رواية «الشاهد» فخٌّ قرائي شائق وواهن!!
طلال مرتضى
بعيداً عن قصة حضور كاتب ما وتجمهر بؤر الضوء حوله اللامعة والتي غالباً ما تكون محمولة على طبق غير طبق الكتابة أو الأدب بعينه، فهذا يعني أن جلّ الحاضرين بحياتنا كنجوم، حضورهم هذا بفعل انعكاس الضوء المنبعث عبر نواة مغايرة تجعل منهم في المقدّمة، وهو ما نطلق عليه الحضور الضوئي والذي – وفي الغالب الأعم – يكون على حساب مستحقيه من الأدباء الذين يلمعون بأدبهم لا كالذين وكما قلت، تحملهم أطباق السياسة أو الدين أو مرجعيّات اجتماعية أو اقتصادية، هذا والأمثلة كثيرة وخصوصاً في بلادنا العربية ومع كل هذا أيضاً لا ينفي بالمطلق أن هؤلاء أدباء، لكن الحوامل التي توفّرت لهم جعلتهم أكثر حظوة ممن هم أقدر منهم أدباً وأعمق وهذا ما جرّني للمفارقة غير المحمودة والتي قد لا يستسيغها الكثيرون، عندما أقارن عميقاً بين أدب العملاقين العربيين المرحومين محمود درويش إبن السلطة وسميح القاسم إبن المقاومة، ثمة هوة عميقة بين هذا وذاك، لكن حامل الضوء عند درويش من باب أنه إبن البلاط العالي غطّى حضوراً على القامة السامقة القاسم..
تلك المقدّمة والتي ولرّبما يجدها أحدهم سفسطائية، تنطبق تماماً على كاتب الرواية الموسومة بــ»الشاهد» الكاتب جوش ماكدويل والتي أعدّها وترجمها للعربية المصري منير فرج الله.
بعيداً عن حكاية تصنيف الرواية وتجنيسها، فأنني أشي بأن تذهب بمعطاها إلى أدب الرحلات بمعزل عن أحداثها التي تقترب إلى البوليسية والمطاردة والتي تتكئ في الغالب على الاكشنة في كثير من مطارحها وهو ما يتيح لكاتبها كسر الزمان والمكان معاً، كون الحدث تدور أفلاكه عدة عواصم عربية وأجنبية وهذا ما أعطاه – أي للحدث – مدّاً شائقاً لكون القارئ يعيد ما اكتشفه الكاتب قبلاً من رهجة المدن المنيرة والمطارات الصاخبة الحركة والمنتزهات والمعالم المبهرة التي تطلب حدث الرواية معالقتها..
تفنيداً أقول، لعلّ عنوان المرويّة فك جزءاً كبيراً من خطوط خباياها قبل ولوج القراءة من باب أن كلمة «الشاهد» التي تبين أن سرّ الحكاية لم يعدّ سرّاً والسبب هو وجود شاهد، لكن الشاهد هنا كاد أن يدفع روحه ثمناً للحقيقة التي صارت بين يديه، الشاهد الذي كان ذا شخصية ذات تأثير عالٍ في مسيرة الرواية، أثث لها الكاتب بعناية فائقة، وقت قدّمه كمدير لشركة تعنى بحماية الشخصيات السياسية أو الفنية أو من ذوات الثراء الفاحش..
تبدأ الرواية بلقاء البطل مع رجل أعمال معروف في باريس قد خطفت ابنته وقتلت تحت ظروف غامضة وهو يتعرّض لابتزاز من قبل عصابة مجهولة استطاعت أيضاً اختطاف زوجته.. لكن الأمر بدا مختلفاً حين زار بطل الرواية رجل الأعمال ليقدّم له دليلاً مهماً يُبين فيه أن زوجته الآن في المكسيك وهي تتسوق في المولات الكبرى وان حكاية الاختطاف هي مَن تديرها ويقدّم له دليلاً بالصور وأثناء هذا اللقاء يتعرض اجتماعهما لإطلاق نار يسقط رجل الأعمال صريعاً وينجو بطل الرواية لتتشعّب بعدها الحكاية ويتحوّل البطل المطارَد إلى مُطارِد..
خطوط الرواية كلها محبوكة بشكل دقيق لتفي بالغرض المهم من قيامتها كرواية، ولا أعتقد أن ناقداً ما يستطيع أن يتوقف عند خيط واحد سل من هذا النسيج ليعيب بناءها الفنّي. وهذا يعود للدراسة المسبقة لتشكيل معمارها، فكما أسلفت فإن مثل هذه المرويّات تجعل من قارئها شغوفاً لاهثاً وراء القبض على خاتمتها والتي تركها عبثية أو مفتوحة لا كلاسيكية..
وبالتأكيد لم أمرّر كلمة «محبوكة» أيضاً لاستئثار القارئ وجرّه كما كاتب الرواية نحو الخواتيم، بل كنت أعني كل كلمة مكانها، لأننا نعرف بسليقة الحياة، لا بد من دافع ما وراء تلك اللمعة التي تضيء تفاصيل الرواية والنقلات الحقيقية على الأرض والتي عاينها الكاتب عن كثب بالعين المجردة.. فالكاتب وحين الرجوع إلى سيرته، نجد أنه يعمل مبشّراً لمجموعة أو فئة متدينة وقد استعمل تلك الرواية الأدبية الشائقة جسراً ليمرر من خلالها ما يريد من أفكار والتي أتت دساً زائدا ًولزوم ما لا يلزم في الرواية، حين أجبر القارئ على قراءة أكثر من خمس عشرة صفحة تحكي في الغرب بينما كان حدث الرواية يتوسّل جهة الشرق سمة لها.
كاتب عربي/ فيينا