أيُّ جيشٍ وأيّ عيد؟
الدكتور ربيع الدبس
ليس الجيش عيداً فحسْب، نستذكره في مطلع آب وكفى اللهُ المستذكرين عبءَ الواجب طيلة أيام السنة… الجيش هو درعُ الوطن الأمتن ومؤسّسته الأكثر موثوقيةً والضلعُ المُجْمَعُ عليه في المعادلة الوطنيةِ الثلاثية. ولعلّ شهداء الجيش الأبرار في معارك الدفاع عن الوطن ضدّ العدوّ «الإسرائيلي» أو ضدّ الإرهاب هم شهداء الأفرقاء الداخليين جميعاً، حتى لا نسمّيهم الأطراف أوِ الأطياف.
في القاموس السياسي، الجيشُ عمادُ الدولة وعمودها الفقريّ، من دون أن ننتقص من مرتبة القضاء أو المؤسسات الرسمية الأخرى كالأجهزة الأمنية والإقتصادية والثقافية والتربوية، بل من دون التعدّي على دَور المؤسسات الكبرى كمجلس النواب التشريعي الرقابي أو مجلس الوزراء الإجرائي التنفيذي. هذه مسَلّمات محسومة في الدول المعاصرة. وقد اختصر الجنرال ديغول المسألة خلال رئاسته للجمهورية الفرنسية عندما سئل مرةً عن مفهومه للدولة فأجاب: «الدولة هي المؤسسات». أيّ أنّ للدولة انتظاماً قانونياً يتجسّد بالعقل الجماعيّ الإستمراريّ الذي تعبّر عنه المؤسسات، وإلا فما معنى الدساتير وما معنى التراتبية والديمقراطية والإنجازات السياسية؟ بل ما معنى الدولة أُفرغناها من عوامل القوة أو من مضمون المؤسسات القانونيّ التفاعليّ التكاملي؟
ليس للدولة أن يستوي مفهومها إلا إذا باتت ثقافةً لدى المواطن وسلوكاً. وحتى تصبح كذلك يجب أن يشعر عضو الدولة ويقتنع أنه مواطن أولاً، لا أنه مسْتَتْبَعٌ لطائفته أو قبيلته أو عشيرته. كما يجب أن يكون المسؤول قدوةً في القول والفعل لا في الشعارات والمزايدات. إذْ ذاك فقط يُستعاد الفرد إلى كنف الدولة باعتباره مواطناً لا مخلوقاً ذا مرجعية مذهبية مناقضة لمرجعية الدولة الجامعة بمؤسساتها الرسمية الضامنة والراعية وعلى رأسها مؤسسة الجيش.
في عيد مؤسسة الشرف والتضحية والوفاء، اللبنانية والسورية، وهي في الأصل مؤسّسةُ عيدٍ مترابط ومتزامن، إبتداءً بكلية حمص العسكرية التي تخرَّجَ منها كبار الضباطِ اللبنانيين والسوريين وصولاً إلى المدرسة الحربية في الفياضية، ثمة أَرومة واحدة ودمُ استشهادٍ واحد وجوامع مشتركة ومصالح عليا متداخلة… نعم ثمة جيشان انسكب دمُ كلٍّ منهما ضدّ المستعمر من ميسلون إلى بشامون ومن يوسف العظمة إلى سعيد فخر الدين، وضدّ الإجتياح المعادي من الجنوب إلى المصنع، ومن عين داره إلى السلطان يعقوب، بل ضدّ الإرهاب من حلب الى ضاحية بيروت الجنوبية ومن القصيْر والقلمون إلى عرسال والسلسلة الشرقية، بل إلى ما يضيق المجال عن تفاصيله… نعم، في عيد هذه المؤسسة الأبية نثمّن عالياً تضحيات قيادتها وضباطها ورتبائها وجنودها المتأهّبين والمتقاعدين، نتحسّس آمالهم وآلامهم، نغْبِطُ شهداءَهم وشهداء المقاومة البواسل ريادتهم في حمْل المشعل العالي لأنّ جذوته المتّقدة ستبقى خميرة الضوء المباركة في عتمة الليل الحالكة. إنّ أشدّ ساعات الليل حَلَكاً هي الساعة التي تسبق الفجر.