تركيا وفرنسا تريدان إعادة سيناريو لواء اسكندرون في حلب
جمال العفلق
تتغيّر الأسماء والمصطلحات، لكنّ الاستعمار يبقى استعماراً. فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كان الانتداب الذي مزّق سورية الطبيعية ووزعها، يتم وفق أهواء المستعمرين ومصالحهم، فتشكلت سورية الجديدة المقسّمة إلى دويلات من فلسطين إلى العراق.
وكانت جريمة فرنسا لا تقلّ في أثرها المادي والمعنوي عن جريمة بريطانيا، بإعطاء وعد بلفور لليهود ومنحهم أرض فلسطين لإقامة وطن بديل لهم، لكنّ فرنسا تأخرت عشرين عاماً عن بريطانيا، عندما أعطت لواء اسكندرون لتركيا، مقابل صفقة وهمية لم يعرف السوريون عنها شيئاً، وبعد أن خرجت فرنسا مهزومة من سورية، بقي اللواء تحت الاحتلال التركي. واليوم تجتمع فرنسا وتركيا، لكنّ العين على حلب هذه المرّة، فتقاطع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في خصوص إقامة مناطق عازلة أو آمنة على الحدود الشمالية لسورية، بهدف الحدّ من تقدم الجيش السوري ومنعه من فرض قوة الدولة على أراضيها، يعيد إلى الأذهان ما قامت به فرنسا تجاه لواء اسكندرون، ويكشف مدى رغبة كلّ من الدولتين في إعادة مجدها الاستعماري، باقتطاع أراضٍ ليست ملكاً لها أصلاً، لفرض واقع جديد تكون تركيا فيه صاحبة اليد العليا في القرار. ويكشف الإصرار التركي والغربي على حماية الإرهاب، قبح أهداف الحرب على سورية، والتي ما زال يجمّل صورتها ما يسمى «ائتلاف الدوحة» المقيم في فنادق اسطنبول.
إنّ ما تحمله حلب من أهمية اقتصادية وتاريخية، جعل عين الضباع عليها، فسال لعابهم لافتراسها، وكلّما تقدم الجيش السوري ارتفعت النبرة والأصوات المطالبة بعزل حلب، لمنع تقدم الجيش ولإعطاء فرصة للعصابات المسلحة لإعادة لمّ الشمل ورصّ الصفوف، فتركيا اليوم تستفيد من هذه الفوضى وتجد فيها ما يرضي جنون أردوغان وحلمه بإعادة المجد العثماني وتوسيع رقعة دولته، للحصول على مكاسب سياسية داخلية تجعل منه بطلاً عند أصحاب الفكر القائم على حقوق السلطنة العثمانية المنزوعة.
أما تصريح لوران فابيوس الأخير، فإنه يثبت مدى رغبة الغرب في السير بمشروع تقسيم سورية، وما أطلق عليه اسم ضربات جوية غامضة يراد منها الحدّ من تقدم القوات السورية، هو دليل على مدى عمق الارتباط بين الغرب والجماعات التكفيرية، فالمقاتلين على أرض حلب جلهم من الإسلاميين التكفيريين المرتبطين بحركة الإخوان المسلمين وبالقاعدة. فالأجدر أن يقول فابيوس ضرب الجماعات التكفيرية، وفي العلن، وليس استهداف الجيش السوري بضربات غامضة، هذا لو كان الغرب يعمل فعلاً على محاربة الإرهاب.
وإذا ما تمّ تنفيذ هذا المشروع، فإنّ خط حلب طرابلس سيكون هو المرحلة القادمة من الحرب على سورية، فالمشروع الصهيوني الأميركي بتقسيم سورية يريد ولاية إسلامية تمتد من الحدود التركية وصولاً إلى طرابلس في لبنان، تكون مرجعيتها أنقرة، فتصبح بذلك عمقاً استراتيجياً داخل الأراضي السورية التي يتم إغراقها بالبضاعة التركية ونهب ثروتها وتحويل أبنائها إلى عبيد يعملون من أجل مصلحة سيدهم.
والأمر الأكيد، أنّ ما يسمّى ائتلاف الدوحة، يساهم في نشر هذا الفكر ويوافق على ما يحدث بحجة حماية المدنيين، لكنّ الائتلاف نفسه لا يطالب تركيا بفتح تحقيق حول عمليات خطف الأطفال الرضع من سورية والعراق وبيعهم عبر مافيا تركية «إسرائيلية» لعائلات إسرائيلية ليس لديها أطفال، وهي جريمة جديدة تضاف إلى ملفّ جرائم ما يسمى «الائتلاف» ومن معه من أتراك وعرب وغربيين.
واللافت أنّ فرنسا أطلقت هذه التصريحات بعد تقدم المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فيينا، وبعد تهديدات السعودية بإلغاء صفقة كبيرة مع فرنسا. فالواضح أنّ العاملين على الملف السوري يغرقون أكثر في الجنون كلما تراجعت عناصر المرتزقة التابعة لهم على الأرض. وما استقالة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل من منصبه مؤخراً، إلا نتيجة ضياع هذا التحالف وعدم اتفاقه على خطة واحدة، فالواضح أنّ لدى كلّ طرف مصالحه الخاصة، بينما العرب هم مجرد منفذين يدفعون التكاليف، خصوصاً وأنّ هناك خلافاً كبيراً بين الفكر الوهابي الذي ترعاه السعودية، وبين الفكر الإخواني الذي تستمد حكومة أردوغان وجودها منه.
إنّ الردّ الحاسم على هذه التصريحات، سيكون بإنجازات الجيش السوري على الأرض، وتطهير أكبر مساحة ممكنة، وإعادة السيطرة على طريق باب الهوى، الذي أصبح اليوم ممرّاً لكلّ جرائم تركيا والغرب، كما أصبح باباً للتجارة بالدم السوري.