تركيا تعود إلى العراق… اقتصادياً
د. هدى رزق
تشير الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو إلى العراق، إلى تغيير في مسارات الديبلوماسية التركية في علاقتها مع هذا البلد، بعدما أيقنت أنّ سياستها في المنطقة أدت إلى عزلها إقليمياً ودولياً في آن، ما جعلها تدرك الحاجة إلى تبديل المسارات، مع العلم أنها تعتبر أنّ أسباب هذه العزلة تعود إلى صدقيتها مع مبادئها، وهي تبريرات مثالية لا مكان لها في عالم السياسة والمصالح.
ويرى خبراء اقتصاديون أنّ هناك أبعاداً هامة لزيارة أوغلو العراق وإقليم كردستان، لا سيما في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها العراق عامة والإقليم خاصة، بسبب النفقات الكبيرة للحرب على مسلحي «داعش» في العراق. فالعمليات العسكرية التي تحدث في العراق وتدهور العلاقات بين الإقليم وبغداد، ألحقا أضراراً بالاقتصاد التركي، الذي كان يعتمد، في شكل كبير، على العراق وعلى الإقليم في تصريف منتجاته. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا العام الماضي، 12 مليار دولار، 8 مليارات منها كانت مع حكومة إقليم كردستان، الذي تتواجد فيه حوالي 1500 شركة تركية، يعمل فيها حوالي ألف عامل تركي.
وجاءت هذه الزيارة، بعد ثلاثة أشهر من تشكيل حكومة حيدر العبادي، وبعد تأزم علاقة أنقرة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي واتهامها له بالتحريض على الأقلية السنية، بينما اتهمها المالكي بالمساهمة في تقسيم العراق ووضع اللمسات على صفقات مستقلة للطاقة مع إقليم كردستان، بمعزل عن موافقة بغداد.
انتقد أوغلو قبل الزيارة، سياسة الحكومة السابقة في خطوة للتمييز بينها وبين الحكومة الحالية، وقال إنّ سياستها أفقدت السلطة المركزية السيطرة على 35-40 في المئة من أراضي العراق.
وتأتي هذه التصريحات في أعقاب حلحلة المشاكل بين إقليم كردستان العراق وبغداد، وبعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري في الأسبوع الأول من الشهر الحالي إلى تركيا، والتي كسرت الجمود القائم بين الدولتين، لكنه ركز على أنّ الأموال الموجودة في بنك «هالك» في تركيا من جراء بيعها النفط العراقي المستورد من إقليم كردستان، من دون موافقة الحكومة المركزية، هو في أيدٍ أمينة، وأنّ الأمر سيكون على رأس جدول أعمال العراق مع الجانب التركي، مشيراً إلى أنّ هذه المسألة لم تحلّ بعد. وقد برّرت أنقرة إعطاء الإذن لإقليم كردستان لشحن النفط باستخدام ميناء «جيهان» التركي، على أساس عدم وجود ميثاق شرف أو نصّ دستوري، فيما يتعلق بالتوزيع النسبي لعائدات النفط بين الحكومة المركزية والحكومة الكردية الإقليمية.
وتفتح إعادة العلاقات بين بغداد وأنقرة، باباً عريضاً لإنهاء التوتر بين البلدين، وإعادة بناء العلاقات الديبلوماسية والعسكرية والاقتصادية. لكن إلى جانب المصالح الاقتصادية، تبدو حكومة العدالة والتنمية راغبة في دحض الاتهام الموجّه إليها بدعم «داعش»، كذلك الرغبة في عدم ترك الساحة العراقية بعد عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، عسكرياً وسياسياً. وكان داود أوغلو قد أكد التزام أنقرة بعراق موحّد، حيث لا يوجد أي تمييز على أساس الانتماء العرقي أو الديني أو الطائفي، كما شدّد على رغبة بلاده في رؤية حكومة شاملة في بغداد، يعمّها الاستقرار، لأنّ السلام في العراق هو سلام واستقرار في تركيا. واعتبر أوغلو أنّ ما يهدّد العراق يهدّد تركيا أيضاً، مركّزاً على مزيد من التعاون العسكري بين البلدين، بما في ذلك الحرب على الإرهاب.
تمّ التوصل أثناء هذه الزيارة إلى اتفاق على عقد اجتماع بين 24-26 كانون الأول، خلال زيارة العبادي إلى تركيا. مع ذلك، هناك مشاكل لا يزال يتعين التغلب عليها. ويستعدّ المسؤولون الأكراد ومسؤولون في الحكومة المركزية، للاجتماع في الأيام المقبلة في محاولة لرسم مسار جديد في العلاقات. وتشجع تركيا على ذلك كونها تريد إبرام صفقات تسعى من خلالها إلى تقوية موقفها في المنطقة، من الناحية الاقتصادية. فهي ترى أنّ العراق قد ضعف في مواجهاته المستمرة مع مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، الذي سيطر على مساحات شاسعة من أراضيه، لذلك تسعى إلى عقد صفقات سياسية لتحقيق مكاسب اقتصادية، وستكون هذه الصفقات على حساب تنظيم الدولة الإسلامية.
إنّ تشديد أوغلو في إربيل على ضرورة تعزيز التعاون بين الإقليم والحكومة الاتحادية في بغداد، من شأنه إعادة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها السابقة، وزيادة كميات النفط العراقية عبر الأنابيب التي تمرّ بالأراضي التركية في المستقبل. كما أنّ الاتفاق بين إربيل وبغداد بشأن تقاسم عائدات النفط، وضمان حصّة الأكراد، سيسهم بالتأكيد في تحسين العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعراق.
إنّ إحدى القضايا الرئيسية التي من المتوقع معالجتها، هي إلغاء قرار حكومة المالكي حظر العمل مع شركات تركية كانت قد استبعدت، وكانت لديها عقود بـ 500 بليون دولار لتشييد البنى التحتية العراقية، ومن المتوقع اجتماع المجلس لتجديد التراخيص للشركة النفطية كورب الكونسورسيوم والسماح لها بالتنقيب عن النفط في حقول جديدة. ومن المرجّح إحياء مشروع خط أنابيب النفط في البصرة وبغداد- جيهان، وبالتالي توفير النفط من جنوب العراق كمنفذ ثانٍ إلى العالم.