مفاوضات حلّ قبرشمون تتجاوز عقدة الإحالة إلى المجلس العدلي نحو الشروط الترسيم براً وبحراً يعود للواجهة… ونصرالله يطل اليوم إقليمياً ومحلياً
كتب المحرّر السياسيّ
في مناخ إقليمي متوتر رغم مسارات التفاوض غير المباشر التي يرسمها الوسطاء بتنقلاتهم من طهران وإليها، تضغط على لبنان الأزمات المحلية، ولا يبدو بيد المعنيين بالحكم سوى التجميد للأزمات المستجدّة مثل مفاعيل قرار وزير العمل حول العمالة الفلسطينية، وأزمة النفايات الناجمة عن قرار اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية والشويفات إقفال مطمر الكوستابرافا أمام النفايات الوافدة من مناطق أخرى، وجاءت الأزمة الناجمة عن رفض رئيس الجمهورية التوقيع على قانون الموازنة المحال إليه من رئيسي مجلس النواب والحكومة، بوجود مادة تحفظ حقوق الفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، واعتبار المادة دخيلة على الموازنة، وما أثاره الأمر من تجاذب ونقاش وخلافات، واجتهادات، لم تخرج المداولات بعد بحل لها، رغم اللقاء العاجل الذي عقد في بعبدا وضمّ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وقيل إنه كان مخصصاً لحادثة قبرشمون وتداعياتها، بينما هو في الحقيقة كما قالت مصادر متابعة كان مكرّساً للبحث في كيفية تفادي أزمة بتجنب رئيس الجمهورية التوقيع على قانون الموازنة، ما يستدعي لضمان توقيعها التفاهم على حل يتصل بالمادة موضع الاعتراض، يتمّ بموجبها إزالة المادة من النص باعبتارها سهواً طباعياً. وهذا يستدعي موافقة رئيس مجلس النواب على الحلّ، وهو ما لم يحصل بعد، أو قيام عشرة نواب بالطعن بالمادة أمام المجلس الدستوري باعتبارها من غير اختصاص المجلس النيابي في مناقشته للموازنة، بينما قالت مصادر نيابية إن البحث بإزالة المادة مقابل تضمينها لموازنة العام 2020 قيد التداول وربما يبصر النور.
مصير انعقاد الحكومة الذي قال عنه رئيس الحكومة سعد الحريري لدى خروجه من بعبدا تفاءلوا بالخير تجدوه، تفادياً للإحراج لكون الأمر لم يكن موضوع زيارته المستعجلة إلى بعبدا، لا يزال موضع أخذ ورد، حيث الربط بمستقبل الحلول لحادثة قبرشمون لا يزال قائماً، والفك بين انعقاد الجلسة الحكومية وحلول حادثة قبرشمون لم يتحقق، لكن بالمقابل تمّ تحقيق تقدم نسبي على خط الحل الرئيسي في قضية قبرشمون تمثل بالتفاهم على اعتبار الذهاب إلى المجلس العدلي بات موضوع قبول من الطرفين الرئيسيين بعد كلام رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط عن موافقته على إحالة القضية إلى المجلس العدلي شرط إحالة حادثة
التتمة ص8
الشويفات أيضاً، ووصفت مصادر معنية بالاتصالات الهادفة لترسيم الحلول، أن هذا التقدم المبدئي بالقبول بالمجلس العدلي لا يعني نهاية الأزمة، طالما لا تزال المفاوضات حول الشروط المتبادلة للطرفين موضع تجاذب بين قبول ورفض. فالشرط الاشتراكي الذي لم يظهر أنه موضع ترحيب من الحزب الديمقراطي والنائب طلال أرسلان لم يقابل بالرفض ما يعني بقاء القنوات مفتوحة، ربما لتلقي شروط مقابلة للديمقراطي. وهذا يعني عملياً تقدم العملية التفاوضية وفقاً للمصادر، لأن العقدة الرئيسية المتمثلة بالذهاب إلى المجلس العدلي قد تمّ تجاوزها.
في موقع لبنان من الصراعات الإقليمية عادت إلى الواجهة قضية ترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان، بعد الكلام الذي نقله زوار رئيس المجلس النيابي نبيه بري عنه حول حدوث تقدّم في هذا الملف، وبقاء بعض العقد التي تحتاج إلى الحلحلة، لكن بصورة أفضل عما كان عليه الوضع مع سفر المبعوث الأميركي معاون وزير الخارجية ديفيد ساترفيلد قبل تعيينه سفيراً لحكومته في تركيا. وتوقعت مصادر معنية بالملف أن يتطرق إليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في إطلالته اليوم، وأن يتوقف أمام القضايا البارزة إقليمياً ومحلياً، سواء هدم المنازل في القدس أو المأزق الحكومي، على أن يخصّص مساحة للموازنة ودور نواب حزب الله ووزرائه في جعلها أقلّ وطأة على اللبنانيين.
