لبنان يرقص على حافة الهاوية… والسياسة مجمّدة حتى إشعار آخر الاشتراكي يقلب الطاولة بأعنف هجوم على العهد والوزراء… والقضاء
كتب المحرّر السياسيّ
بينما تتواصل مساعي الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني لحياكة تفاهمات أوروبية إيرانية تحمي الاتفاق النووي من السقوط، كما أشار الاتصال الهاتفي المطوّل بينهما أمس، رسم الرئيس الإيراني مع لندن وواشنطن معادلة عنوانها، السلام بالسلام والأمن بالأمن، والنفط بالنفط والمضيق بالمضيق، واضعاً سلامة عبور النفط الإيراني لمضيق جبل طارق مقابل سلامة عبور التجارة والناقلات البريطانية لمضيق هرمز الذي وصفه بأنه قد يكون غير آمن. وفي الردّ على دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض جدّد الرئيس روحاني معادلته السابقة، لا تفاوض قبل إلغاء العقوبات.
واشنطن التي طغى عليها الهمّ السوري مع قرب عمليات الجيش السوري للحسم في منطقة إدلب بوجه جبهة النصرة، وجدت بلسان وزير دفاعها مارك إسبر أن التهديد التركي بعملية عسكرية في شرق الفرات ضد الجماعات العسكرية الكردية غير مقبولة، وأنها ستضطر لمنع أي توغل تركي في المنطقة في حال حدوثه، رغم أنها تتمنى استمرار التنسيق مع أنقرة، ما أكد الاستنتاجات السابقة بربط واشنطن لوجود قواتها بمسعى دائم لمقايضتها مع الوجود الإيراني في سورية، وفقاً للرغبات الإسرائيلية، ما يرفع قيمة غطاء الجماعات الكردية للوجود الأميركي على قيمة تلبية طلبات الرئيس التركي.
في لبنان كأن القادة السياسيين ليسوا على صلة بما يحدث ومتابعة حجم التحديات الإقليمية الخطيرة وتداعياتها، أو كأنهم جزء عضوي منها. فالكلام الذي قاله الحزب التقدمي الاشتراكي بحق رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء ومجلس القضاء الأعلى ورئيسه وعن التحقيقات ومساراتها، يشكّل إعلاناً سياسياً بحرب مفتوحة مع العهد، وفقاً لما تراه مصادر سياسية متابعة، وصفت خطوة الاشتراكي بإعلان حرب متسائلة عن الحسابات التي تقف وراءها، ومدى علاقتها بما يجري في المنطقة خصوصاً معركة إدلب، وما قد ينجم عنها مع الانتصارات المتوقعة للجيش السوري، وسعي الاشتراكي لتفاهم مع حزب الله يستبق التطورات، وربما كان وراء حادث قبرشمون نفسه، في رسالة مضمونها قد لا يكون مبنياً على حسابات دقيقة للموازين الداخلية والخارجية، بقدر ما هي دعوة لمنح الاشتراكي ثمناً لعدم دفع البلاد إلى أزمة كبرى تربك الحسابات السياسية والأمنية في لحظة اقتصادية ومالية دقيقة، وتحمّل حزب الله مسؤولية تعطيل الدولة ودورة الحياة السياسية والاقتصادية، وهو ما ينتظره الأميركي وربما بعض الخليج وفقاً لما قالته زيارة رؤساء الحكومات السابقين إلى الرياض. وعن مضمون الرسالة الاشتراكية لحزب الله، قالت المصادر، إنها على الأرجح دعوة لحماية المكاسب الاشتراكية من مرحلتي الحرب والتطبيق السابق للطائف، مقابل تجنيب حزب الله مواجهة أزمة مفتوحة يتحمّل مسؤوليتها، من بوابة الاشتباك الاشتراكي مع العهد، كما تقول المصادر نفسها.
