لمحات حول المعضلات التي تحكم النظام السعودي

نزار عثمان

منذ أن تولى سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة العربية السعودية لم يرتح عهده، فكانت هناك إشكاليات عدة تهدّد استقرار بلاده نابعة أولاً وقبل كلّ شيء من سياسات إبنه وولي عهده محمد بن سلمان الخرقاء. فمنذ العام 2015 شهدت المملكة السعودية مجموعة من التحديات التي تنوّعت ما بين الإشكالات التي صعدت إلى السطح بعد أن كانت جمراً تحت الرماد والتي تهدّد استقرار المملكة ووحدتها بشكل أو بآخر، بين أفراد الأسرة الحاكمة، إنْ من حيث ولاية العهد أو تقاسم النفوذ والسلطة والتي أسفرت عن الإطاحة بمحمد بن نايف كولي عهد وانتقال إبن سلمان من ولي ثان للعرش إلى ولي أوحد، أو من حيث احتجاز عدد من الأمراء في فندق الريتز كارلتون عام 2017 على رأسهمأسهم الوليد بن طلال.

وإنْ من حيث القرارات التي اتخذت إبان عهده في ما خص الأزمات العربية في أكثر من بلد عربي والتي عرفت باسم «الربيع العربي». لا سيما التدخل السافر في سورية والبحرين وليبيا وغيرها من البلاد المنكوبة بفعل المؤامرات التي قادتها السعودية أو ساهمت فيها، لترسيخ ما تظنّ أنه سطوة لها على تلك البلاد، والحرب الظالمة على اليمن والتي ترقى إلى حدّ الجريمة ضدّ الإنسانية، ومن ثم العلاقة الودية مع «إسرائيل»، والولايات المتحدة خلال الحكم الحالي للرئيس الأميركي ترامب. وصولاً إلى محاصرة قطر ومناوءة تركيا، ودسّ الدسائس لإيران، مروراً بقضية جمال خاشقجي وما أثارته من ردود فعل دولية وشعبية مناهضة وشاجبة لإبن سلمان، وانعكست على الرؤية العامة في النظر إليه وجدوائية كونه ولي عهد معدّ لخلافة والده ومدى أهليته القيادية والنفسية. ومن بعدها الإشكالات في الداخل السعودي والعلاقة مع السعوديين في المنطقة الشرقية من المملكة، وتأثير الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل على تشكيل نوع من معارضة للسياسات المتبعة في المملكة. وسعي إبن سلمان للخروج بمظهر المنفتح أمام العالم في إطار ادّعائه السعي لمحاصرة الوهابية والعلاقة مع الإرهاب التكفيري وغير ذلك. بهذا تسعى هذه السطور للإضاءة الموجزة على المعضلات الكثيرة التي تحيط بحكم سلمان بن عبد العزيز وابنه وتحيط بهما، سعياً للخروج بخلاصة حول طبيعة السياسات التي تحكم المملكة السعودية والعمل على استشراف ما قد يكون مستقبلاً لها في ظلّ الأزمات الداخلية والخارجية التي وضعها إبن سلمان فيها.

تختصر مضاوي الرشيد في كتابها Salman s Legacy – The Dilemmas of New Era

الصادر عام 2018 الإشكاليات الداخلية التي تعاني منها المملكة السعودية بالتالي: «في أعقاب الانتفاضات العربية في عام 2011، يُعتقد أنّ المملكة تواجه العديد من المخاوف الداخلية وتتمثل بـ: التنافس بين الأمراء الساخطين، وانتفاضة الشباب الديموغرافية، والطبقة الجديدة من النساء المتعلمات، والإرهابيين، والدعاة الوهابيين المتطرفين، والطبقات الوسطى الطموحة، والفقراء المهمّشين، وأزمة البطالة، والأقليات المكبوتة، والانحدار الدراماتيكي في الآونة الأخيرة، وغالبًا ما تكون أسعار النفط ضمن قائمة المشكلات الهيكلية».