مجلس وزراء الأسبوع المقبل؟
لا تزال أزمة قبرشمون تتأرجح بين حدي التشاؤم والتفاؤل الذي دعا رئيس الحكومة سعد الحريري من بعبدا أمس لإيجاده، لكن مصدر تفاؤله هذا الذي نطق به بصوت خافت، عجزت عدسات الكاميرا عن التقاطه وآذان الصحافيين من سماعه، مرده بحسب مصادر الى اللقاء الإيجابي الذي جمعه مع رئيس المجهورية العماد ميشال عون حيث تم التوافق بينهما على عقد جلسة لمجلس الوزراء الاسبوع المقبل.
وتركز البحث بين الرئيسين عون والحريري في اللقاء الذي دام لأكثر من نصف ساعة، بحسب ما علمت «البناء» على نقطتين اساسيتين: الأولى ملف حادثة قبرشمون، وقالت مصادر مطلعة على اللقاء لـ»البناء» إن «المشاورات مستمرة للتوصل الى مخرج وجرى البحث في خيار اعتبار حادثتي البساتين والشويفات يشكلان إخلالاً بالأمن القومي وإحالتهما سوية الى المجلس العدلي، لكن لم يحسم الأمر حتى الساعة». وأشارت المصادر الى «اتجاه لدى الرئيسين لعقد جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل لم يحدّد زمانها ومكانها في بعبدا أم في السرايا الحكومية، وهذا مرهون في ضوء نتيجة المشاورات القائمة».
وأشارت مصادر بعبدا لـ»البناء» الى أن «رئيس الجمهورية حريص على تحريك عجلة الدولة وتفعيل عمل المؤسسات، خصوصاً مجلس الوزراء لمواجهة الازمات ولا يعارض عقد جلسة، لكنه يفضل كما الرئيس الحريري أن يسبق انعقاد مجلس الوزراء تفاهم واتفاق على قضية قبرشمون»، مرجحة أن تصل الاتصالات الى «حلول تنهي الأزمة».
أما المسألة الثانية الذي تمت مناقشتها في اللقاء فهي المادة المرفقة بقانون الموازنة المتعلقة بالناجحين في مجلس الخدمة المدنية، ولفتت مصادر «البناء» الى أن «هذه المادة أُضيفت من دون أن تطرح على التصويت في مجلس النواب، وهناك تحفظ عليها من بعض الاطراف وهذا محل بحث بين الرؤساء عون وبري والحريري لإيجاد المخرج الملائم وهناك اقتراحات ثلاثة:
تعديل المادة باقتراح قانون معجل مكرّر.
تأجيل تنفيذها الى موازنة 2020 .
التقدم بطعن أمام المجلس الدستوري لسبب تجاوزها حد السلطة، لكونه عمل يخص السلطة التنفيذية انطلاقاً من نظرية فصل السلطات المعتمد في النظام اللبناني.
لكن مصادر بعبدا رجحت الاتفاق على الاقتراح الثاني اي تأجيلها الى موازنة 2020.
جنبلاط ينصب كميناً!
بالعودة الى الاتصالات على خط معالجة أزمة قبرشمون، استحوذت المبادرة التي وضعها رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط في التداول على اهتمام المفاوضين، حيث وضع جنبلاط مبادرته بتصرف رئيس المجلس النيابي نبيه بري عقب لقائه رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال أرسلان وأبلغها الى الرئيس الحريري الذي زار عون لاستمزاج رأيه في طرح إحالة ملفي الشويفات وقبرشمون الى المجلس العدلي الأمر الذي سارع الى رفضه الحزب «الديمقراطي اللبناني» لاعتباره كميناً نصبه جنبلاط للجميع للتشويش على القضية والمقايضة بين القضيتين ورمي الكرة الى ملعب الآخرين للخروج من مأزقه الذي وضع نفسه فيه، بحسب ما قالت مصادر الديموقراطي لـ»البناء»، وعلمت «البناء» أن «جنبلاط أجهض مبادرة الرئيس بري حيث أعلن في البداية موافقته على المجلس العدلي قبل أن يغير موقفه ويرفض، أما المبادرة الثانية فأجهضها الحريري وهي طرح المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وقضت بتشكيل لجنة امنية برئاسته مؤلفة من 3 ضباط من مخابرات الجيش والأمن العام وأمن الدولة للتحقيق بالقضية وبناء على تقريرها تحدد الإحالة للمجلس العدلي من عدمه، واعتبر الحريري طرح إبراهيم تشكيكاً بفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي»، ولفتت مصادر اليموقراطي لـ»البناء» الى أن «أرسلان مصرّ على العدلي، لكنه منفتح على الآليات التي تحقق هذا المطلب وبالتالي تحقيق العدالة».
وأكد أمين عام الحزب الديموقراطي وليد بركات أن «المبادرة غير مقبولة، لأن حادثة الشويفات مضى عليها الزمن، كما انها نتيجة إشكال مسلّح، والقضاء أوقف المطلوبين وحقق مع المتهمين، وقدم أهل الضحية إسقاطاً سلّمه جنبلاط الى رئيس الجمهورية». وتساءل: «لماذا لم يطالب جنبلاط يومها بإحالتها الى المجلس العدلي؟ علماً أنها اشكال امني نتيجة الانتخابات النيابية بينما حادثة البساتين هي عملية اغتيال استهدفت وزيراً في الحكومة، ذهب ضحيتها شابان، وانعقد المجلس الأعلى للدفاع من أجلها، واعتبر بأنها تهدد أمن الدولة، بل استهداف لوزيري الخارجية والدفاع اللذين كان من الممكن ان يكونا في الموكب».
