تشييع حزبي وشعبي مهيب وحاشد للأمينة المناضلة هيام نصرالله محسن والكلمات تؤكد ريادة مسيرتها النهضوية ودورها القيادي بإيمان راسخ لا يتزعزع
اعتدال صادق شومان
في وداع الأمينة هيام نصرالله محسن عند أصيل يوم أمس… ألقى الحزن بظلاله الواجمة على البيت العتيق لأصحابه آل «نصرالله» تلك الدار المتوارية خلف الدرب الترابي الطويل في بلدة الحدث، العابق بملامح أهله وهويتهم ودفء ذكرياتهم.
وعلى بعد خطوات من منزل «الكاهن الذي حدّثه»، وقد صار يوماً «بيت الأمة» إذ اهتدى نجل العائلة «رجا» إلى صفوف النهضة وقد أضحى للقوميين الاجتماعيين فيه لقاءات ومحطات وأسماء… وخطاب ألقي غداة «انقلاب» ليعلن «نحن نريد غاية واضحة، وقصداً واضحاً، وحياة جديدة تقوم على مبادئ جديدة»، وكان من هديه ان تلقفت الصوت الساطع صبيةُ البيت الحلوة فكان لها أن رفعت يمينها أمام صاحب الدعوة شخصياً وغدت «حضرة الرفيقة المحترمة».. ومن ذاك الزمن الحزبي العميق ابتدعت فيه هيام اسكندر نصرالله لنفسها موقعاً نضالياً في صدارة صفوف الحزب الأمامية في مسيرة طويلة شيّقة جعلت لها شعاراً «سواء فهمونا أم أساؤوا فهمنا فإننا نعمل للحياة ولن نتخلّى عنها».
ويغبطني القول إنه كان لي شرف تدوين بعض من مدلول هذه السيرة في حديث صحافي طويل لم يخلُ من تفاصيل ذكريات عايشتها عن قرب مع سعاده… رب الأسرة المضياف والأب والزوج المتفاني، والرجل الحريص على إعادة «كتاب» استعاره من صديق رغم حراجة الموقف الأمني الذي كان يمرّ به سعاده، فأتت تنقذ مكتبة زعيمها متنكّرة بلباس امرأة منقّبة تدارياً من عيون خبيثة…
وفي الجعبة أيضاً مآثر كثيرة من الأسرار و«عتب» كبير وأسئلة بقيت من غير أجوبة أودعتها إياها «السيدة المتشحة بالأسود» حزناً على من كان منقذاً للأمة.. وقضى فداء لها..
كلّ هذا قبل ان يحتضن الدار الذي صار محجة للقوميين الاجتماعيين مسيرة جديدة لعائلة قومية أواصرها «عقد قران» سوري قومي اجتماعي تجاوزاً لكلّ الاعتبارات الطائفية في مراسيم حزبية أقسم فيه الزوجان نذور الزواج المقدّسة بمباركة الأمينة الأولى لذاك الثنائي المتميّز نضالاً وأمانة و»رئاسة» عبدالله محسن وهيام نصرالله، وكلاهما من تلامذة سعاده المنتجبين على الصراط الحزبية، جاعلين من التزامهما شأناً حياتياً إنسانياً كلياً وإبراراً بالقسم، فكانت لهما عائلة سورية قومية اجتماعية أبناء وأحفاد قوام نشأتهم على مرامي الحق الخير والجمال.
وقد شهد القوميون الاجتماعيون على مسيرتهم كما خاضوها بملئ الجوانح تكبداً ومعتركاً مشتعلاً قاسي تشريداً واضطهاداً واعتقالات متكرّرة ومديدة ذوْداً عن الحزب وقضيته، ستحفطها الأجيال كرمز للنضال والتضحية وأيقونة محفوظة في صدارة الذاكرة الحزبية.
