اختناق النفايات ينتقل من خلدة إلى تربل… والحلول تصطدم بالتحريض الطائفي عودة الاهتمام الأميركي بملف الترسيم… ونصرالله لخطاب النصر غداً
كتب المحرّر السياسيّ
الخرائط الجديدة للمنطقة لا تزال تُرسَم في سورية، حيث سقطت كل الرهانات على رسم معادلة قوامها «أن ما كان صحيحاً في حلب لن يكون صحيحاً في إدلب»، سواء لجهة حجم التمسك التركي أو البسالة القتالية للجماعات المسلحة، أو حجمها، أو انسداد الأفق أمامها لانسحاب جديد، فلا انسحاب بعد إدلب، أو لجهة التركيبة الخاصة لأشد الجماعات تطرفاً من الأجانب الذين يُعدّون بالآلاف وليس لهم سبيل سوى القتال حتى الموت، حتى جاءت المعارك التي خاضها الجيش السوري خلال الأسابيع الماضية، عندما نجح بكسر الهجوم الشامل الذي شنته هذه الجماعات منتصف الشهر الماضي بدعم تركي واسع ومتعدّد المجالات. وبدأ بعدها الجيش السوري بهجوم معاكس أعاد التذكير بمعارك الكليات العسكرية في حلب وتدحرج الانتصارات بعدها، وكانت لافتة أن وتيرة استعادة القرى والبلدات التي كانت بمعدل قرية أو بلدة في أسبوع واحد سجلت أمس معادلة أربع قرى في يوم واحد، حيث نجح الجيش السوري بتوسيع نقاط سيطرته على طريق تقدمه نحو خان شيخون، بينما قامت بعض وحدات الجيش بالتقدم على الطريق بين التمانعة ومورك لقطع طريق الانسحاب على الأتراك والجماعات الملحقة بهم في كل من مورك واللطامنة، وهو ما فتح الباب لتفاوض تركي روسي حول فتح طريق الخروج من منطقة كفرزيتا واللطامنة ومورك ومثلها قرى عدة مجاورة لمئات المسلحين وعشرات الضباط والجنود الأتراك، بحيث تتصل مناطق سيطرة الجيش في ريف حماة بمناطق تقدّمه في ريف إدلب الجنوبي، وتدق ساعة خان شيخون.
لبنانياً، كانت أزمة النفايات المتفجّرة في منطقة الشمال استعادة لنماذج عرفها اللبنانيون من مطمر الناعمة إلى الكوستابرافا وبرج حمود، وقد حطت رحالها أمس في مطمر تربل. وكما الخطاب الطائفي في كل مطمر حضر التحريض الطائفي في الشمال ليحدث شرخاً طائفياً بين المسلمين والمسيحيين، عبرت عنه الخطابات السياسية ومواقف البلديات ويافطات المعتصمين، وبعدما كسر قرار نقل النفايات إلى المطمر الجديد، ووعد وزير البئية فادي جريصاتي بحلول عاجلة، بدت الصورة غامضة حيث لا تبدو ثمة حلول في الأفق، كما قالت مصادر متابعة.
لبنانياً أيضاً، حيث الأنظار نحو إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد ظهر غد، من ساحة مارون الراس، في ذكرى يوم النصر في 14 آب 2006، ليتناول القضايا المتصلة بالصراع مع كيان الاحتلال، ومفاعيل النصر وتنامي محور المقاومة وقدراته ما جعل الطريق إلى فلسطين أقرب، ويتوقف أمام بعض العناوين الخليجية واللبنانية، وفقاً لمصادر متابعة.
بالتوازي يواصل رئيس الحكومة سعد الحريري زيارته لواشنطن ولقاءاته بالمسؤولين الأميركيين ومسؤولي وكالات التصنيف الإئتماني، ويطغى على مباحثاته الملف المالي اللبناني، عاد الاهتمام الأميركي بملف ترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان ليسقط رهانات خصوم المقاومة على حسابات أميركية عنوانها دفع لبنان للاختناق لتحميل حزب الله المسؤولية، في ظل حسابات أميركية حقيقية تقول إن الاختناق اللبناني سيسقط خصوم المقاومة قبل حلفائها، وسيسقط التحفظات التي تحول دون تحوّلات أشد جذرية في موقف المقاومة التي تراعي حاجات الملفات المالية للدولة طالما أن هذه الحاجات تستدعي بعض المساومات الضرورية مع واشنطن، لكن متى زال هذا الاعتبار فربما تكون الخيارات أشد قسوة على الأميركيين الذين أظهروا في ملف إيران النووي أنهم يخوضون المواجهة بين حدّيْ عدم الانفراج بما يزيد ويسرع قوة محور المقاومة ويجعل المخاطر على «إسرائيل» أشد، ومنع الانفجار الذي يؤدي إلى سقوط الخليج. وفي لبنان تبدو المعادلة مشابهة، منع الانفراج الذي يريح المقاومة، ومنع الانفجار الذي يجعلها تحرق السفن وراءها ولا تقيم حساباً للمعادلات الوسطية الراهنة.