بالتوازي لم يصدر عن حزب الله ومصادره أي تعليق على الكلام الاشتراكي، بينما قالت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه جمّد مساعيةه التوافقية، وبقيت ردود الأفعال الصادرة عن الأطراف الأخرى، خصوصاً التيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية ومجلس القضاء الأعلى محصورة بالاتهامات الخاصة بمضمون التحقيقات، ولم تتناول الأبعاد السياسية لما قاله الاشتراكي في هجومه غير المسبوق، بانتظار ما سيقوله رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل اليوم وما سيتضمنه المؤتمر الصحافي لرئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان.
لا شك في أنّ التصعيد السياسي على الجبهات كافة دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى فرملة اندفاعته ومساعيه لحلّ أزمة قبرشمون، بعدما فشلت كلّ المبادرات في إحداث خرق في جدار أزمة الجبل المستعصية على الحلّ، علماً أنّ الرئيس بري التقى امس الوزير السابق غازي العريضي. كما دفع التصعيد رئيس الحكومة سعد الحريري الى الاعتكاف خارج لبنان وإطالة أمد إجازته العائلية، طالما انّ أبواب الحلّ لا تزال مقفلة والجمود يحيط بمجلس الوزراء الذي يبدو أنه لن يلتئم قريباً. وقد بلغ التصعيد السياسي مستوى خطيراً جداً أمس، مع فتح الحزب التقدمي الاشتراكي النار بالمباشر على رئاسة الجمهورية ووزراء تكتل لبنان القوي سليم جريصاتي وجبران باسيل والياس بوصعب، والقاضي جان فهد وإن كان الاشتراكي يعتبر وفق مصادره لـ البناء أن هذا التصعيد جاء بعد ما أسماه حملة افتراءات شنّها رئيس الجمهورية ولبنان القوي على النائب السابق وليد جنبلاط حيال ما قيل عن كمين كان يُراد منه استهداف الوزير باسيل. فرئيس الجمهورية بعث اول امس لنا برسالة ليست إيجابية على الإطلاق وكأن هناك مَن يريد توجيه الاتهامات لغايات في نفس صاحب الادعاءات، معتبرة ان الضغط على القضاء من أجل أن تأتي نتائج التحقيقات غب الطلب مع ما يريده التيار العوني .
وأعلنت قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي أنها تقدمت أمام قاضي التحقيق العسكري بدفع شكلي لعدم صلاحية القضاء العسكري بالنظر بالدعوى في ملف حادثة قبرشمون – البساتين، لافتة الى انها في انتظار اتخاذ القرار لاستكمال الإجراءات كما ينص عليها القانون، وقالت: تبين أن الادعاء تجاوز التحقيقات وتم تحويل المسار القضائي الى مكان آخر . ولفتت القيادة الى ان التحقيق نفى نظرية وجود الكمين المسلح نظراً لعدم توفر شروطه ، سائلة: لماذا الادعاء بجريمة القتل المتعمّد؟ .
وعن التسجيلات الصوتية، شدد محامي جرحى الاشتراكي نشأت الحسنية على أن لا قيمة قانونية للتسجيلات الصوتية لأن شعبة المعلومات استدعت جميع الأشخاص المعنيين وتبين ألا خلفية أمنية أو قضائية وراء التسجيلات.
وحمّل وزير الصناعة وائل أبو فاعور، الوزير باسيل المسؤولية المعنوية والسياسية والقانونية عن حادثة قبرشمون من ألفها الى يائها . وقال المشكل الاساسي هو زيارة رئيس تيار سياسي دأب منذ فترة على خطاب سياسي طائفي فتنوي استعدائي واستعلائي . وتوجّه ابو فاعور بسؤال الى رئيس الجمهورية قائلاً: هل تقدر المخاطر على لبنان وسلمه الأهلي واستقراره من الخطاب الطائفي التدميري؟ . ورأى ان ادعاء الكمين سخيف ولم يكن هناك محاولة اغتيال . واعلن ان شعبة المعلومات التي حققت الإنجازات في مكافحة الإرهاب سقطت الآن في الامتحان، لأنها لم تتهم التقدمي الاشتراكي بالتسليح والقتل وإقامة الكمين .