الأمينة هيام محسن التي نلتقي في رحابها اليوم سيخلّدها تاريخ حزبنا كرمز للنضال وللمرأة الصارمة الموقرة الممتلئة هيبة وعنفواناً تحدّت ولم تتنحَّ يوماً عن مبادئها.
أيتها الأمينة الجليلة..
تودعك عائلتك اليوم والسوريون القوميون الاجتماعيون بمأتم وقور مهيب، يشبه رهافة وقارك وهيبتك وحضورك المختلف.
وداعاً ايتها الأمينة وانت تلتحقين اليوم برفيق دربك.. وتحية لك.. رفيقة وأمينة ومسوؤلة ومربية أجيال فاضلة ومثقفة، ومثالاً للأم السورية القومية الإجتماعية القديرة..
في حضرتك تعلّمنا الكثير أيتها الكبيرة.. وداعاً…
كما في وصيتها… على وقع الترنيمة الفيروزية: أؤمن أنّ خلفَ الحباتِ الوادِعاتِ تزهو جنات، أؤمن انّ خلفَ الليل العاتي الأمواجِ يعلو سراج، أؤمن أنّ القلبَ المُلقى في الأحزان يلقى الحنان… كُلي إيمان إيمان إيمان. أُدخل جثمان الأمينة الراحلة هيام نصرالله محسن، محمولاً على الأكفّ وملفوفاً بعلم الزوبعة إلى صالون الكنيسة الإنجيلية ـ وسط بيروت، لإقامة خدمة الجنازة، بحضور العائلة أبناء وأحفاد وإلى جانبها رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي فارس سعد، رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، عدد من العمُد وأعضاء المجلس الأعلى والمسؤولين المركزيين، رئيس هيئة منح رتبة الأمانة كمال الجمل، أمين عام المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، رئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط القس الدكتور حبيب بدر، رئيس بلدية الحدث جورج عون، رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور جوزيف جبرا، وحشد مهيب من الشخصيات والفاعليات والأمناء والقوميين والمواطنين.
ترأس مراسم خدمة الجنازة القس د. حبيب بدر والقى كلمة عدّد فيها مزايا الراحلة لافتاً إلى أنها «امرأة مثقفة وجريئة ومناضلة نشيطة قومية اجتماعية بامتياز، وأنشات عائلة على المبادئ التي تربّت عليها.
الحفيدة ديما أبو عبدو
ثم تحدثت ديما أبو عبدو عن الجدة والرفيقة والحبيبة فقالت:
في اللغة العربية الهيام أعلى درجات الحب… وفي حياة كلّ واحد منا الهيام أعلى درجات الحب.
لم أتخيّل ان يأتي هذا اليوم، يوم وداعك أنت الحياة والسعاده والحب متجسّدين في إنسان، كيف لك ان تطفئي شمعتك هكذا؟
كيف أختصر هيام ببضع دقائق؟
أنت الإبنة والزوجة المحبة حتى آخر رمق، الرفيقة، الأمّ الحنون، الأمينة عن حق وحقيقة، الجدة المثالية والمرأة الشجاعة.
أنت هيام التي تحدّت مجتمعها في أواسط القرن المنصرم، فأبت أن تفرق بينها وبين توأم روحها معتقدات بالية.
أنت هيام التي قرأت لأنطون سعاده، فأقتنعت بفكره اقتناعاً تاماً. وانتمت الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في الثامنة عشرة من عمرها، وتحدّت مرة جديدة المجتمع بدخولها الحياة السياسية.
أنت هيام، الأمّ التي تفانت في تربية عائلتها فكنت السند لأولادك في أشدّ المراحل قسوة عليهم.
أنت الرفيقة هيام التي ناضلت حتى يومها الأخير من أجل فكرة أقسمت على أنها تساوي وجودها، فربّت مع رفيق دربها عبدالله عائلة قومية اجتماعية.
