هل ستخرج تركيا من حلف شمال الأطلسي؟
نبيل أحمد صافية
تزداد حالة التجاذب بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، نتيجة اتّباع أنقرة سياسات غير متوافقة مع توجّهات الولايات المتحدة وسياساتها. وجاءت أزمة شراء أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية أس 400 لتشعل فتيل أزمة مع واشنطن، وتلك الأنظمة من الصواريخ هي الأكثر تطوراً كونها قادرة على تدمير أهداف تتحرك بسرعة خمسة كيلومترات بالثانية، بما في ذلك الطائرات والصواريخ المجنّحة والصواريخ الذاتية الدفع متوسطة المدى، ويصل مداها إلى 402 كيلومتر ، وبدأت روسيا بتزويد قواتها بتلك الأنظمة منذ عام 2007، ونشرت مظلة صاروخية لتغطي مجالها الجوي الروسي بالكامل من بحر اليابان إلى البحر الأسود وسيبيريا، وأرادته روسيا أداة ردع دبلوماسية، ونشرت بطاريتين في سورية لحماية قاعدتي حميميم وطرطوس، وعدّت الإدارة الأميركية تلك الأنظمة تهديداً كبيراً بها، لأنّ سرعة تلك الصواريخ ضعف سرعة صواريخ باتريوت، ونطاق استهدافها يبلغ ثلاثة أضعاف، وبإمكانها توجيه عدد من الصواريخ أكبر بـ 13 مرة، وهي بسعر أقلّ في مبيعها من صواريخ باتريوت، وهذا بصورة نظرية رغم أنّ هناك معلومات لا تزال سرية عن تلك المنظومة للآن، وقد استعانت الصين بأنظمة الدفاع الصاروخية الروسية أس 400 وعدد من الدول، منها تركيا التي تريد نشر الصواريخ الروسية فوق أراضيها، وهي التي قالت: «إنّ ذلك قد يشكل خطراً على عدد من الأسلحة الأميركية الصنع المستخدمة في تركيا بما في ذلك طائرات أف 35 ».
تسعى روسيا لمزاحمة النفوذ والامتداد الأميركي في محيطها، ورأت أنّ إدخال بعض الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي سابقاً وضمّها لحلف شمال الأطلسي الناتو تهديداً للأمن القومي الروسي، وكان الردّ الروسي بنشر أنظمة أس 400 بمثابة ردّ على ما فعلته أميركا ليشكل تزويد تركيا بتلك الأنظمة من الصواريخ خروجاً على حلف الناتو ، وإنّ وصول الصواريخ في أيّ وقت لتركيا يعدّ إعلان نجاح روسي بذلك ومن المرجح تسليم تركيا أول دفعة الشهر الحالي كما يعدّ خرقاً لحلف الناتو ، كونه رداً روسياً للتغلغل الأميركي في المحيط الروسي، وقد أكد ذلك مايك بنس نائب الرئيس الأميركي فقال:
«شراء تركيا منظومات صواريخ أس 400 الروسية بقيمة 2،5 مليار دولار يعرّض الناتو للخطر ويهدّد قوة التحالف»، كما أكد أنّ «الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي في الوقت الذي تشتري فيه دولة عضو في الناتو أسلحة من خصومنا».
وأشار المتحدث باسم البنتاغون مايك أندروز في بيان إلى «أنّ الولايات المتحدة تواصل تحذير تركيا من العواقب السلبية لإعلانها عن سعيها شراء أس 400 ، وقد أوضحنا أنّ شراء أس 400 لا يتوافق مع أف 35 ، وأنّ مشاركة تركيا المستمرة في برنامج أف 35 معرّضة للخطر».
وتتزايد الخلافات الأميركية والتركية لأسباب كثيرة، وليس فقط بسبب أنظمة صواريخ أس 400 ، وهنا يتبادر للأذهان السؤال الآتي: ما الأهداف التي تسعى تركيا إليها من شراء تلك المنظومة من الصواريخ؟
لعلّ من الأهداف التي تسعى تركيا لها: أن تمنح سيطرة أمنية كاملة على المنطقة الآمنة العازلة شمال سورية، وحاجتها السياسية والاقتصادية والأمنية الروسية في سورية أيضاً، وأوضحت تركيا على لسان وزير دفاعها أنّ الولايات المتحدة إذا «اتخذت خطوات سلبية ضدّنا فلدينا خطواتنا المضادة»، كما أكد وزير الدفاع التركي أيضاً أنّ «تركيا ستسيطر مئة في المئة على منظومة أس 400 ».