اضاف: أن القاضي كلود غانم نفى نظرية الكمين ومحاولة الاغتيال، وذلك رغم كل الضغوط التي تعرّض لها . واعلن ابو فاعور ان جريصاتي وبو صعب يضغطان على القاضي كلود غانم للادعاء على الموقوفين من الحزب التقدمي الاشتراكي بالمادة 2 و3 إرهاب، للحصول على اتهام سياسي .
وعقب المؤتمر، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر تويتر قائلاً: سنبقى صامدين في الحزب ومعنا اصدقاء كثر في وجه الإرهاب المنظم لقسم ممّن يدّعي الحكم ويعيش في الماضي المظلم المبني على منطق حروب الإلغاء .
وبانتظار المؤتمر الصحافي الذي سيعقده رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان خلال اليومين المقبلين أكدت لجنة الاعلام في الديمقراطي في بيان أنه لا يعنينا شيء من كلّ ما قيل في مؤتمر الاشتراكي، وهو لتحريف الحقائق وإفراغ التحقيق من مضمونه ومحاولة بائسة للضغط على القضاة وتشتيت الرأي العام، ولن نساوم على دماء الشهداء والجرحى تحت أي ظرف من الظروف . وشدّد على أنه لدينا ما يكفي من تسجيلات صوتية للذهاب الى المجلس العدلي، ومنطق الفجور والهجوم بغية الدفاع والتستّر عن جرم بهذا الحجم لن يجدي نفعاً لأنه سقط الى غير رجعة.
على هذا الخط، دخل وزير العدل البرت سرحان داعياً في بيان أصدره مكتبه الاعلامي الجميع، مواطنين ومسؤولين، أن يحكموا ضمائرهم، والى القضاة أن يؤدّوا رسالتهم بالمناقبية والحياد والالتزام بعيداً من أي تشكيك أو تجاذبات، هذه الرسالة التي في صميمها إحقاق حق للمتقاضين، وفي الوقت عينه التنقية الذاتية عند الاقتضاء، ولنذكر جميعاً أن قليلاً من الحق يدفع الكثير من الباطل .
ولفت مجلس القضاء الأعلى بعد اجتماعه الاسبوعي، الى ان ما ورد على لسان الوزير ابو فاعور حول مضمون الكلام المتداول بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل وقاضي التحقيق الأول لدى المحكمة العسكرية بالإنابة يفتقر إلى الصحة جملة وتفصيلاً.
وأشار إلى أن مضمون بعض فقرات المؤتمر الصحافي يشكّل تدخلاً غير مشروع في العمل القضائي مؤكداً أن القضاء في لبنان مصرّ على أن يؤدي دوره كاملاً في مسار تطبيق القانون وإحقاق العدالة بعيداً عن أيّ محاولة للتأثير فيه او التشويش على عمله.
أما تكتل لبنان القوي الذي يحيي اليوم ذكرى 7 آب، فطالب بفصل الصراع والتجاذب السياسي عن اجتماع الحكومة، معتبراً أن عملها واجب وطني وعدم اجتماعها ليس جيداً للبلد اقتصادياً ومالياً واجتماعياً. وأشار إلى أن المؤتمرات الصحافية والسجالات والتجاذبات لن تغيّر الوقائع الموجودة عند القضاء والتكتل متمسّك بالعدالة والديموقراطية، مشدداً على أن طريق العدالة واحدة وهي القضاء.
وشدّدت مصادر وزارية في لبنان القوي لـ البناء على أن التكتل لن يردّ بالسياسة على أي كلمة أطلقها الاشتراكي في مؤتمره امس، مشددة على ان التيار الوطني الحر لا يحتكم الى المؤسسات، والقضاء هو الذي سيحكم في ما يتصل بقضية قبرشمون بعيداً عن اي تضليل من هنا او هناك. فمنطق الدولة هو الذي سيحسم وأزمة الجبل لن تحل إلا عن طريق القضاء سواء كان عدلياً او عسكرياً وغداً لناظره قريب. فلا مكان لمنطق التسويات في عهد الرئيس ميشال عون، وعلى الجميع ان يفهم ذلك، فالحزب الاشتراكي وكأنه يقول من خلال رفضه نتائج تحقيقات فرع المعلومات، اريد النتائج لصالحي. وهذا صعب المنال وكل المؤتمرات الصحافية والتهديدات لن توصل إلى نتيجة.
وليس بعيداً، لا تخفي مصادر مطلعة لـ البناء عتب التيار الوطني الحر على رئيس الحكومة الذي لم يدعُ الى جلسة لمجلس الوزراء ويعتمد منذ 30 حزيران الماضي سياسة الطرف الى جانب النائب السابق وليد جنبلاط رغم كل نتائج التحقيقات التي اطلع عليها، لافتة الى ان ما يجري من تهجم وتطاول على رئيس الجمهورية ووزراء التكتل من الحزب الاشتراكي يجب ان يكون مدعاة لرئيس الحكومة لإعادة حساباته وقراراته التي لا تصبّ في خدمة البلد ومؤسساته. فالحكومة يجب أن تجتمع لدوافع وطنية ولتسيير شؤون الناس.
في المقابل، أهابت كتلة المستقبل بالقيادات المعنية وعي دقة المرحلة واعطاء فرصة جدية لجهود المصالحة التي يعمل عليها بصمت الرئيس نبيه بري وبمواكبة الرئيس سعد الحريري . واعتبرت ان الاحتكام الى القضاء في القضايا الخلافية، لا يمكن ان يقع في موقعه الطبيعي بمعزل عن حياد السلطات القضائية والامتناع عن التدخل السياسي في الملفات القضائية ومسار التحقيقات التي تولتها الجهات الامنية المختصة . ونبّهت كتلة المستقبل الى ان محاولات التشكيك بنتائج التحقيقات التي يتولاها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، باتت سياسة مكشوفة الأهداف يقوم بترويجها وزراء ونواب ومواقع إخبارية، يتناوبون على تهشيم صورة الفرع وتضليل الرأي العام تجاه كل ما يتولاه من مسؤوليات، وهي سياسة وصلت بعد حادثة قبر شمون الى حدود غير مقبولة مع ما يتردد عن تدخلات للقفز فوق نتائج التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات والولوج الى مسار تحقيقي جديد على خلفية الاتهامات الجاهزة.
الى ذلك انتقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بصراحة شعبة المعلومات ، إذ وجّه نداءً عاجلًا الى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، وسأله كيف يقبل بفركة ملفّات لأشخاصٍ من دينٍ واحدٍ ومذهبٍ واحدٍ ، مؤكّداً، أننا مع القانون ولكن هل مسموح تعذيب الناس في أقبية الأمن الداخلي وشعبة المعلومات خلال التحقيق معهم؟ فهذا الأمر لم يعد يطاق .
ليرد عثمان بالقول: أتوجّه الى غبطة البطريرك بالرجاء الحار بأن يتأكد بنفسه أو يكلّف من يرتئيه لمواجهة الموقوفين الذين تم الادعاء بأنهم تعرضوا للتعذيب أو جرى تلفيق التهم بحقهم، سواء من الذين أُخلي سبيلهم أم من الذين ما زالوا موقوفين وبالطريقة التي يراها مناسبة، تبياناً للحقيقة ووضع الأمور في نصابها الصحيح . وختم متوجهاً الى مَن شهد بالزور أمام غبطته، أنه ينطبق عليه ما جاء في الكتاب المقدس الشاهد بالزور لا يتبرَّأ .
على صعيد آخر، أكد قائد الجيش العماد جوزف عون خلال احتفال في القاع بمناسبة افتتاح ساحة الجيش اللبناني وتدشين طريق شهداء الإرهاب ، أن المؤسسة العسكرية ملزمة بالدفاع عن لبنان والتضحية من أجله، والجيش يقوم بدوره في ضبط الحدود رغم الصعاب والتعقيدات الجغرافية . واعتبر أن الاستقرار الأمني الذي ننعم به اليوم هو أفضل من أي وقت مضى، وشدّد على أن الجيش لن يسمح مطلقاً بأي محاولة للإخلال بالأمن ، مؤكداً أن المؤسسة العسكرية على جهوزية كاملة لمواجهة أي تهديد داخلي أو خارجي .