أنت الأمينة هيام، رئيسة المجلس الأعلى سابقاً، أول امرأة في العالم العربي تصل الى رئاسة السلطة التشريعية في حزب.
أنت هيام، فرحة أحفادك وأولادهم.
صعب جداً ان أعبّر عن كلّ ما في وجداني… صعب هو الموقف الذي يجبرنا على تحجيم حبنا لك ببضع دقائق. كيف لي ان أعطي لحظاتنا معك حقها ببضع دقائق.
جمعاتنا يوم الأحد لن تكون كاملة بعد اليوم، وأعيادنا سينقصها فرح عظيم.
ستشتاق رندى وندى ورائد ونديم لحنانك وحبك، وسنشتاق مازن وغسان وأنا للمزح معك، واندرا وديليا لحديثك الجميل، وريان وليلى لدفئ غمرتك.
أما الحياة فستشتاق لإمراة عرفت كيف تروّضها وأبت ان تكون عابرة فيها.
كما قال أديبك المفضل جبران: «المحبة لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق».
حقاً لم أكن اعرف انّ هذا الكمّ من الحب موجود قبل اليوم.
كما آمنتِ وآمنتُ معك، المحبة لا تسقط أبداً.. لذا، تأكدي انّ حبنا لك سيزيد عمقاً وقوة كلّ لحظة.
حبيبتي، نتركك اليوم وأنت لا تتركينا يوماً، تظلين كنسمة آذار الناعمة، تسكنين حياتنا بكلّ أوجهها، تظلين الهيام أعلى درجات الحب.
هنئياً لك بجوار رفيق الدرب والعمر عبدالله، وحبيبنا رغيد… عزاؤنا انّ البقاء للأمة.
سليمان بختي
وألقى سليمان بختي كلمة باسم موسسة سعاده للثقافة جاء فيها: هذه الكلمة هي بإسم مؤسسة سعاده للثقافة التي ترأستها الأمينة هيام نصرالله محسن منذ العام 2009 حتى العام 2012، وكان لي الشرف أن أكون معها في الهيئة الإدارية.
أدركت منذ اللحظة الأولى انّ هذه السيدة صاحبة الدور الكبير للمرأة في النهضة القومية الاجتماعية في بلادنا قد تجاوزت اعتبارات كثيرة، فعلت إرادتها الإنسانية لأجل كلّ تغيير، قاومت كلّ ظلم، وارتفعت بإنسانيتها حتى رقّت لطفاً وتهذيباً وتواضعاً.
حملت لنا من الزمن الذي عاشته كلّ حق وخير وجمال، وطّنت النفس ان تكون جسراً للتعاون.
كانت سيدة تأتي من هدأة الدعة والطمأنينة وترسم دنيا هنا ودنيا هناك، وكلها تطلعات وترسم رسمة الانتعاش في النهوض من الغفوة، وفية صادقة عذبة وتمسك بنقاوة ليست من هذا العالم. تحمل الحلوى المصنوعة بحنان أمّ لكلّ الأعضاء وتنهي الجلسة بجملتها المعهودة «المهمّ أن نكون قد أنجزنا شيئاً».
ومع هيام محسن في مؤسسة سعاده للثقافة أنجزنا أكثر من مؤتمر وأكثر من تحية لرموز النهضة وأعلامها. وهي كانت من نساء النهضة وجماعة النهضويين والوحدة والحركة المدنية الإنسانية الذين حرّكتهم الروح حتى قالت حياتها الحكايات الكبرى.
