المطلوب في الجبل من أجل لبنان

البروفسور فريد البستاني

هناك الكثير من الكلام السياسي الذي يمكن أن يُقال حول ما جرى ويجري في الجبل، لكن اللحظة ودماء شابين لا تزال ساخنة، ليس للتحليلات ولا لتوجيه الاتهامات ولا لتحميل المسؤوليات، ولا هي بالتأكيد للخطاب الشعبوي الذي يحكّ على الغرائز فيثيرها ويحشدها، لأن الغباء هو في أن نعتقد أن برميل البارود الإقليمي الذي ينتظر ساحة اشتعال لن يجد في لبنان ساحة مناسبة إذا أطلق اللبنانيون العنان لغرائزهم ولضيق الأفق وضعف الحسابات.

المطلوب في الجبل ليس من أجل الجبل فقط، بل من أجل لبنان، هو تهدئة المناخات والامتناع عن صبّ الزيت على النار وتغليب منطق العقل والحكمة على العصبية والانفعالات، وإدراك أن الوضع خطير، وأننا لعبنا كثيراً بخيوط وخطوط اللعبة الطائفية فصارت أوتاراً مشدودة جاهزة بأي حركة غير محسوبة أو محسوبة جيداً لحساب الخارج، أن تشعل الفتنة، فبعد حادثة الشويفات حادثة الجاهلية وأمس قبرشمون، والقضية ليست داخل بيت طائفة الموحدين الدروز وحدهم، بل داخل البيت اللبناني كله وإن اشتعلت به النار فلن ينجو منها أحد. كما أن القضية ليست قضية العلاقة بين التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي فقط، وهي قبل أيام في شهر عسل وفوجئنا أمس بتحوّلها عنواناً للأزمة، ولا بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وقد عرفت مداً وجزراً واستقرت مؤقتاً عند خط التهدئة الذي يأمل له الجميع أن يدوم.

القضية هي في تزاوج ثلاث مشكلات لا تحتمل التأجيل، الأولى هي أن التحقيق القضائي في شؤون كهذه لا يحتمل التسييس والتسويات، ولا الغموض وتجهيل الفاعل ولا جعل الفاعل فوق القانون. وبعد الذي جرى أمس آن الأوان لنعرف أن السلم الأهلي بين اللبنانيين على المحك ويدخل منطقة الخطر، ولذلك فنحن ندعو إلى إحالة قضية قبرشمون إلى المجلس العدلي وإلى التعامل مع التحقيق القضائي فيها باعتبار درجة جديته وشفافيته طريقنا لقطع طريق الفتنة وإعلاء كلمة الدولة. والمشكلة الثانية هي في إدراك القادة السياسيين لحقيقة أن الخطاب الطائفي العالي النبرة لا يبقى حبيس الجدران ولا يدخل إلى العقول ببرودة، بل يشحذ الغرائز ويستنهضها، وعندما تقع التسويات والتفاهمات لا يزول من الذاكرة، بل يبقى كامناً ينظر للتفاهمات والتسويات بصفتها هدنة عابرة. والخطاب الطائفي يعني خطاب حرب لو بقيت باردة إلى حين، فهي لن تتأخر حتى تتربص بفرصة تصير فيها حارة بل شديدة الحرارة. والمشكلة الثالثة هي أننا في قلب منطقة تعيش حالة من التوتر والتصعيد والحروب المتعددة، وكلها تحتاج ساحات رديفة، وليس لنا الحق بضعف درايتنا أو ضيق أفقنا، أن نقدم بلدنا مجاناً ساحة صراع رديفة لحروب المنطقة وأزماتها، ثم نبكيه ونتحدث عن حروب الآخرين على أرضنا.

في الجبل كما قلنا قبل أيام قليلة صورة مصغرة وحساسة عن كل لبنان، والتهدئة في الجبل قضية لبنانية جامعة، وهكذا يجب أن تكون، ودعونا رحمة بلبنان واللبنانيين أن يمر هذا الصيف ببرود كي يكون لأهل الجبل بلا استثناء فرصة لقمة عيش كريم ينتظرونها وهم في ظروف معيشة قاسية. واليوم نضيف أن الأمر تخطى لقمة العيش ليصير العيش نفسه على المحك. وللأسف، إن لدينا في الجبل مشكلة نقص الحوار المباشر بين الأطراف الفاعلة، وأن التخاطب عموماً يتم عبر الإعلام وبلغة متوترة، ولذلك قد تبدو الدعوة للحوار ساذجة لكنها هي المسؤولية الوطنية كما نراها. ونتطلع نحو فخامة رئيس الجمهورية ليقود مصالحة الأطراف المعنية بالجبل وحوارها. وعندما نقول الأطراف، فنحن لا ندعو إلى استثناء أحد حزباً كان أو زعيماً، لفتح كل ملفات الخلاف ووضعها على الطاولة. فكلفة الحوار والخلاف السياسي والتسويات تبقى أقل بكثير من الكلفة التي تنتظرنا وتنتظر لبنان معنا إن لم نسارع إلى الحوار بلا شروط مسبقة ولا حسابات أحجام وخصوصيات طائفية أو فئوية.

نائب الشوف في مجلس النواب اللبناني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى