من مدن الملح الى مدن العار
جمال محسن العفلق
انتهى دور شبه الجزيرة العربية مع آخر الخلفاء الراشدين وانتقال مقر الخلافة الإسلامية الى دمشق ومن ثم الى بغداد، وأفول الدولة الإسلامية العربية بسيطرة الاحتلال العثماني على المنطقة، ولم يبق من الحجاز إلا مكة المكرمة بحكم فريضة الحج التي أبقت الطريق مفتوحاً الى تلك المنطقة الصحراوية. ومع خروج الهاشمين من مكة ودخول الحجاز في صراع قبلي كانت السيطرة فيه لعبد العزيز آل سعود وبدعم بريطاني وتأسيس مملكة آل سعود بحدّ السيف وبدعم من مذهب جديد اسمه الوهابية، بدأ الدور السعودي الطموح بقضم كلّ المناطق المجاورة له وملاحقة القبائل العربية، فتوسّعت السعودية باتجاه الكويت حيث يوجد نزاع حدودي معها، كما توسعت باتجاه قطر وأبو ظبي، والأهمّ النزاع التاريخي مع اليمن والتمدّد في أراضيه وقضم جزء كبير منه.
كلّ هذا كان بدعم استخباراتي بريطاني وبعد الحرب العالمية الثانية كان الدور الأميركي الذي ربط السعودية بشكل عضوي كامل فيه ليكون دورها أكثر طواعية، فالنفط ومصادر الطاقة والتجارة مرتبطة بشركات أميركية وبالحقيقة تلك الشركات تابعة للصهيونية العالمية المسيطرة على الأسواق العالمية والداعمة لقطعان العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة ولم يكن للسعودية أيّ دور في حركة التحرّر العربي من الاستعمار بل على العكس ناصبت العداء لمرحلة جمال عبد الناصر، كما أنها كانت مسيطرة على دول الجوار من خلال مجلس التعاون الخليجي ومسيطره على كلّ قراراته، وحاربت دور الكويت الثقافي والبرلماني، وموّلت جماعات إرهابية من أفغانستان الى دمشق بحجة حماية أهل السنّة مرة ومحاولة لنشر المذهب الوهابي المعادي لكلّ المذاهب الإسلامية.
وفي السنوات الأخيرة ومع عدوان تموز 2006 على لبنان وحرب الـ 33 يوماً كان موقف الخليج واضحاً من الكيان الصهيوني، كما كان واضحاً تأثير هذا الدور على دول مثل مصر والأردن والمغرب في دعم العدوان وتجريم المقاومة بحجة انّ ما حدث هو مغامرة غير محسوبة واقتناع تلك الدول بقوة «إسرائيل» وأنها سوف تدمّر المقاومة وتنهي وجودها.
جاهر السعوديون بالعداء بإصدار فتاوى من كبار شيوخ الوهابية تحرّم الدعاء للمقاومة او احتسابهم شهداء! كلّ هذا وأكثر من أجل خدمة الصهيونية أولاً وللحفاظ على العروش التي قال عنها ترامب إنها عروش لن تبقى لأسبوعين إذا ما فكرت الولايات المتحدة الأميركية التخلي عنها.
ولم ينته الدور هنا… فالخليج يدعم كانتونات الأكراد الانفصالية، حيث انّ أكثر الاستثمارات في كردستان العراق خليجية، كما تحاول السعودية خرق السيادة السورية بإرسال وزراء وممثلين حكوميين الى شرق الفرات لتعزيز فكرة الانفصال عن سورية الأمّ عند بعض الفئات الكردية، وهذا بطلب «إسرائيلي» وغطاء أميركي، حتى أنّ الخطاب الطائفي السعودي لم يقتصر على أعمال استخباراتية سرية مثل التي كان يديرها بندر بن سلطان بل وصلت الى خطاب الملك الذي ادّعى انّ حماية أهل السنة في لبنان من مسؤوليته لتعزيز الانقسام الطائفي وتعطيل أيّ قرار في وجه الغطرسة الصهيونية في المياه الإقليمية اللبنانية، والمثير للسخرية أنّ السعودية تريد حماية السنة في العراق مرة وفي سورية مرة أخرى، ولكن الغريب انها لا تعرف شيئاً عن السنة في فلسطين المحتلة ولا تعترض على ما يحدث لهم من تعذيب وتنكيل واعتقال واغتيالات، وبعد وضوح انسحاب الإمارات من تحالف العدوان على اليمن وتورّط دول الخليج بحرب كلامية مع إيران وتخلي ترامب عن فكرة محاربة طهران… كان لا بدّ من مواجهه إيران كما تدّعي السعودية في مواقع أخرى مثل لبنان وسورية واليمن والعراق، وهذا طبعاً كله في إطار إشغال المنطقة في حروب عبثية وتمرير صفقة القرن التي يرعاها ترامب والإقرار بيهودية القدس لتصبح عاصمة الكيان الصهيوني المعتمدة. واستكمالاً لأهداف ورشة البحرين.
كلّ هذا جعل تلك المنطقة الصحراوية المترامية الأطراف منطقة لجلب العار والهزيمة للمنطقة، فأعلام الكيان الصهيوني ترفع في تلك العواصم والوفود الصهيونية تنتقل بين المدن، فخرج علينا بعض الصحافيين عبر تسجيلات مصوّرة يصفون فيها شعوب المنطقة بالشحاذين، وآخر لا يقرّ بحق الفلسطينيين بفلسطين المحتلة وبالقدس والمسجد الأقصى.
لقد استحقت هذه المدن لقب مدن العار بامتياز وطبعاً هنا لا نتحدث عن شعوب عربية لها أصولها القبلية إنما عن منظومة تحكم وتعمل من أجل مصالحها الضيقة بهدف البقاء في الحكم والاستمرار في استغلال ثروات المنطقة لمصالحها الخاصة…