لقد تعلمت من الحياة انّ العطاء هو التعبير عن الحب وانه المبرّر الأول للوجود. وكانت تحرص ان يظلّ الوجود وجوداً فلا يخوننا أحد أو نقع في هاوية الخطأ والضلال. وتؤمن أنّ التاريخ سيحكم ويكشف ويغربل. عملت لأجل الحياة، وأعطت في النضال النهضوي وأعطت في التعليم عبوراً الى الآخرين، وكانت موهوبة بالأمومة فنهضت بعائلة كريمة، والأمّ لا تحسب عمرها بل توزّعه على أولادها وأحفادها كحبات الملبس.. ووقفت مع زوجها الراحل الأمين عبدالله محسن ليتبوأ رئاسة الحزب وأشعلت القنديل تنتظر الكلّ، كلّ امرأة بطلة وهي البطلة، وكانت تشير إلى القلة في الإنصاف والشحّ في الفضائل والقيم.
وكانت تشير بجرأة الى الدرب المليء بالعناقيد المضيئة والأجران الطافحة بالخمر والحرية. وكانت تردّد انّ الحياة بحاجة الى روح تنهض. وأعطت روحها بكلّ ما تملك للحياة ولم تترك للموت شيئاً سوى ما يتركه الموت لنفسه.
ذاقت المرارات كلها التي فيها شقاء ومرارة، وانقشعت لها الرؤية ولبثت رابضة على حلم واحد وهو: كيف تنهض هذه الأمة من عثراتها وتشق طريقها؟
كيف نسمح بمغادرتك، بوداعك والحلم لا يزال حلماً؟
هل اشتاقت هيام محسن الى النور أم إلى صحبة الذين مهّدوا الطريق الى النور؟
غياب هيام محسن فيه شيء من الحرج وشيء من العطر إذ يترك فينا حنيناً. لنا أن نحزن ولكن الحزن لا يشفي حقاً لكن الميراث هو الذي يشفي.
تنضمّ اليوم هيام محسن إلى قافلة الكبار في تاريخنا وتراثنا الذي عندما يرحلون يأخذون زمانهم معهم ويأخذن بعض المكان.
ورغم ذلك حلم هيام نصرالله محسن هو حلم العمر الجدير بالتحقيق.
حلم الخلاص الحقيقي لهذا المجتمع وهذه الأمة ولهذه البلاد.
شكراً هيام محسن على القدوة على العبرة شكراً على الأمل.
كلمة العائلة
وألقى نجل الراحلة نديم محسن كلمة جاء فيها:
نحن أولاد الأمينة هيام والأمين عبدلله وأحفادهما وأولاد الأحفاد نشكر من القلب حضوركم معنا فرداً فرداً في هذا اليوم الذي هو مزيج فريد من الحزن والشوق والطمأنينة، ونشكر جميع الذين شاركونا الفقدان إما تعبيراً وتواصلاً أو شعوراً صامتاً عن بعد، كما نخصّ بالشكر القس الدكتور حبيب بدر على سعة صدره وإفساحه المجال في هذه الكنيسة للتعبير عن معتقدات ومكنونات حبيبتنا الوالدة.
فتماماً كطبيعتها الرقراقة، كانت الماما على فهم للمسائل الفكرية المؤسسة كامتدادات متوالدات، لا يخفي تعدّد الأسماء عبر الوقت، الربط أو التأثير او مسرى الوريد، فلا انقطاع بين تماوجات الضوء وان كانت للحظات فرادتها. وهذا هو لبّ التكون. اتخذت الفتاة الناشئة في بيت انجيلي وطني من جبران خليل جبران محركاً للعواطف والمواقف، ما لبث ان تحوّل الى حلقة وصل لا تصدأ، فمن ناحية أضاء لها على حركية يسوع وراهنيته، فكان ابن الانسان بوجوديته في زمن الإقطاعيات والطائفيات بظلمها وظلامها وتقاطع الاحتلالات الفرنسية والبريطانية والعثمانية الآفلة، واليهودية المشرئبة. ومن ناحية ثانية، وبعد ان أدخل أخوها «رجا» إلى البيت مبادئ من نوع جديد، مهد جبران بأكثر من قوميته السورية ومطالبته بفصل الدين عن الدولة لسعاده النهضوي في عقل الصبية، فكان المعمدان الجديد.