ومن ثم ففي بلد ليس لديه تاريخ في الصحافة الحرة أو حرية التعبير تظهر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تزايد الهوة بين فريقين سعوديين في الغالب يتمثلان بالتيار الليبرالي من جيل الشباب الذي يراقب العالم وسياسات نظامه ويقارن بينهما، ويسعى ليكون له رأيه الحر والصريح ومطالباته التي لا تزال في إطار محدود، رغم القيود الحديدية المفروضة في بلاده. وهناك القسم الثاني من الإرهابيين الوهابيين وغالبيتهم أيضاً من جيل الشباب الذين اتخذوا منصات التواصل منبراً للتعبئة والتجييش وغيرهما، وكلاهما بطريقة أو بأخرى قد يشكلان على المدى المنظور خطورة نسبية على الأمن الاجتماعي في المملكة.

ومع بروز الإرهاب الوهابي تحديداً منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر والتي نفذها ما يقرب من 15 انتحاري غالبيتهم من السعودية، إزداد الاهتمام بالإسلام الوهابي من قبل الباحثين الأجانب والعرب، والواقع من خلال القراءة الأولية ينعكس أمامنا محوران ساقتهما قيادة النظام السعودية بإزاء الإرهاب، أدّيا اليوم إلى اتباع إبن سلمان سياسات أكثر خفاء وكيدية ودهاء إزائه في الآونة الأخيرة. وقد تمثل هذان الاتجاهان بالتعبئة ونشر الوهابية إنْ في ربوع المملكة السعودية أو في أماكن سيطرتها في العالم، متساوقاً هذا مع إنكار رسمي صوري للعمليات الإرهابية التي كانت القاعدة ومن بعدها داعش تنفذهما في العالم، وللمفارقة لم تستثن منها السعودية نفسها في بعض الأحيان، مع إنّ داعش إبان فترة حكمها في العراق والشام اختارت كتب محمد بن عبد الوهاب كمناهج تدريس في كتاتيبها وزواياها.

بعدها، وعندما أطلقت يد إبن سلمان في الحكم، أظهر موقف المعارض للمنهج الوهابي وسجن عدداً من الدعاة سعياً لتنظيف كفّ نظامه من تلك الاتهامات التي ما عادت تستطيع المملكة انكارها أمام الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، هذا دون تعديل يذكر إن في مناهج تدريس الوهابية في المملكة أو نسبياً إيقاف الدعم للحركات الوهابية في العالم التي قد تشكل ربما بطريقة أو بأخرى ذراعاً فاعلاً للنظام السعودي في تنفيذ أجنداته الخفية والسرية، إنْ عبر المؤسسات الخيرية والتربوية تارة أو الدينية الترويجية وغيرها تارة أخرى، أو بطرق مختلفة.

ثم من جانب آخر فهناك العلاقة الإشكالية القمعية التي أذاق فيها النظام السعودي مواطنيه في المنطقة الشرقية الأمرّين، إنْ من حيث النظر إليهم كخارجين عن الدين، أو عملاء لقوى خارجية، والتمييز الحاصل لهم والتهميش لحالتهم، ومحاصرة تحركاتهم واعتقالهم وقتلهم والتي ليس آخرها إعدام الشيخ نمر النمر منذ ما يقارب السنتين. وإنْ أضفنا إلى هذه الحالة كون المنطقة الشرقية من أغنى مناطق العربية السعودية، لظهر معنا القلق المستطير الذي يعانيه صانعو سياسات النظام السعودية إزاء هذه القضية التي لم تجد لها حلاً إلى الآن، ولم تتغيّر في ما خصها السياسات القمعية لآل سعود اتجاه أهل تلك المنطقة البتة.

