لا مسؤولية لأميركا.. نهاية العالم النووية حقيقة متزايدة!؟
سماهر الخطيب
باتت الولايات المتحدة الأميركية مشاركاً بلا ضمير في العلاقات الدولية، ولا تمتثل للقانون الدولي والتزاماته. فهي تتصرف في الآونة الأخيرة كـ»الطفل في ساحة الملعب»، كلما ضاق به الحال من أصدقائه يعلن انسحابه ويبدأ بلصق الاتهامات هنا وهناك، لتبرير ما لم يستطع تفسيره وليغطي على ما لم يدرك عقباه من تجاوزاته في قوانين «اللعبة في ذاك الملعب»..
بالأمس، الانسحاب من اتفاقات الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى ومعاهدة الدفاع الصاروخي، ورفض الوفاء بشروط الاتفاق النووي الإيراني. كذلك، انسحابها من اتفاقية الصداقة الموقعة مع إيران عام 1955، رداً على ما اعتبرته «استغلال إيران لمحكمة العدل الدولية»، والانسحاب من البروتوكول الاختياري، بشأن حلّ النزاعات الملحق بمعاهدة فيينا، وذلك بسبب قضية رفعها الفلسطينيون ضدّ قرار أميركا بنقل السفارة في الكيان الصهيوني إلى القدس.
وفي إعلانات انسحابها من المعاهدات والمواثيق الدوليه تكبر القائمة من إعلانها الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، إلى انسحابها من الأونروا ومجلس حقوق الإنسان، والانسحاب من اتفاقية نافتا التجارية.. وغيرها الكثير من الإجراءات والانسحابات العشوائية.. ولربما لم يتبقَّ سوى مجلس الأمم المتحدة وتابعه «الأمن» ولم تنسحب منهما!
على كل حال، في كل خطوة من تلك الخطوات تفقد الولايات المتحدة شيئاً من قيمتها على الساحة العالمية وتتعرّى شيئاً فشيئاً من ثوبها المستعار بمسمّى «رداء الديمقراطية»، ولعل قول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدق تعبير عن فقدانها احترامها، حينما قال: «من ينسحب من اتفاقية باريس للمناخ لا يستحق الاحترام». وها هو ترامب يفقد ذاك الاحترام..
إذ لم يسمح التوازن الجيوسياسي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية بالهيمنة الشاملة لدولة واحدة أو مجموعة من البلدان في العلاقات الدولية. وقد أتاح ذلك الحفاظ على نظام عالمي مستقر ومراقبة مصالح كل دولة على حدة. كما يتم تنظيم العلاقات المستقرة بين البلدان، مع مراعاة المصالح المتبادلة، من خلال الاتفاقيات الدولية. إن الانتهاكات الصريحة لهذه الاتفاقيات حتى وقت قريب كان يتم رفضها وإدانتها على نطاق واسع..
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في القرن الحادي والعشرين «تفرّدها الخاص» مع الحق في عدم حساب مصالح أي جهة، من أجل تحقيق فوائدها الخاصة. وبدأت الولايات المتحدة في التخلي عن التزاماتها. بادئة بالاتفاقيات الدولية الأساسية، التي يهدّد انتهاكها وجود البشرية جمعاء..
في عام 2001، أعلنت أميركا انسحابها من جانب واحد من معاهدة الدفاع الصاروخي، الموقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في عام 1972. ومن المفارقات أن قيود أنظمة الدفاع الصاروخي المنصوص عليها في المعاهدة لم تزد، بل قللت من احتمال نشوب حرب نووية. المنطق بسيط «أيّ طرف غير متأكد بشكل كامل من انعدام قابليته للتضرر، لن يجرؤ على أن يكون أول من شن هجوماً نووياً دون التعرض لخطر الرد المقابل»..
إلا أنّ انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة لا يعني أكثر من مجرد رغبة في ضمان أمنها الكامل في حالة نشوب حرب نووية. وبالتالي الجاهزية والرغبة في بدء هذه الحرب.
على الجانب نفسه، من الضروري النظر في انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة التخلص من الصواريخ متوسطة المدى وقصيرة المدى. كان الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي ساري المفعول لمدة 32 عاماً، وانتهكه أيضاً الجانب الأميركي. فأعلنت واشنطن الانسحاب من المعاهدة بتاريخ 1 شباط 2019. لتعلن موسكو رداً على تدابير مقابلة، ألا وهي تعليق المشاركة في المعاهدة من جانبها.
وهذا يضمن جولة جديدة من سباق التسلح، والتي سوف تشمل ليس فقط الولايات المتحدة وروسيا، ولكن أيضاً الدول النووية الأخرى.
إن حقيقة أن الأميركيين قرّروا فك أيديهم بالكامل وبناء قدراتهم النووية على نطاق واسع، يشير إليه انسحاب الولايات المتحدة الاستعراضي من اتفاق دولي آخر. هذا هو ما يسمى «الصفقة النووية بشأن إيران»، الاسم الرسمي هو «خطة العمل الشاملة المشتركة». بعد 13 عاماً من المفاوضات، تم توقيع الاتفاقية في عام 2015 من جانب إيران والدول الست الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا من ناحية أخرى. وفقاً للخطة، ضمنت طهران الطابع السلمي الحصري لبرنامجها النووي مقابل رفع العقوبات..
بعد ذلك، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تراقب الالتزام بالمعاملة، مراراً وتكراراً أن إيران تفي بالتزاماتها كاملة بموجب خطة العمل المشتركة. ومع ذلك، في أيار 2018، أعلن دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة، متهماً إيران بـ»تطوير أسلحة نووية سراً». ولم يكن البيان الصريح مدعوماً بأيّ دليل مقنع. ورداً على تصرفات واشنطن، رفضت طهران أيضاً الامتثال لعدد من مواد الاتفاق النووي المتعلقة باحتياطيات اليورانيوم المخصب، لتعلن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أمس، أن «حجم اليورانيوم المخصب بنسبة 4.5 بلغ 370 كلغ».
وهكذا، فإن الولايات المتحدة تزيد من توتير الوضع في الشرق الأوسط المضطرب بالفعل وهدّدت مرة أخرى مبدأ عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل. ولا يمكن افتراض الاتفاقيات الدولية الأخرى التي ستنتهكها واشنطن، وما زالت تضمن أمن العالم، إن احتمال نهاية العالم النووية بسبب الموقف الحربي لأميركا حقيقي بشكل متزايد..