من بوابة باسيل… ضغط على الحريري من طرابلس
روزانا رمّال
بدأت الخلافات السياسية بطابعها المخفيّ بين النيات والاستراتيجيا المتاحة للمواجهة تطفو على سطح الحركة السياسية ككل وحادثة «قبرشمون» التي تؤسس اليوم الى مرحلة تجعل «ما بعدها» حكماً غير «ما قبلها» كشفت عن فريق معادٍ لوزير الخارجية جبران باسيل بدأ يتكتل من اجل الوقوف بوجه خطواته التي لا تتعلق بزيارة من هنا أو إطلالة من هناك، إنما بمبدأ أساسي ووحيد وهو تقوية الحضور المسيحي في الساحة السياسية بما يعتبره البعض تطبيقاً لاتفاق الطائف الذي لم يطبق بعد والذي ينص على مناصفة واضحة وصريحة.
كان لسورية دور أساسي في تقوية البعض على الآخر في الحسابات المحلية والوجود السوري في لبنان الذي استفاد منه «الشيعة» استفاد منه الدروز ومعهم السنة وبعد الحرب الأهلية التي كان أبرز عناصرها القوى المسيحية المقاتلة صار الحضور السياسي المسيحي أقل سطوة بعد اختتامها، مع العلم أن الاتفاق الأخير الذي يحكم لبنان أي «الطائف» ضَمَن الحقوق بشكل متساوٍ الا أن القوى السياسية المتمثلة آنذاك بالحلف المؤيد لسورية لم تجد أمامها منطقا قادرا على تلقف حضور مسيحي ممثل بقيادي بارز، خصوصاً أن ميشال عون كان بالمنفى وسمير جعجع في السجن.
اعتاد الكل على هذا الواقع حتى صار اليوم ماضياً بعودة ميشال عون الى الحكم وإحيائه من جديد للحركة السياسية مسيحياً وبخروج سمير جعجع من السجن بكل تأكيد كل شيء تغير بحضورهما على الساحة وتغيرت فكرة الحضور المسيحي في الحياة السياسية. يؤخذ اليوم على باسيل قبل كل شيء انه حليف لحزب الله واغلب الظن ان الهجوم عليه هو رسالة موجهة الى حزب الله قبل كل شيء. مصادر متابعة تقول لـ»البناء» إن شيئاً لم يكن قادراً على إطلاق يد باسيل ولا حتى وصول عون الى الرئاسة بقدر ما أعطاه حزب الله من قدرة تفوّق سياسي، فكيف بالحال أن هذا الحزب هو الحزب الأكثر قوة وامتلاكاً للسلاح القادر على فرض هيبة بمجرد وجوده؟ يختم المصدر «مخطئ من يظن أن باسيل قادر على التحرك بدون استشارة حلفائه في أمور استراتيجية بحجم إعادة هيكلة الحضور المسيحي في الدولة، أكان لجهة التعيينات او الحصص او العمل السياسي ككل. وبهذا الإطار يبدو ان حزب الله قدم له الدعم اللامتناهي وبكل الأحوال دعا الحزب أكثر من مرة لتقوية الحضور المسيحي في المشرق، وعهد عون أول ترجمة لما يمكنه أن يشكل غطاء قادراً على حمايته من العزل أولاً وتعزيز حضوره الوطني ثانياً».
بالمقابل كان من المتوقع أن يعدل باسيل عن فكرة زيارته لعاصمة الشمال طرابلس اليوم السبت بعد حادثة قبرشمون، إلا أنه فاجأ المعنيين بالبقاء على موعد الزيارة. الأمر الذي لم يرق لعدد كبير من الطرابلسيين «السنة» تحديداً حلفاء الرئيس سعد الحريري وبينهم مستقبليون نافذون في طرابلس. وهنا تستحضر فكرة التسوية الرئاسية ككل والتي تمّت للمرة الأولى بين الرئاسة الاولى والثالثة على أساس أن مصير الواحد منها يتعلق بالآخر. الأمر الذي أرخى حينها استقراراً سياسياً. صار السؤال عنه جدياً اليوم.
الاعتراض الطرابلسي لافت لجهة مكنوناته. وهنا يصبح الكلام السياسي أوضح، معروف ومفهوم أن يكون هناك خلاف واشتباك في الجبل بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر. فالصراع التاريخي في الجبل بين المسيحيين والدروز والذي يجد البعض أن فكرة التحدّي لا تزال حاضرة ومسألة العودة بكل تعقيداتها لا تزال موضع أخذ ورد بين ما يضمره البعض وما يكشفه ضمن غطاء العيش المشترك وكلام معسول تبين أنه قابل للسقوط في كل لحظة. مفهوم أيضاً أن الصراع السياسي بدأ بظهور كتلة حليفة لباسيل لا بأس بها، لكنها مستجدّة على الواقع الانتخابي القديم، مفهوم أيضاً فكرة الخلافات على التعيينات والحساسية المطروحة في كل ما يتداول، إلا أنه من غير المفهوم ولا الواضح فكرة الخلاف الآتي من طرابلس من شخصيات ركزت على الهجوم السياسي الحاد بالساعات الماضية وباسيل ليس معنياً بأي شكل من الأشكال بالصحن السني هناك، ولا يؤثر على هيبة الزعامات الطرابلسية أو حضورها. فالساحة الطرابلسية أضيق من أن تحكم ذهنياً وفكرياً بطموح خارج السنية السياسية. لافت أيضاً أن بعض الأسماء المغمورة سياسياً تشارك بهذا الوهم الذي يبدو بدون شك فرصة مهمة، لكن السؤال المركزي يتمحور حول الرئيس سعد الحريري الذي يبدو أن كل شيء يدور خارج فلكه في تلك المنطقة. ما يبدو هجوما غير مباشر على خياراته السياسية. والمقصود هنا جبران باسيل والتقارب الكبير بينهما المبني على مرحلة من التفاهمات الطويلة الأمد. الهجوم من حلفاء الحريري على باسيل هو بطريقة او بأخرى إعلان ضغط صريح على رئيس الحكومة وتحالفاته، خصوصاً أن الضغط هذا يتزامن مع تلويح او تحذير من الوطني الحر والمقاطعة الأولى من نوعها لجلسة مجلس الوزراء بناء على مطلب إحالة الجريمة الى المجلس العدلي.
لا يوفر حلفاء الحريري جهداً في الضغط عليه ولا ملاحقته لفك ارتباطه بباسيل ومن ورائه «حزب الله». وهنا يبدو الحريري أمام اختبار دقيق لجهة التمسك بباسيل وبالتسوية الرئاسية ككل وهو الذي بدا خلال الأشهر الماضية غير مبالٍ بكل الضغوط التي وضعته ضمن إحراج الصلاحيات وفقدانها واجتماع رموز القيادات السنة من رؤساء وزراء سابقين ودار إفتاء على الفكرة ذاتها. أما اليوم وبعد أن صار الأمر يتعلق بالحكومة ومصيرها فإن الضغط أكبر على الحريري من دون شك، فيما يلوح في الأفق ملف تقارب جنبلاطي حريري جديد لا يمكن فصله عن إمكانية تزخيمه خارجياً.