ثم هناك المشكلة التي يغذي أوارها النفط، فمنذ عام 2014، ظهرت تلك الإشكالية وانعكست على ما قد يمثل العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين. وما زاد الطين بلة تمثل بالتخفيضات الجديدة التي طرأت على الإعانات، والتآكل التدريجي لخدمات الرعاية الاجتماعية، والضرائب الخفية على المجتمع الذي ليس لديه الكثير من الاطلاع او الخبرة على الضرائب المباشرة. ما دفع إبن سلمان لإطلاق رؤية 2030 سعياً لإظهار القيادة السعودية وكأنها لا تزال حريصة على الحفاظ على الاستقرار والازدهار والبقاء في منطقة عربية معذبة ومتقلبة. وقد تمّ الترحيب بالخطوة في الصحافة السعودية باعتبارها خطوة لقيادة صحيحة.

على المستوى الإقليمي تعدّدت الدراسات التي تبحث بإطار أو أسباب تدخل النظام السعودي في سورية والبحرين ومصر واليمن وغيرها، يضاف إليها الأزمة مع قطر ومحاصرتها. ويردّ غالبية المحللين السبب بطريقة أو بأخرى لسببين: أولاً المراهقة السياسية في اتخاذ المواقف من قبل القيادة السعودية، والعمل وفقاً لردة الفعل وما تمليه الضغائن الكامنة والرغبة بالانتقام، سعياً لتأكيد الريادة إنْ في الخليج أو في الشرق الأوسط، ثم هناك العداء المستحكم لإيران من جهة وتركيا من جهة أخرى والنظر إليهما كقوتين هائلتين يقفان سداً منيعاً أمام طموحات المملكة في التبلور كقوة اقليمية تقود المسلمين ولا يشقّ لها غبار، ويمكن بأسلوب أو بآخر إرجاع غالبية الصراعات التي افتعلتها السعودية أو أسهمت في إذكاء نار فتنتها إلى هذين السببين.

أما في ما يعني العلاقات على المستوى الدولي ومع «إسرائيل»، فلعلّ الطموح الأبرز لإبن سلمان كي يوطد دعائم رغبته بالتربع على عرش المملكة هو الانسحاق أمام الإدارة الأميركية، والسعي لتنفيذ أجنداتها في الشرق الأوسط، مع العمل على خلق وتطوير علاقات تطبيعية مع العدو الصهيوني وتركيز مفهوم العداء لإيران. فبعدما كانت تسعى السعودية في العقود المنصرمة لإبراز نفسها كقوة تمثل المسلمين بعمومهم مع تفاصيل حتمتها عليها مذهبيتها الضيقة في العالم. أضحى السعي لإبراز كونها ممثلة للمسلمين السنة في العالم، عبر إذكاء نار الفتنة المذهبية مع أتباع المذهب الشيعي. وتعبئة الجمهور السعودي ومن يتبعها من العرب السنة ضدّ إيران وإبرازها كعدو أوْلى بالعداء من «إسرائيل» التي سعى إبن سلمان لتكريس حالة من الصداقة معها، ظهرت معالمها الأولى في رؤية 2030، وآخرها كان دعم الورشة الاقتصادية في البحرين التي تروّج لصفقة القرن.

وعلى ما أسلفنا مع انعدام وزن كامل اتجاه الولايات المتحدة برئاسة ترامب، وتكريسه كوصي على النظام السعودي يعتمد عليه إبن سلمان لإخراجه من المعضلات والمشاكل التي يوقع نفسه فيها من قبيل قضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي والحرب على اليمن ودعم المتطرفين في أكثر من بلد عربي يعاني من نيران الفتن.

في النهاية يبدو إبن سلمان بسعيه الدؤوب للسلطة وعداواته الكثيرة مع سعيه لتكريس الصداقة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وتبعيته الكاملة لأميركا أشبه بمن لحقه أسد في الصحراء فوجد أمامه بئراً فألقى نفسه فيه متمسكاً بحبل، فسُلط جرذ يقرض الحبل، وكان في أسفل البئر أفعى ضخمة تنتظره، مع هذا وجد أمامه قفير نحل، فالتهى بأكل العسل غير عابئ بلسعات النحل أو بالمصير المحتوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى