قوات إسرائيلية في السعودية لحماية العرش
د. وفيق إبراهيم
آل سعود في حالة ذعر لم يمروا بها منذ تحالفهم مع الأميركيين قبل سبعة عقود ونيف، مستشعرين هذه المرّة خطراً داهماً على ملكهم يردّون أسبابه إلى عجزهم عن إسقاط اليمن.. وعجز الأميركيين عن تفجير إيران.
وهما عجزان قد يؤديان الى تفلت الداخل السعودي من السجن الكبير الموضوع فيه واستيقاظه من قيلولة تاريخية طال أمدها.
السعودية إلى أين؟
تشهد منطقة الخليج توتراً حربياً لم تعرفه من قبل، متجسّداً في صراع أميركي ـ إيراني اساسي تدخل على خطوطه روسيا والصين وأوروبا بأشكال متنوعة، متدحرجاً نحو حرب بين أميركا و»إسرائيل» من جهة وايران وتحالفاتها من جهة ثانية.
الصراع اذاً في الخليج، مرتدياً اللبوس الكاذب للدفاع عن حريات الملاحة فيه ومنع إيران من حيازة سلاح نووي وصواريخ باليستية وتحالفات سياسية.
الملاحظ أن إيران هي البلد الخليجي الوحيد الذي يشكل جبهة عسكرية لمواجهة قوات أميركية واسرائيلية من خارج المنطقة… الأميركيون يأتون من عشرات آلاف الأميال و»إسرائيل» تجيء من فلسطين المحتلة ويفصلها عن الخليج حليفان لها هما الاردن والسعودية.
الا تظهر بوادر الحرب الغربية ـ الاسرائيلية على إيران عملاً يؤسس لإعادة وضع يد كاملة على المنطقة وسط غياب كامل من أهلها الراقدين خارج التاريخ. فبعد احتجاز ناقلة نفط بريطانية في إيران قرب مضيق هرمز، قال الرئيس الأميركي ترامب ان بلاده لا تمتلك ناقلات تمرّ من الخليج، لأن أميركا مكتفية من نفطها الصخري وغازها.. مُردفاً بأن بلاده لديها في المنطقة الكثير من القواعد والسلام، إنه إذا احتلال مقنع يرتبط بالمصالح الاقتصادية الأميركية والهيمنة الاستراتيجية وهو أيضاً «قانون القوة» وليس قوة القانون الذي يجيز لأميركا نصب هذه الترسانات العسكرية في دول الشرق الأوسط وبحاره ومحيطاته، وهو الذي يبيح لبريطانيا احتجاز ناقلة نفط إيرانية عند مدخل البحر الأبيض المتوسط في مضيق جبل طارق بالقوة المموهة بذرائع قانونية واهية.
وإذا كانت السعودية مصابة بذعر «ارتداد حرب اليمن الخاسرة عليها» والأميركيون يخشون من تمدد التحالفات الإيرانية في الشرق الاوسط على حساب هيمنتهم.. فإن لا رابط فعلياً بين هذين الذعرين، للأسباب التالية:
اولاً: إيران تعرف ان بلدان الخليج هي جزء من الأمن القومي الأميركي، أي المنطقة التي يحارب الأميركيون من أجلها عند شعورهم باحتمال خسارتها. كما أن أي تغيير فيها يحتاج الى موازنات قوى داخلية، ليست موجودة حالياً، لكنها تتجه مع الوقت الى التشكل.
ثانياً: ما يسمّيه الأميركيون ميليشيات إيرانية ليست إلا قوى عربية «أصلية» تحارب الأميركيين وتحالفاتهم الداخلية بالتعاون مع إيران، فكيف يكون الجيش العربي السوري غريباً عن بلاد الشام والحشد الشعبي العراقي اليسير من بلاد الرافدين؟ وينسحب الأمر على الحوثيين في اليمن، الذين ينتمون الى الزيود… وهؤلاء يحكمون اليمن منذ تسعة قرون على الأقل، وكذلك حزب الله اللبناني بأدواره الوطنية والسورية والإقليمية.
هذا يظهر أن مشروع الحرب الأميركية في الخليج هي حرب أميركية على أبناء المنطقة الأصيلين، ويستهدف الحيلولة دون تدهور النفوذ الأميركي، ما يتطلب منح الثقة لأدواته المحلية وفي مقدمها: أمن العائلة المالكة في السعودية بسحب الذعر الذي يعتريها وذلك لاستمرار حلبها وسحب إمكاناتها الاقتصادية.. حتى نفاذ النفط والغاز المحتمل فيها.