الحريري في واشنطن بحثاً عن «سيدر»!
فيما غابت الحركة السياسية عن المشهد الداخلي في عطلة عيد الأضحى وتمديدها الى يوم غد الجمعة لمصادفة عيد انتقال السيدة العذراء اليوم الخميس، تتجه الأنظار الى واشنطن حيث تترقب الأوساط السياسية والمالية نتائج جولة اللقاءات والمحادثات التي يجريها رئيس الحكومة سعد الحريري مع المسؤولين الأميركيين.
وبسبب وجود الحريري خارج البلاد لن ينعقد مجلس الوزراء هذا الأسبوع على أن يستعيد نشاطه بدءاً من الأسبوع المقبل لمعالجة الملفات والأزمات المتجمعة لا سيما أزمة النفايات المتفاقمة في برج حمود والشمال، فيما يضيق الوقت أمام الحكومة لمناقشة مشروع موازنة 2020 وإحالته الى المجلس النيابي لإقراره في الموعد الدستوري المحدد.
وفي غضون ذلك، ينتقل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون غداً الى المقر الرئاسي الصيفي في قصر بيت الدين، حيث يزاول نشاطه الرسمي. وسيقام له استقبال رسمي وفق المراسم المعتمدة مع احتمال أن ينضم اليه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، كما أفادت أوساط نيابية اشتراكية.
فبعد لقائه مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي وارتياح الأخير لسياسة مصرف لبنان، التقى الحريري أمس وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل على أن يلتقي اليوم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. ونقلت مصادر دبلوماسية لبنانية عن مسؤولين أميركيين لـ»البناء» عن «اتجاه لدى الكونغرس الأميركي للطلب من الإدارة الأميركية توسيع رقعة العقوبات الأميركية لتطال حلفاء حزب الله حيث سيواجه الرئيس الحريري قراراً أميركياً حاسماً بهذا الخصوص». وفي سياق ذلك، لفت سفير لبنان السابق في واشنطن انطوان شديد الى أن «العقوبات مركزة في الوقت الحالي على حزب الله وليس على حلفائه ولو انها توسعت داخل الحزب لتطال أعضاء في المجلس النيابي». واوضح شديد لـ»البناء» أن «الموقف الأميركي واضح لجهة حزب الله وعلاقته بإيران ولذلك سيدعو المسؤولون الأميركيون رئيس الحكومة لأن تكون حكومته صلبة وحازمة باتخاذ إجراءات ضد حزب الله وفصله عن سياسات الدولة وقرارتها الاستراتيجية، وبأن يكون الجيش وحده الذي يمتلك السلاح والقرار الأمني».
وإذ لم يُعرَف سبب زيارة الحريري إن كانت عائلية كما أوحى أو سياسية تتعلق بموقف الحكومة من سياسة حزب الله في إطار الصراع بين إيران وأميركا أو مالية بحثاً عن أموال سيدر! نقلت بعض وسائل الإعلام معلومات مفادها أن زيارة الرئيس الحريري إلى أميركا تهدف لإقناع بعض المسؤولين الأميركيين بالإفراج عن أموال مؤتمر سيدر التي أوقفتها إدارة ترامب للضغط على السلطات اللبنانية، استبعد شديد ذلك مشيراً الى أن «واشنطن لها مصلحة في الحفاظ على استقرار لبنان والمؤسسات الدستورية والمالية والعسكرية لا سيما مصرف لبنان والجيش اللبناني فضلاً عن دعمها للأمن». وتوقع شديد حصول تقدم إيجابي على صعيد ملف ترسيم الحدود لا سيما ان الحريري سيلتقي معاون وزير الخارجية للشرق الأدنى دايفيد شينكر الذي حل مكان دايفيد ساترفيلد. ومن المرتقب أن يزور شينكر بيروت خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة لمتابعة الملف مع المسؤولين اللبنانيين .
وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» الى أن «حزب الله لا ينظر بريبة الى زيارة الحريري الى الولايات المتحدة»، متحدثة عن «ضمانات قدّمها رئيس الحكومة ليس لحزب الله مباشرة بل للرئيسين ميشال عون ونبيه بري بألا يذهب بعيداً في سقف التزاماته أمام الشروط والمطالب الأميركية». كما واستبعدت المصادر توسيع دائرة العقوبات لتطال حلفاء حزب الله، متوقفة أمام التراجع الأميركي في وجه إيران وتقدم مسار التفاوض ودعوة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة واشنطن، كما توقفت أمام موافقة واشنطن على قرار شركة الطيران الفرنسية AFR تمديد ترخيص تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود.
