حزب الله وأنصار الله يضعان «إسرائيل» في ضائقة أمنية؟
د. عصام نعمان
مَن يتابع وسائل الإعلام العبري يخرج بانطباع يراوح بين السخرية والشماتة مفاده انّ الله تعالى لا ينصر بني صهيون. لماذا؟ لأنّ حزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن وضعوا كيانها المأزوم في ضائقة أمنية واستراتيجية لا فكاك منها، أقلّه في المستقبل المنظور. كيف؟
صحيفة «هآرتس» 2019/7/17 قالت إنّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكّد في سياق مقابلة متلفزة لمناسبة ذكرى مرور 13 عاماً على حرب 2006 انّ «إسرائيل كلها باتت تحت مدى صواريخنا»، وانه كرّر تهديده بأنّ «حزب الله لا يحتاج الى سلاح نووي بل يكفي ان يطلق صاروخاً واحداً بإتجاه مخزن الأمونيا في حيفا كي يتسبّب بسقوط عشرات الآف القتلى والجرحى».
صحيفة «يديعوت احرونوت» 2019/7/18 كشفت انّ اعتزام الإمارات العربية المتحدة سحب قواتها المشاركة في الحرب على أنصار الله الحوثيين وحلفائهم في اليمن يشكّل هزيمة للسعودية وتالياً لـِ «إسرائيل» لأنه يُجهض مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي تقوده الرياض ويعطل إمكانية قيام حلف دفاعي بين «إسرائيل» وبعض دول الخليج.
ليس أدلّ على الضائقة الأمنية بل التحدي الاستراتيجي البالغ الخطورة الذي تكشّفت عنه تهديدات نصرالله الأخيرة من انّ قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي قرّرت، بحسب «هآرتس» وبإجازة لنشرها من الرقابة العسكرية، «تحصين 20 موقعاً في «إسرائيل» من الهجمات الصاروخية تحسّباً من إقدام حزب الله على استهدافها بصواريخ دقيقة في أيّ مواجهة عسكرية بينه وبين «إسرائيل» في المستقبل». وكشفت «هآرتس» انّ قائد قيادة الجبهة الداخلية أكد خلال نقاش داخلي جرى في الكنيست أنّ مليونين ونصف المليون مستوطن في «إسرائيل» لا يتمتعون بحماية مناسبة نظراً الى كون أكثر من 700,000 منزل غير محصّنين من الهجمات الصاروخية.
هواجس «إسرائيل»، ألى أين من هنا؟
ليست التحديات المشعّة من حزب الله، والتداعيات الناجمة عن تقدّم أنصار الله في اليمن هي وحدها ما يؤرق بنيامين نتنياهو في هذه الآونة. ثمة تحدٍّ أكبر تمثله إيران بما لها من ثقل عسكري قد يقترن بامتلاكها سلاحاً نووياً ونفوذاً سياسياً متزايداً من شأنه ان يلفّ منطقة غرب آسيا برمتها. الى ذلك، ثمة تحدٍّ آخر شديد الأهمية هو ما يمكن ان يقوم به، او لا يقوم به، حليفه دونالد ترامب حيال كلّ هذه التحديات.
ظاهرُ الحال يؤشّر الى انّ نتنياهو قرّر مواجهة هذه التحديات بما يؤمّن، في ظنّه، حماية «إسرائيل» ودعم مصالحه السياسية الشخصية وذلك بالتعاون مع ترامب في ثلاثة ميادين: تصنيف حزب الله تنظيماً إرهابياً، تطويق إيران بإبعادها ميدانياً عن سورية، وإعلان «حلف دفاعي» بين الولايات المتحدة و»إسرائيل» كخطوة رمزية تساعده على الفوز في الانتخابات البرلمانية في شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، وتساعد ترامب على الفوز بولاية رئاسية ثانية في العام القادم.