فجاء الإعلان الأميركي عن ارسال 500 جندي أميركي اليها مع قطع عسكرية فاعلة ومتقدمة وطائرات F22 ومنظومة صواريخ «ثاد» المضادة للصواريخ والطائرات المسيرة، جاء هذا الدعم ليثير سخرية إضافية على آل سعود.
فواشنطن هي التي أعلنت عن ارسال هذا الدعم الأميركي وقبل الدولة السعودية بساعات عدة، وبذلك يبدو هذا الدعم قراراً أميركياً صرفاً لا يأبه لتقاليد العلاقات بين الدول التي تحافظ عادة على الشكليات والسيادات الوطنية.
كما ان هذا القرار ألغى حظراً سعودياً تاريخياً كان آل سعود يزعمون دائماً أنهم لا يقبلون بقوات اجنبية غير اسلامية على اراضٍ اسلامية مقدسة.
فلماذا يقبلون اليوم؟ يتجه آل سعود الى استصدار فتاوى من مرجعياتهم الدينية بأن هؤلاء الأميركيين هم من أهل «الكتاب» كما انهم بعيدون عن المدينة المنورة ومكة المكرمة. لكن الحقيقة في مكان آخر، وهي أن آل سعود المذعورين لم يعد يقلص رعبهم الا الوجود العسكري الأميركي المباشر الذي يجسد لهم أمناً عسكرياً ومعنوياً كبيراً بشكل مباشر وليس عبر قواعدهم في الجوار البحريني والاماراتي والقطري والاردني والكويتي، هذا بالاضافة الى مئات القطع البحرية المتناثرة بين الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي والبحر الابيض المتوسط.
هناك عنصر إضافي لأهمية الوجود العسكري الأميركي في السعودية، ويرتبط بالاجهاض المسبق لاي تحرك داخلي محتمل من الشعب المتذمر الى حدود القرف من عائلة سعودية تمتلك أسلحة بمئات مليارات الدولارات ولا تستطيع الدفاع عن نفسها وتسجن الناس في أقبية القرون الوسطى ولها وظيفة ثانية وهي قمع أي تحرك من أجنحة آل سعود ضد جناح ولي العهد محمد بن سلمان.
بالمقابل ليس مستبعداً ان تشتري السعودية اسلحة أميركية جديدة وتعقد صفقات جديدة ترفع من مؤيدي ترامب الأميركيين في انتخابات 2020، وتمول القوات الغربية المشاركة في الحماية المزعومة للملاحة… فالعلاقات تبادل خدمات بين سيد يتحكم في كل شيء وعبيده المنتشرين على الخط البحري العربي للخليج.
هناك خدمة سعودية اخرى لترامب وهي أن السعودية لن تخرج من حرب اليمن، لماذا؟ لانها حرب أميركية على اليمن اساساً وسعودية ثانياً، لكنها تحتاج الى قوات أخرى من أهل «الكتاب» لان القوات الاسلامية في باكستان ومصر والأردن لا تُلبي الغرض المطلوب، واوضاعها الداخلية المصابة بارتباك وتعسر لا تهبها حرية الحركة الخارجية.
وهنا يظهر البديل الاسرائيلي، فهو اولاً من أهل «الكتاب» وترضى عنه أميركا، ويتمتع بقوة عسكرية متقدمة على المستويات الجوية والبحرية والبرية انما ضمن حدود مقبولة، وقد يذهب السعوديون الى تبرير استقدامهم لـ»إسرائيل» بأن أجداد هؤلاء اليهود كانوا في «المدينة المنورة» قبل ظهور الإسلام، التي كانت تحمل اسم «يثرب» في ذلك الوقت.
التبريرات اذاً موجودة، بقي على ايران ان تقبل بها، لكنها لا يبدو انها موافقة لأنها مستمرة في التصدي المتمكن لاحتلال أميركي يريد استنزاف الشرق الأوسط، الأمر الذي يدفع السعوديين للبحث عن قوى أجنبية يضمها الى اهل «الكتاب» وتحالفاتهم من اوروبا وجنوب شرق آسيا واقصى الأرض.