بري: إيجابية في ملف الترسيم
وينقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه قوله لـ»البناء» تخوفه من الضغوط المالية القاسية على لبنان، مشيراً الى ان «الضغوط ستستمر وتتصاعد في الأيام المقبلة على وقع التصعيد في المنطقة والوضع الاقتصادي المتفاقم ما يتطلب اقصى الالتفاف الوطني وتوحيد الجهود وتفعيل عمل المؤسسات». لكنه أعرب عن ارتياحه «لتجاوز لبنان قطوع ازمة قبرشمون بعد المصالحة التي حصلت في بعبدا وتوافق الأطراف على مسارات الحل الثلاثة وإنجاز المسار الاول المتمثل باجتماع بعبدا والمصالحة، والثاني المسار الأمني، على ان يستكمل بالمسار القضائي وفقاً لاتفاق بعبدا». كما أبدى الرئيس بري ارتياحه للتقدم الحاصل بمسألة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة بعد نقل السفيرة الأميركية اجواءً ايجابية بهذا السياق حيث تم الاتفاق على معظم النقاط بعد إصرار بري على تلازم المسارين في التفاوض البري والبحري بانتظار الاتفاق على النقطة السابعة وتحديد نقطة الترسيم الأولى ووجهة ومسار الترسيم لأن أي تنازل في هاتين النقطتين يمكن أن يخسّر لبنان كيلومترات عدة من حدوده البحرية وبالتالي النفطية». مشيراً الى أن «الخلاف تقني لكن بري لا يخفي ريبته من عودة العدو الاسرائيلي الى المناورة في هذا المجال». وتلفت مصادر «البناء» في هذا السياق الى ان «هناك سببين لتحريك المفاوضات يتعلقان بمصلحة اسرائيلية امنية واقتصادية نفطية الأول جرّ الدولة اللبنانية الى المفاوضات بهدف نزع ورقة الحدود من حزب الله وتحييده عن أي حرب تشن على إيران والسبب الثاني تمنع شركات التنقيب عن النفط العالمية البدء بالعمل في المنطقة الاقتصادية المتنازع عليها قبل حل النزاع مع لبنان فضلاً عن حاجة اسرائيل لاستثمار هذه البلوكات لسد حاجات اقتصادية ومالية قبل شهور من الانتخابات في اسرائيل».
نصرالله يطلّ غداً
الى ذلك، يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يوم غدٍ في ذكرى انتصار لبنان في حرب تموز عام 2006 في كلمة له في احتفال جماهيري يُقيمه الحزب في الجنوب.
ويتحدث السيد نصرالله في أربعة ملفات: الاول المتعلق بالذكرى والهزيمة الاستراتيجية لـ»إسرائيل» والثاني الملف الإيراني والحديث عن أحلاف بحرية ضدها واحتمال انضمام «إسرائيل» لهذا الحلف وسيؤكد على فشل هذا المشروع الجديد كما فشلت مشاريع قبله.
أما الثالث فيتطرّق الى الملف السوري في سياق الصراع العربي الإسرائيلي دون الدخول في تفاصيله.
كما يتحدث السيد نصرالله في الشأن الداخلي اللبناني ويشدد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتفعيل عمل الحكومة.
ورأت مصادر مطلعة في رسالة السيد نصرالله الى الوزير ظريف بأنها تعبير عن تماسك محور المقاومة واستعداده لمواجهة أي عدوان جديد وتحقيق انتصار جديد.
وكان السيد نصرالله بعث برسالة الى الوزير ظريف يتضامن معه ضد العقوبات الأميركية عليه، أشار فيها الى أن مستشار الرئيس الأميركي جون بولتون «الذي يهدد بإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، لم يستطع أن يحقق أي إنجاز ونصر في حياته، وفي مثل هذه الأيام من عام 2006 كانت أميركا تتراجع وتنكسر أمام مقاومة شعبية، في بلد صغير المساحة ومنقسم على نفسه، فكيف سيكون حالها أمام دولة إقليمية كبرى، وشعبٍ موحدٍ، ونظامٍ متماسكٍ، وقائدٍ عظيم».
وأضاف «أنتم يا معالي الوزير الصوت العالي في كل المحافل الدولية، الذي يعلن الحقيقة، وينطق بالحق ويجاهر به في وجه أعتى طواغيت العالم أميركا و»ترامب» ومن هو على شاكلتهم، وهذا أعظم الجهاد، أرادوا محاصرتك وإبعادك وإرهابك، فأصبحت أقوى حضوراً وأشدّ تأثيراً، وأعلى شأناً. وهكذا ستبقى إن شاء الله، مدافعاً عن المظلومين والمستضعفين والمقاومين».