رغم أنّ تركيا وضعت شرطاً لعدم استغلال تلك الأنظمة من الصواريخ لتشكل خطراً على حلف الناتو في أثناء مفاوضاتها لشراء تلك الأنظمة من روسيا، وإنّ شراءها سيمهّد لمرحلة جديدة من العلاقات الروسية التركية، وتطوير التنسيق العسكري مع روسيا، وهي تسعى لتمكين مشاركتها في إنتاج صواريخ أس 400 وفق العرض الروسي.
وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنّ «نظام أس 400 سيكون منفصلاً عن البنية التحتية للحلف في تركيا، ولن تكون له صلة بطائرات أف 35 التي توجد أعداد منها مخصصة لتركيا في قاعدة لوك الجوية بولاية ايرزونا».
وإذا كان لتركيا بعض الأهداف من شراء أنظمة الدفاع الصاروخية الروسية أس 400 ، فما العقوبات التي يمكن أن تتعرّض لها نتيجة ذلك؟
أشار البنتاغون إلى أنّ تركيا قد تتعرّض لعقوبات متنوعة في إطار قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات، وهذا ما صرّح به الرئيس الأميركي ترامب الذي أكد أنه قد يستعمل قانون أعداء أميركا ضدّ تركيا، وتسعى واشنطن لإيقاف برنامج تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات أف 35 ، وقال الرئيس التركي أردوغان: «إنّ رفض الولايات المتحدة تسليم 116 مقاتلة أف 35 المتفق عليها والمدفوع ثمنها يعدّ سرقة»، وقد دفعت تركيا مبلغ 1،4 مليار دولار ثمنها، وحذر مايك بنس نائب الرئيس الأميركي تركيا بأنّ «عليها أن تختار، وهل تريد أن تظلّ شريكاً مهماً في أنجح تحالف عسكري في التاريخ أو أنها تريد أن تهدّد أمن هذه الشراكة باتخاذ مثل هذه القرارات المتهوّرة التي تقوّض تحالفنا؟»
ويبقى السؤال: ما نتائج امتلاك تركيا صواريخ أس 400 ؟
من المرجح أن تتعرّض تركيا لعقوبات، كما يمكن أن تقف الولايات المتحدة موقف المساند للأكراد في إقامة دولتهم في الأراضي السورية والتركية، واقتطاع أراض من تركيا لصالح تلك الدولة، ولعلّ من ذلك حماية المجال الجوي الكردي بما يمنع الطيران والصواريخ التركية الوصول إلى الأراضي الكردية، وبالتالي ستكون تركيا أمام خطر جوي ضدّ الجيش التركي، وهذا ما يمكن أن يؤدّي إلى إسقاط حزب العدالة وأردوغان في الانتخابات أو محاولة انقلاب عسكري جديد في تركيا بدعم من الولايات المتحدة.
وسؤالنا الآن: هل يعدّ ذلك بداية خروج تركيا من حلف الناتو بعد انضمام تركيا إليه عام 1952؟ وما نتائج خروج تركيا وإنْ كان بشكل غير رسمي من الحلف؟ وهل يمكن أن يشكل خروج تركيا من الحلف صراعاً روسياً أميركياً بما يؤدّي لاشتعال فتيل أزمة أو حرب في المنطقة لم يكن أحد يتوقع حدوثها قبلاً، رغم أنه ينبغي أن نأخذ بالحسبان ألا نثق بتركيا، لأنها كثيراً ما تجيد المراوغة واللعب أو التذبذب السياسي كونها لم تنفذ أيّ بند من مقرّرات المؤتمرات في كازاخستان وجنيف وسوتشي؟ وهل ستكون لعبة صهيونية أميركية للدخول في العمق الروسي لكشف الداخل الروسي عسكرياً وغير عسكري لتكون مزروعة بطريقة جاسوسية ضدّ إيران وروسيا ومحور المقاومة؟ هذا ما سنراه في الفترة القليلة المقبلة، فلننتظر ونترقب الآتي من الأيام، خصوصاً أنّ روسيا والصين وتركيا تخطط لإنهاء هيمنة الدولار في التعامل الاقتصادي والتجاري بين الدول، بعد أن عملت تركيا على التوجه إلى دول «بريكس»، وهي الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند…
عضو المكتب السياسي وعضو القيادة المركزية
للحزب الديمقراطي السوري وعضو اللجنة الإعلامية
في مؤتمر الحوار الوطني في سورية