الصمود الإيراني رسالة إلى المذعورين من ترامب!!
د. وفيق إبراهيم
أمير قطر تميم في حمى الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض… ويقول بيان لوزارة الخارجية الأميركية إنهما يتباحثان في قضايا استراتيجية ودولية.
عند هذا الحدّ.. انفجرت قهقهات مدوية من المتابعين الإعلاميين تتساءل عن المضمون الاستراتيجي الذي يستطيع تميم أن يتعمّق فيه ويؤثر عليه.
والدليل أنّ زيارته لن تنتهي إلا بعد عقد صفقات وهمية يدفع فيها الأمير عشرات المليارات والهبات ملبّياً شبق ترامب لأموال يضخها له لتلبية جزء من حاجات الناخبين الأميركيين الذين يأمل نيل أصواتهم في انتخابات 2020.
فلهذه الإمارة عند الأميركيين في خاتمة المطاف ثلاث وظائف: الغاز الوفير «يا طويل العمر» لأنها تحتلّ الموقع الثالث في إنتاجه عالمياً، وقاعدة «العديد» الأميركية في الدوحة التي تشكل أكبر قاعدة برية خارج الولايات المتحدة، وأخيراً موقعها في جزيرة العرب وعند سواحلها المطلة على إيران بحراً والسعودية براً، أما مسألة علاقتها بتركيا فلا تخرج عن النص الأميركي الحرفي، ولو أرادت واشنطن لألغت هذه العلاقة باتصال هاتفي واحد على «الواتس اب» من دون أيّ تكلفة، ويبدو أنّ الخلاف القطري التركي من جهة والسعودي الخليجي من جهة أخرى ضرورة لغرض الجباية والاستضعاف.
أما على الساحل المقابل لهذه الامارة، فتنشر إيران على مساحات ضخمة، وتمكنت من القطع مع الهيمنة الأميركية عليها منذ 1979، لكنها تقاوم منذ ذلك التاريخ أعنف حروب وحصارات وعقوبات أميركية بشكل مباشر او بألوان عراقية في مرحلة صدام وخليجية في كل المراحل واسرائيلية عند الطلب.
ان مقارنة الصمود الإيراني بالاستتباع القطري فيه إجحاف، لأن قطر دولة صغيرة تأسست منذ ستة عقود فيما ترقى دولة إيران إلى آلاف السنين.
وكذلك حال السعودية التي ينهشها ترامب كلما سمع بالصدفة اسم آل سعود فيمسك بهاتفه الجوال مطالباً صديقه الملك او ولي عهده بالمال مقابل التغطية، ولا تنتهي المكالمة الا مع وصول التمويل مباشرة، حتى جاوزت الاتاوات المجباة من سلمان نحو 550 مليار دولار فقط، تكفي لإحداث ثورة صناعية عربية وزراعة السودان وتحويله اهراء للعالم الاسلامي بأسره.
كذلك فان الامارات والكويت وعمان لا تشذ عن هذه المعادلة الأميركية: ادفع وإلا فإننا لن نحميك.. ويسقط عرشك بأقل من اسبوع.
أما الدول العربية الفقيرة فتدفع ارتهاناً سياسياً كاملاً يلبي بعض المخارج التي يحتاجها الأميركيون..
وهنا يبرز الاردن الذي لا يستطيع الخروج عن الموقف الأميركي حتى ولو أصابه نسبياً وكذلك مصر السيسي الباحث عن الأرزّ في صفقة القرن ولا يريد إلا الاستمرار في الرئاسة مقابل أي خدمة للولايات المتحدة بما فيها تطوير تحالفه مع «إسرائيل» الى حدود تشكيل حلف عسكري مشترك في وجه المعادين للابتزاز الأميركي في العالم!!
هذا حال كل الدول العربية، فالغنية منها تدفع الاتاوات والفقيرة تتوسل الأرزّ.. وجميع فئاتها الحاكمة تحتمي بالأميركي مباشرة او عبر بعض الاوروبيين.
هذا حال العرب.. فما حكاية اوروبا صاحبة التاريخ الاستعماري الطويل والدول المتمكنة؟
تخضع اوروبا الغربية للنفوذ الأميركي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في 1945، وازدادت هيمنتها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989 فسيطرت على غالبية اوروبا الشرقية باستثناء بعض المواقع القريبة من روسيا.
لذلك ترتبط اوروبا بالأميركيين بأربع معادلات، الاولى عسكرية لان دولها اعضاء في حلف الناتو الاستراتيجي العسكري الذي اسسه الأميركيون لمجابهة الاتحاد السوفياتي ولا يزال مستمراً على قاعدة حلف أميركي ـ اوروبي في وجه كل من يعترض على الهيمنة الأميركية.. هناك استثناءات أوروبية حاولت التمرد على الطغيان الأميركي لكنها لم تنجح.
الثانية سياسية تؤمن تنسيقاً دائماً ومشتركاً بين الأميركيين واوروبا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والكومنولت البريطاني. للامانة فإن هناك تمايزاً بين الموقفين الالماني والفرنسي والإيطالي الباحث عن استقلالية نسبية عن الأميركيين والبريطانيين وآخرين منسحقين في السياسة الأميركية.
اوروبا هذه التي تلعب دوراً عالمياً منذ أربعة قرون على الأقل لا تستطيع الخروج من هيمنة الأميركيين عليها.
المعادلة الثالثة اقتصادية لأن الاقتصاد الاوروبي يتعامل مع الاسواق الأميركية بيعاً وشراء أكثر بثلاثين ضعفاً من أي أسواق اخرى.
هناك مراهنة اوروبية على قدرات إيران وتحالفاتها في اقتصاد مستقبلي واعد.. لكن دول القارة العجوز لا تبني سياساتها على حسابات آجلة.
أما المعادلة الرابعة فهي الثقافة المشتركة الاوروبية الأميركية التي تسيطر على العالم في الذوق والملبس والمأكل والاعلام، وكل شيء تقريباً، ما يزيد من صعوبة المجابهة الأوروبية للهيمنة الأميركية.
بالمقابل تواصل إيران التمرد على السياسات الأميركية منذ أربعة عقود متواصلة تتحمل فيها الحروب والعقوبات الهائلة والتحريض الاقليمي.. وفتح حركة الصادرات والواردات من بلدان المصدر ومحاولة تجويع شعبها وعجز اوروبا عن تلبية وعودها بتأمين بعض مستلزمات إيران، بموجب آلية جديدة تبين أنها تؤمن سلعاً لا تشملها العقوبات الأميركية.
لذلك تقدم إيران نموذجاً للدولة المتمكنة التي تعلن رفع معدلات التخصيب الى 5 في المئة ولا تعبأ بالتهديدات الأميركية، ولا بالوعيد الاوروبي وتتحضر لرد قاسٍ على احتجاز بريطانيا لإحدى ناقلاتها النفطية التي كانت متجهة الى سورية. وهذا ما دفع بالاوروبيين الى العودة الى مفاوضات جديدة مع إيران لتطوير آلية انستكس، لأنهم فهموا ان احتجاز الناقلة ضد محاولة أميركية بتغطية بريطانية لتفجير علاقات اوروبا بإيران.
وبذلك يصبح الصمود الإيراني اسلوباً قابلاً للتعميم على كثير من الدول المذعورة.. ويمتد أكثر عند تطور الموقف الروسي ـ الصيني في مجابهة الأميركيين، ليتحول آلية صريحة لولادة عالم متعدد القطب يضع حداً للقرصنة الأميركية في العالم.