في المقابل تشير اوساط الاشتراكي الى ان مبادرة جنبلاط بالدعوة الى ضم قضيتي الشويفات والبساتين الى المجلس العدلي جديدة وبدأت الاتصالات على هذا المستوى.
وغرّد جنبلاط على «تويتر» قائلاً: «اعتقد وبكل سهولة واذا ما صفت النيات بأن القضاء اذا ما ترك بعيداً من التجاذبات السياسية يستطيع ان يحسم قضيتي الشويفات والبساتين وفق الأصول المعروفة والمتّبعة. اتركوا الخلافات السياسية بعيداً من القضاء». وأضاف: «وفق الخرائط الجديدة والدقيقة عبر الاقمار الاصطناعية، يتبين ان لا علاقة بين طريق البساتين قبرشمون ومضيق هرمز. كل ما نتمناه من وزير الاشغال او الاعمار بأن نستطيع توسيع دوّار قبرشمون لتسهيل المرور للسير الذي يزداد ازدحاماً».
الحريري لا اعتكاف ولا استقالة!
أما في بيت الوسط فالاستياء سيد الموقف بحسب مصادر لـ»البناء» التي أكدت أن «الحريري لن يدعو الى جلسة للحكومة من دون التنسيق مع رئيس الجمهورية وقبل التزام الجميع بالتهدئة»، وأكد مستشار رئيس الحكومة داوود الصايغ في حديث تلفزيوني ان «الحريري مصمم على الحل في قضية قبرشمون »، لافتاً الى أن «الحريري يغضب ولكن يكتم غضبه وهو يمكنه أن يقلب الطاولة ويعتكف ويستقيل، ولكن هذا لن يحصل والأزمة سيتم إيجاد حل لها».
وأشار الى أن «الحريري اليوم هو يمثل ثقة داخلية وخارجية و الاتصالات سارية واتصالاته مباشرة وغير مباشرة مع رئيس الجمهورية لحل مشكلة قبرشمون وفقاً للاصول لإستمرار الحوار لان البديل عن الحوار هو أزمات». وأكد الصايغ أن «الحريري وعون متفاهمان وهذا أساسي لاستمرار العمل». ورأى «أننا نعيش أزمة ثقة داخلية في السلطة، ورئيس الجمهورية سلطة معنوية يتجاوز الصلاحيات الدستورية ويمكنه «المونة» على الجميع».
نصرالله يطل اليوم
في غضون ذلك يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم في احتفال ينظمه الحزب بمناسبة الذكرى الحادية والثلاثين لتأسيس مؤسسة جهاد البناء، تتخلل الحفل الذي يبدأ الخامسة عصراً اضاءة على أهمية هذه المؤسسة على أن يتحدث السيد نصرالله عند الخامسة والنصف ويتطرق الى المناسبة ويعرج على بعض العناوين الداخلية المتعلقة بالأزمة الحكومية وقرارات وزارة العمل بحق الفلسطينيين والاقليمية المتعلقة تحديداً بالتهديد الاميركي لايران وأفق المفاوضات.
ووسط استمرار الإضراب في مخيم عين الحلوة، حضر ملف تنظيم العمالة الأجنبية في اجتماع عقده الرئيس الحريري في السراي، مع وزير العمل كميل ابو سليمان بحضور رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة والوزير السابق غطاس خوري، تناول ازمة اليد العاملة الفلسطينية في لبنان. وكان أبوسليمان اجتمع الى منيمنة في وزارة العمل قبل انتقالهما الى السراي.
ودعت كتلة «الوفاء للمقاومة» في اجتماعها الدوري الى معالجة وضع العمالة الفلسطينية في لبنان وفق تسوية واقعية تترجم المصالح المشتركة والالتزام بالقوانين المنصفة والمراعية لحقوق الانسان والمعبرة ايجاباً عن تفهم اللبنانيين معاناة ومشاكل اللاجئين الفلسطينيين وتضامنهم مع قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة، مع تفهم المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين وحرصهم معاً على تطبيق الاجراءات التي تؤمن المنافع المتبادلة.
وعلى صعيد آخر، وبعد إعلان الرئيس بري عن إيجابية في ملف ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الاسرائيلي زارت السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وغادرت من دون الإدلاء بتصريح.
الى ذلك، أكد رئيس الجمهورية أن «الإجراءات التي تعتمدها الاجهزة الامنية والجمركية المعنية في مكافحة التهريب عبر المعابر الشرعية او غير الشرعية، ستزداد تشدداً خلال الفترة المقبلة، حماية لقطاعات الإنتاج اللبنانية من جهة، ومنعاً للهدر الذي يلحق بإيرادات الدولة من جهة ثانية، لافتاً الى انه بالتوازي، ستتخذ تدابير لمنع التهرب من دفع الضرائب والرسوم بعد تزايد هذه الممارسات في الآونة الأخيرة».