نساء عُلا الأيوبي الناطقة.. تمظهرات في اللون وتعبيرية في الوجه
نظام مارديني
من جديد، ليس يسيراً علينا أنْ نقرأ معرضاً للفن التشكيلي عن بُعدْ، وأعرف على مستوى اليقين أن لا كتابة نقدية جدية ممكنة عن عمل بصري، إلا في فضاء قائم على الاتصال الحي. ومن أهم الاشكاليات التي تقع هنا هي الاسئلة المتعلقة، بالفنانة واللوحات المعروضة في الصالة، ولذلك ينبغي ان تكون قراءتنا ذات اتجاه نقدي منفتح على آفاق شتى للفن بشكل عام ومعرض الفنانة عُلا الأيوبي بشكل خاص.
يمكن لتجربة مثل تجربة الأيوبي أن تثير أكثر من سؤال. ومن بينها أن الحدس الفني او الموهبة الفنية، في الفن التشكيلي، قد تحمل في ثناياها بذوراً عميقة، تتماهى مع عالم النظرية المعاصرة لها او السابقة او اللاحقة عليها ايضاً.
لا شك في أن تعكس لوحات الفنانة السورية، الأيوبي، في معرضها المقام في بوسطن، بلاغة تشكيلية مبهرة، إذ تخرج الريشة من ذاتيتها، وتمنح اللوحة واقعية تعبيرية تؤكد من خلالها على هويتها التي نمت معها في عالم الفن، وتلك التي تركز على ثيمات مثل «الدعسوقة» جنس من الحشرات من رتبة الخنافس ، ولكن بقي وجه الأنثى في اللوحة هو المفتاح البصري الجاذب، بحركية ألوانها وتداخلها وصخبها وتشكيلاتها وكأنها تدوّن تاريخها، أو أنها مدخل يؤسس لجاذبية فهم التلقي وانتصاره الشكلي على المضموني، من خلال ريشتها ورمزية التعبير لديها داخل فضاء اللوحة، وبما يختصر أمام المتلقي مكامن الجمال والتخيّل، وفق تناغمات لا تنفي التضاد، بل تتوافق معه بصرياً.
تتميّز ملامح الوجه عند الأيوبي بالخطوط التهشيرية والزخرفة التزيينية حول العينين والفم… ما يعطي الشكل العام لشكل الوجه نوعاً من الهوية الخاصة بالفنانة التي اختطتها عن سابق تأمل وتصور.
تلعب الفنانة الأيوبي على رمزية الفكرة باعتبارها طريقة حرة للتعبير كاختيارها سابقاً ثمرة «الرمان» في لوحاتها، لما تشكله هذه الثمرة من قدسية في الأساطير الشعبية والإنسانية في الفن، ومدى ارتباط ذلك برمزية الأنوثة والجمال.. والحرب، إذ هي اسم لقنبلة من جهة في حين يشير لون عصيرها إلى الدم!
ولعل هذه الألوان القوية والقاتمة في بعض اللوحات انما تشي بالمشاعر المتعلقة بالحزن وبتصورات مختلفة لتعزيز حجم الخطوط اللونية القصيرة منها والطويلة وبغموض تلتف من خلاله على الواقع بكل ما يختزنه من متناقضات.
تأخذنا الأيوبي في رمزية ثيماتها بين «الدعسوقة» و«الرمان» إلى عوالم تدون من خلالها تاريخ الأنثى وبلوحات تشي بالكثير من الدلالات، ليجعلها لغة التعبير.. لغة تفكر وتأمل، ما يختصر لنا فهم مكامن التبدل والتغيير في واقعنا المعاصر.
تحرر الفنانة الأيوبي تشكيلاتها من القيود لتوحي بهمجية الزمن على الإنسان وبقيمة الرمز في التعبير عن الذي يصعب البوح به بشكل مباشر، فما الذي تخفيه الأيوبي في لوحاتها من مضامين أخرى من تمثيل للمشاعر والانفعالات؟
تدرك الفنانة الأيوبي أن الفن خلاص كما الفلسفة، ومهمتها مضنية في التخيل كفنانة، كما التعقل عند الفيلسوف، وكلاهما يلتقيان، من جهة «الانهمام» بالجمال وتحسين الحياة.