من سيخرج رابحاً في لعبة عض الأصابع: طهران أم واشنطن؟
حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ المواجهة المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، رغم مصلحة أطراف عديدة في وقوعها، إلا أنها احتمال ضعيف.
تحلّ الآن محلّ المواجهة المباشرة تبادل اللكمات والتحديات، من مثل إسقاط الطائرة المسيّرة الأميركية واستهداف مواقع إيرانية ولحلفاء إيران في العراق من جهات مجهولة، وتوجيه ضربات لناقلات النفط في الفجيرة من دون إعلان رسمي عن الجهة التي قامت بذلك. وتبادل التحديات اللكمات هذا أقرب إلى أن يكون لعبة عضّ أصابع.
عادة عندما يسلك الصراع والمواجهة مثل هذا المسار يصبح السؤال المطروح والأكثر إلحاحاً: من سيخرج رابحاً في لعبة عضّ الأصابع, واشنطن أم طهران؟ تبدو الإجابة على هذا السؤال ليست إجابة سهلة لأنّ كلا الطرفين يملك أوراق قوّة كبيرة. الولايات المتحدة لديها قوّة عسكرية كبيرة جداً في المنطقة، تتمثل بحاملات الطائرات وقواعد عسكرية منتشرة على امتداد الخليج، وتمتلك حلفاء لديهم قدرات عسكرية ومالية كبيرة مثل الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية. وتستطيع الولايات المتحدة التي تفرض عقوبات اقتصادية واسعة وغير مسبوقة على إيران، وهيمنتها الدولية التي دفعت دولاً عديدة لتقليص علاقاتها الاقتصادية مع إيران أن تلحق أذى كبيراً بإيران، ربما أقسى من ذلك الأذى الذي تسبّبت به السياسة الأميركية منذ انتصار الثورة الإيرانية وسقوط نظام الشاه حليف الولايات المتحدة و«إسرائيل» والغرب، في وقت تشهد فيه إيران سجالات سياسية بين تيارات مختلفة بعضها يجاهر بالدعوة إلى إعادة النظر بالسياسة التي اعتمدتها إيران منذ انتصار الثورة، لا سيما في مواجهة الولايات المتحدة والغرب. لكن في المقابل لدى إيران أوراق قوّة لا يمكن لأيّ باحث جدّي عن الحقيقة تجاهلها. إيران تملك الموقع الجيوسياسي الذي يعطيها ميزة على خصومها في هذه المواجهة من ناحية العمق، ومن ناحية تأثيرات وتداعيات أيّ مواجهة عسكرية. إيران تملك ورقة قوّة أخرى تتمثل في أنّ حجم قواتها من حيث العديد والعتاد هو الأكثف إذا وقعت مواجهة مباشرة على تخوم وحدود إيران لا تتوفر للولايات المتحدة وحلفائها.
إيران تملك أوراقاً أخرى إضافية في هذه المواجهة تتمثل بوجود حلفاء أقوياء لإيران في العراق قادرون على تهديد وجود القوات العسكرية الأميركية في هذا البلد الذي بات ساحة اختبار للسياسة الأميركية، ويمثل وضعاً رمزياً نظراً لكلفة احتلاله من قبل الولايات المتحدة.
وتمتلك إيران ورقة أخرى بوجود حلفاء سوريين ولبنانيين وفلسطينيين يمكن أن يشعلوا مواجهة مع الكيان الصهيوني، انتقاماً من اعتداء أميركي على إيران كان لتل أبيب دور أساسي فيه، تحريضاً وربما مشاركة، و«إسرائيل» هي عقب أخيل الولايات المتحدة.
في ضوء توزع أوراق القوة بين الجانبين، فالأرجح أنه في لعبة عضّ الأصابع، سيكون خيار تسوية على قاعدة «رابح + رابح» هو المآل الأخير لهذه المواجهة.