عبد العزيز آل سعود يَخسرُ حرب اليمن بمفعول رجعي!
د. وفيق إبراهيم
هذا الاستنتاج ليس ضرباً من الخيال بقدر ما يستند إلى وقائع واضحة ومعاصرة مستقاة من ميدان حربي مفتوح ومتواصل منذ سنين أربع ونيّف. إنه هذا اليمن الذي زعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 2014 أن أسبوعين فقط يكفيان التحالف السعودي الإماراتي العسكري المدعوم عربياً وأميركياً وإسرائيلياً للقضاء على أنصار الله وعموم اليمن.
اليوم وبعد دخول الحرب على اليمن عامها الخامس يبدو المشهد مثيراً للغاية، الإمارات تفرُّ من ساحات القتال وتحاول استبدال مقاتليها بمرتزقة من شتى اصقاع الأرض، فيما تنتقل السعودية من بلد الى آخر لشراء جيوش تحارب عنها بأسعار مفتوحة.
حتى أنها لم توفر العدو الاسرائيلي ففتحت له مدن الأنبياء و الأئمة مع وعود بإنهاء القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وتمويل سكك حديد من فلسطين المحتلة الى جزيرة العرب وتأسيس حلف عربي اسرائيلي في وجه إيران.
لاستكمال المشهد تكفي الإشارة الى أن بواسل اليمن انتقلوا من الدفاع عن مدنهم وقراهم الى مرحلة اختراق حدود السعودية عند أعالي صعدة بمقاتلين يمنيين تقدموا بعمق وازن في أراضيها وقصفوا مدنها ومصافيها في جيزان ونجران وابها بطائرات مسيرة وصواريخ، وصولاً الى مدينة ينبع عند أعالي البحر الأحمر وشرقي المملكة، حيث ينابيع النفط وخطوطه.
السنوات الأربع لم تكن كافية لمحمد بن سلمان ومرتزقته للانتصار على يمن محاصر من عشرات الدول الغربية والعربية، والتي منعت ايضاً عنه السلاح والطعام والوقود وبالتالي كل مصادر الحياة والمقاومة.
هذه الدول نفسها مع السعودية والإمارات لعبت على عامل التفتيت والفتنة بين شمال وجنوب وشافعيين وزيود لسلب قوة اليمن.
اليوم بعد سنوات خمس، يعود الجنوب اليمني الى الانتفاضة مطالباً برحيل المستعمرين السعوديين والإماراتيين والأميركيين الذين انكشفت خططهم. فالسعودية مهتمة باقتطاع أقسام من حضرموت وشبوة المهرة وإقامة كانتونات في المناطق الأخرى، والامارات تريد جزر اليمن وسواحله لتأسيس مرابع وأندية وقواعد. أما الاميركيون فيهتمون ببحر عدن بمتفرعاته عن المحيط الهندي وباب المندب في البحر الاحمر الذي يصل الى البحر المتوسط عبر قناة السويس.
فالإمارات تزعم تحت وطأة خسائر مشروع التحالف السعودي أنها تسحب قواتها في حين أنها تتموضع لإيهام الرأي العام الدولي انها بصدد ما أسمته البحث عن السلام الاستراتيجي .
لقد استفادت السعودية في حربها المستعمرة على اليمن في شراء مجلس الامن الدولي بكامل أعضائه والامم المتحدة على مستوى قيادتها وجامعة الدول العربية والإعلام العالمي، فنجحت في تقديم صورة الحرب السعودية على اليمن بأنها حرب لتحريره من أنصار الله المنقلبين على السلطة ، كما تدّعي، وتزعم انها مفوضةٌ من مجلس الامن الدولي والجامعة العربية ودولة يمنية مفبركة يقودها عبد ربه منصور هادي بقوات وهمية تصدر بيانات يكتبها سعوديون، فيما دولة هادي آخر من يعلم أو يسمع، ويزعمون ان اليمن الجنوبي معهم يؤيّد حربهم.
لكن أبناء الجنوب يسجلون اليوم أعنف رفض على ما يسمّونه بالاستعمارين السعودي والإماراتي متوعّدين بقتال شعبي يؤدي الى طردهم من اليمن.
هناك مزاعم سعودية أخرى، فما إن بدأ اليمنيون بإرسال طائرتهم المسيرة وصواريخهم الى اهداف عسكرية واقتصادية ونفطية داخل السعودية والإمارات حتى بدأ إعلامهم متحالفاً مع الإعلام الغربي، بالزعم بأن هناك تهريب اسلحة من إيران الى اليمن، متشبثين بهذه الاتهامات لعامين أو أكثر. لقد دعمهم الاعلام الغربي في ترهاتهم لأنه لم يجد تبريراً لهزائمهم المتتالية إلا باتهام الخارج كعادة دول الخليج.
لكن معرض السلاح في صنعاء كشف عن قدرة يمنية على تصنيع السلاح، فالتهرّب يشمل عادة بضع عشرات من قطع غير قابلة للتجدد لكن هذا المعرض كشف عن مئات النماذج من طائرات مسيرة وصواريخ متطوّرة يستحيل تهريبها وسط حصار مضروب على اليمن براً وبحراً وجواً من عُمان والسعودية والبحار قرب عمان وعدن وحتى المحيط الهندي وباب المندب في البحر الاحمر وصولاً الى قناة السويس.
هذه المزاعم أنهاها معرض صنعاء فانهارت وتراجعت وطأتها الإعلامية، ولم يبق إلا ما يصيب السعودية والإمارات من مأزق حقيقي في حربهما على اليمن، فهما مأزومتان تبحثان عن مخرج لدى الدول الخارجية. وتتصارعان فيما بينهما على النفوذ وتتعرضان لرفض جنوبي يتدحرج نحو تنظيم حرب شعبية لن تتأخر باستهدافهما.
لقد أصبحا سخرية مواطنيهما الذين يتعجبون من قدرة اليمن المحاصر على إنتاج السلاح، فيما يعجز بلداهما عن صناعة إبرة، كما أن انسحابهما السريع من اليمن قد يتسبب بتداعيات على استقرار نظاميهما السياسي وعروشهما ولأن لصمود اليمن تأثيراً كبيراً على تقليص النفوذ السعودي والإماراتي، فإنه ذاهب بعد انتهاء الحرب الى أداء أدوار يمنية وفي شبه الجزيرة والإقليم وكيف لا وهو الذي يشارك في استقرار المضائق وعبور النفط.
انما ما علاقة عبد العزيز آل سعود بحرب اليمن وهو السابق عليها بسبعة عقود ونيّف؟
حاول عبد العزيز منذ القرن الماضي تنظيم سياسة اعتداءات دائمة على اليمن شملت الدولة واليمنيين المدنيين والحجاج والنساء محاولاً اقتطاع قسم من أراضيه.
وقبل وفاته جمع عبد العزيز اولاده مؤكداً عليهم بأن قوة السعودية رهن بالإضعاف الدائم لليمن والعراق ودعاهم الى ضرب هذين البلدين كلما سنحت لهم الفرصة. وهذا ما يطبقه ورثته منذ ذلك التاريخ. فاليمن إما تحت سيطرتهم المطلقة أو يتعرض لحروبهم ومؤامراتهم.
لكنه فاجأهم هذه المرة متجهاً الى إلحاق هزيمة موصوفة بهم. وهذه رسالة الى عبد العزيز تؤكد له ان المهزوم الفعلي هو عبد العزيز نفسه ومشروعه ولمرتين على التوالي إنما بمفعول رجعي هذه المرة.