ففي مواجهة حزب الله الذي أضحى قوة إقليمية دعا نتنياهو، خلال لقاء عقده في القدس المحتلة مع نواب كبار في البرلمان الفرنسي، فرنسا والدول الأوروبية الأخرى إلى أنّ تقوم بما قامت به الأرجنتين وهو تصنيف حزب الله تنظيماً إرهابياً بدعوى «أنه بات التنظيم الإرهابي الرئيس الذي يعمل في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم، وهو يقوم بتوجيه الإرهابيين داخل الأراضي الأوروبية» صحيفة «يسرائيل هيوم» 2019/7/18 .
في مواجهة إيران، يتبنّى نتنياهو كلّ ما يقوم به حليفه ترامب ضدّ إيران من حصار وعقوبات اقتصادية، وضغوط دولية واستخباراتية لتعطيل قدرتها على إنتاج صواريخ بالستية بعيدة المدى بات مداها يصل الى «إسرائيل» وحتى الى أوروبا، وعمليات تخريبية بالتعاون مع جماعات إرهابية تستهدف مواقع ومرافق إيرانية على الحدود مع باكستان وأفغانستان. غير أنّ آخر وأخطر أنشطة نتنياهو على هذا الصعيد، لا سيما خلال اللقاء الأمني الثلاثي الذي عُقد في القدس المحتلة الشهر الماضي بين كلٍّ من مستشاري الأمن القومي الروسي نيكولاي بتروشيف، والأميركي جون بولتون، والإسرائيلي مئير بن شبات، قيامه بالتفاهم مع ترامب على مطالبة روسيا بضرورة ان يشمل ايّ اتفاق مستقبلي بشأن سورية انسحاباً عسكرياً إيرانياً منها كما من لبنان والعراق صحيفة «معاريف» 2019/7/18 .
في جهوده المحمومة للفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة، يتحادث نتنياهو وترامب بشأن إعلان «حلف دفاعي» هو عبارة عن تعهّد علني من جانب الولايات المتحدة بتقديم مساعدة محدّدة الى «إسرائيل» لمواجهة تهديدين أساسيين تتعرّض لهما: سلاح نووي وسلاح صاروخي، كما تنطوي على تبادل وثيق للمعلومات بصورة يومية، ومناورات مشتركة يقوم بها الجيشان، ومساعدة أميركية لاعتراض الصواريخ والقذائف، ودعم لوجستي عاجل في زمن الحرب. ويقول المحلل العسكري رون بن يشاي في موقع «Ynet» 2019/7/13 «إنّ التأثير الحقيقي لمثل هذا الإعلان سيكون تعزيز فرص إعادة انتخاب نتنياهو وتأكيد مواهبه كسياسي عالمي، كما تعزيز فرص ترامب في إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة بمساعدة من الإنجيليين من مؤيدي «إسرائيل» الذين يشكّلون مكوّناً مهماً في قاعدة الدعم السياسي له».
غير انّ جميع ما يسعى نتنياهو الى الحصول عليه من الولايات المتحدة لا يشكّل قفزة نوعية استراتيجية بالمقارنة مع ما حصلت وتحصل عليه «إسرائيل» من أمها الرؤوم. ذلك انّ أحدث وأفتك ما لدى أميركا من أسلحة برية وجوية وبحرية قد جرى تزويد «إسرائيل» به، هذا فضلاً عن مخزون أسلحة وعتاد وأجهزة تحتفظ به واشنطن في مستودعات خاصة في «إسرائيل» مع ترخيص دائم للقيادة الصهيونية العليا باستعماله اذا ما اقتضت الضرورة.
لا غلوّ في القول، والحالة هذه، إنّ «إسرائيل» عسكرياً هي أميركا الصغرى. ومع ذلك، يبقى ثمة سؤال: هل حمتها وتحميها هذه الأسلحة والترتيبات والتحالفات من المخاطر والتحديات التي واجهتها والأخرى التي تواجهها في قابل الأيام…؟
وزير سابق