في الكثير من الأحيان تلاشت الحدود عندها بين الثلاثة، وخاصة بين الفادي وتموز الجديد، من دون عناء ومن غير حاجة الى تبرير: مجرد تواز وتشابه في السيرة والثورة والحق والصدق والاشتعال والتوهّج والاستشهاد.
كانت على مثال ثالوثها: متطرفة في حياتها تطرف الصادقين، فانتمت الى الحزب حتى صار الحزب نفسها وأحبّت رفيقها العميد آنذاك، عبدالله، حتى أصبح مدنياً لا بداوة، قيسها وهي ليلاه.
انضمّت الى سلك التعليم حتى اتخذت من مدرسة المروج حلماً وحقلاً وحفاوة. ثم وبعد ان كسر اقتتال 1975 ما كسر وتمزقت الطرقات، رمت بحيويتها نشاطاً حزبياً وتحمّلت العديد من المسوؤليات الحزبية المركزية. وفي كلّ المسار، ظلّ برفقتها إثنان: قلم رومنسي وفيّ لحرارة شحناته وابتسامة آسرة هي من بوح قلبها والنقاء.
تشاركت والأمين عبدالله حياتهما الحزبية كاملة بكلّ ما فيها من انتصارات وخيبات وانكسارات. تشاركا إنما باستقلالية، ولم يتوانيا عن التمايز والاختلاف في المقاربة، إنما دائماً بفرح الالتقاء في المقاصد الكبرى والغاية المثلى، والعرس الذي ما انتهى بإنفضاض المدعوّين.
حبيبتنا…
سيبقى لغزاً كيف استطعت وأنت المنتمية الى مجموعة في جيل شيّد الآمال ووصل الى بعض القمم ورصد قمماً أخرى وجب علينا اجتيازها، ثم شهد على البناء يتهاوى والأمة تتفتت بأكثر مما هي مجزأة، كيف استطعت رغم هذا الانهيار ان تمضي سنواتك وترحلين مكللة بالضياء والجمال والسماح؟
سيبقى لغزاً كيف يمكن لغياب فرد أن يتغيّر الوجود والمعنى برغم الاقتناع كله بالمجتمع والإنسانية والاستمرارية والحياة.
سيبقى لغزاً كيف يهرب العمر ومضة بين ان تهيّئي الموز لنا هرساً لتمضغه أفواهنا الطرية المقبلة على الحياة من صغر، وان نهرس لك الموز بالمهلبية او اللبن لأنه آخر ما تستطيع ابتلاعه حنجرتك المنهكة.
وسيبقى اللجوء إليك بالتأمّل كما كان اللجوء اليك بالفعل: مجرد الجلوس بقربك احتماء من كلّ الألم، زندك الأمومي متى قبّلناه استعدنا كلّ أمان الطفولة، وخدك مدى يحلو الإالتصاق به خداً او قبلة او احتضان يد.
من يعرف الهيام، يعرف ان توقف القلب عن العمل، فإنه لن يتوقف عن النبض والحب والاشعاع.
كلمة الحزب
وألقى كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي منفذ عام بيروت فادي داغر ومما جاء فيها:
سيدة طالما شبّهناها بالسنديانة المتجذرة جذوراً وبراعيم… تعمّدت بمفاهيم النهضة فسقطت في هنها مثالب التخلف لتحلّ مكانها مناقب الإنسان الجديد والحياة الجديدة.
إنها الأمينة هيام نصرالله محسن: النموذج الصامد المتألق من مواكبنا التي لا تسقط نفوساً وإن طال الموت أجسادها. ولعلّها إحدى المنارات التي قصدها سعاده العظيم عندما قال: «نحن جماعة لم تفضل يوماً أن تتخلى عن عقيدتها وأخلاقها ونظامها في سبيل إنقاذ جسد لا قيمة له».
