «لن أدخل في أي سجال إعلامي حول ما جرى. أطالب بالتحقيق حول ما جرى بعيداً عن الأبواق الإعلامية. وأتمنى على حديثي النعمة في السياسة أن يدركوا الموازين الدقيقة التي تحكم هذا الجبل المنفتح على كل التيارات السياسية دون استثناء لكن الذي يرفض لغة نبش الاحقاد وتصفية الحسابات والتحجيم».
وفيما يعقد رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان اليوم مؤتمراً صحافياً بعد انتهاء اجتماع الاعلى للدفاع، اكتفى أرسلان أمس، بالقول «لا يوم كنا نحن أصحاب فتنة في الجبل، يروحوا: يضبّوا الزعران والبلد بألف خير»، مؤكداً أن «الجبل ليس كانتوناً لفريق، الجبل للجميع». وأشار الى انه الآن في مرحلة جمع المعطيات في القرى والبلدات حول الحادثة، على أن يعقد غداً مؤتمراً صحافياً يتناول فيه تفاصيل ما حدث.
وفي السياق، اجتمع وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي الذي زار خلدة معزياً بالشهيدين، بالنائب أرسلان والوزير غسان عطالله والنائب سيزار أبي خليل والوزير السابق وئام وهاب، حيث جرى البحث في التطورات التي شهدتها منطقة الجبل.
وشدّد قماطي على أن ما حصل خطير جداً، لافتاً الى أن خرق الاستقرار والعودة الى الأجواء الميليشياوية هو خرق للسيادة قائلاً «عصر الميليشيات ولى». واعتبر قماطي أن استقرار الجبل أساس وأمانة في اعناقنا ولن نقبل ان تستمر الفتنة، وقال نحن لا نتدخل بالتحقيق والقضاء لكننا ندعو الى ضرورة عدم المماطلة والبدء بالتحقيقات لتوقيف الجناة فوراً.
وبينما ألغى الوزير باسيل زيارته التي كانت مقرّرة الى كفرمتى وغادر المنطقة بعد التوتر الذي حصل، قال التيار الوطني الحر في بيان إن الوزير باسيل، وهو يزور مناصري التيار والمنتسبين اليه من مسيحيين ومسلمين في قضاء عاليه ويفتتح مكاتب للتيار في مناطق مختلطة، قد دعا في كلماته الى الانفتاح والتلاقي والوحدة ببن اللبنانيين وقد قوبل بهذه التحركات التي تذكّر اللبنانيين بزمن حرب مضت وأنتجت أحزاناً ومآسي وتهجيراً. تهجير لم يقفل ملفه بعد، لا بالوزارة ولا بالنفوس فيما يعمل التيار الوطني الحر على إقفاله بالكامل وإتمام المصالحة بكل أبعادها السياسية والإنمائية والإدارية لتكون العودة الى الجبل ناجزة بشراكة كاملة.
وقال وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيب إن «الخطاب العالي والعنف السياسي هو ما أوصل الأمور الى ما وصلت اليه، وما حدث كان نتيجة سوء تقدير من بعض المسؤولين»، محذراً من «مشروع فتنة في الجبل»، وداعياً الى «عدم استفزاز العواطف حرصاً على المصلحة الوطنية والعيش المشترك ومصالحة الجبل». وشدّد على «أننا من دعاة حفظ الوفاق والعيش المشترك، ولكن هناك فرق بين الممارسة السياسية الديمقراطية وخلع الأبواب».
ونصحت السفارة الفرنسية في بيروت رعاياها، عبر رسائل نصية هاتفية، من جراء أحداث العنف التي حصلت في منطقة الجبل، توخي الحيطة والحذر، وعدم الاقتراب من هذه المنطقة إلى حين عودة الهدوء إليها.
وعلى خط الموازنة أقرت لجنة المال والموازنة أمس، في جلسة عقدتها عصراً برئاسة النائب إبراهيم كنعان موازنات وزارتي العدل والزراعة والمجلس الدستوري خلال جلسة لجنة المال، فيما أرجئ البت في موازنة وزارة المالية لاعتذار وزير المال بسبب ارتباط طارئ.
ومالياً كان البارز أمس، إعلان قطر أنها اشترت سندات للحكومة اللبنانية في إطار خطة لاستثمار 500 مليون دولار في الاقتصاد اللبناني. وأبدت قطر بحسب مسؤول حكومي قطري التزاماً تجاه تقوية علاقاتها مع لبنان، مشيرة إلى أن باقي الاستثمارات ستجري كما هو مخطط له مع الحكومة اللبنانية.
وفي السياق نفسه، قال وزير المالية علي حسن خليل إن «الكلام القطري عن شراء سندات لبنانية جدّي ويعبّر عن التزام قطر بوعدها لدعم الاستقرار المالي في لبنان. وهذا دليل ثقة في السندات اللبنانية وسيكون له تأثير إيجابي على الأسواق».