اليوم نودّع الأمينة هيام في الجسد ولكننا نؤمن بقول سعاده «قد تسقط أجسادنا، أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود».
سبعون عاماً من النضال والجهاد والأمينة هيام لم يتزعزع إيمانها بالفكر والعقيدة التي آمنت بها. عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي.
الأمينة هيام انتمت إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي في 8 حزيران 1948، وهي في الثامنة عشرة من عمرها على يد زعيمها وباعث النهضة السورية القومية الاجتماعية.
الأمينة هيام كانت رائدة من طلعتها فهي تربّت في بيت أحبّ واستقبل الزعيم، بيت والدها اسكندر نصرالله حيث تعرّفت إلى الزعيم عن كثب وعلى الأمينة الأولى.
الأمينة هيام نصرالله كانت رائدة في تحمّل المسؤوليات من ناموس مديرية إلى مديرة مديرية إلى ناظرة مالية إلى وكيلة عميد الداخلية، إلى عضو في المحكمة الحزبية العليا، إلى رئيسة مجلس أعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
الأمينة هيام محسن رائدة في زواجها تزوّجت برئيس الحزب الأسبق الأمين عبدالله محسن. وكان زواجهما حزبياً زواجاً مدنياً في 31 تموز 1951 وكان الزواج القومي المدني ومن الأول في الأمة قاطبة بوجه أنظمة الطوائف المسيطرة.
الأمينة هيام… لا همّها ريح، ولا هزها لفح، ولا أتلف منها رعود، صمدت في وجه الأذى حرة، تعلم الرجعة معنى الصمود، منطقها نضال، منطقها نصر.
الأمينة هيام رائدة في التربية والأخلاق حيث درّست لسنوات طويلة وكانت المثال لزميلاتها وزملائها المدرّسين ولطلابها القدوة الصالحة.
ونحن نؤمن بأن لا خلاص لهذا البلد إلا بالدولة المدنية التي أرادها المؤسّس.
نحن ندرك بأنّ الطائفية تقودنا إلى الهاوية وتقود مجتمعنا إلى التفتت والإنقسام.
سعاده دعا إلى الدولة المدنية وإلى نبذ التعصب والطائفية ودعا إلى وحدة المجتمع، لذلك تآمروا عليه واغتالوه دون وجه حق، وهم اليوم ينظرون إليه وإلى فكره ويقولون في أنفسهم إننا لم نتلقف هذا الفكر وهذا الاستشراف الذي كان لديه.
إننا ندعو إلى وقفة ضمير وإلى صحوة فكرية لكي لا نبقى أسرى التنازع والتناحر الطائفي والمذهبي. فلا حلّ إلا بالدولة المدنية التي دعا إليها حزبنا.
الأمينة هيام بهذا الانتماء للعقيدة، ودعت إليها بعزيمة وإصرار وكلها ثقة بأن خلاص الأمة وانتصارها يكمن في تطبيق مبادئ سعاده.
الأمينة هيام كانت تمارس مهامها الحزبية وعضويتها عبر وحدتها الحزبية في مديرية الحدث رافعة يدها بالتحية الحزبية من سرير مشفاها ملتزمة بواجباتها، جاهدت الجهاد الحسن وأكملت السعي وأودعت الأمانة للعائلة التي سهرت وتعبت من أجلها.
وبعد خدمة الجنازة والكلمات في الكنيسة الإنجيلية في بيروت، نقل جثمان الأمينة الراحلة في موكب مهيب إلى مسقط راسها الحدث، حيث كانت في استقبالها فصائل رمزية من الأشبال والزهرات والنسور، وسار موكب التشييع يتقدّمه حمَلة الأعلام والأكاليل، بينها إكليل باسم رئيس الحزب الأمين فارس سعد وآخر باسم رئيس المجلس الأعلى الأمين أسعد حردان
وبعد أن أدّى القوميون والفصائل التحية الحزبية ووري جثمان الراحلة الثرى.