مناصفة أم إنصاف؟
د. جميل محيدلي
تشير آخر الإحصاءات إلى اقتراب عدد المسلمين في لبنان من نسبة الـ 70 وانخفاض عدد المسيحيين إلى ما يقارب الـ 30 ، إذا أردنا تطبيق المناصفة في جميع الوظائف العامة باعتماد هذه الأرقام، يعني ذلك أن يخرج من معادلة وظائف الدولة 40 من المواطنين اللبنانيين المسلمين، كأن يصبح هؤلاء ناقصي الحقوق الوطنية لاعتبارهم أضحية مقتضيات الوفاق الوطني… فماذا لو رفضوا وأسقطوا عن أنفسهم الواجبات الوطنية، أيُلامون حينها!
أليس حق العمل هو الضمانة الأولى في الوطن وإلا الهجرة؟
لمن أراد المناصفة نقول: المناصفة في السراء والضراء وهي حاملة لعدة أوجه، المناصفة في البطالة من أين نأتي بخمسمئة ألف مسيحي عاطل عن العمل، المناصفة في مال الأوقاف تمتلك الكنيسة أضعاف ما يملكه وقف المسلمين…
الحلّ ربما أن يعتنق عدد من المسلمين الناجحين في مباريات مجلس الخدمه المدنية الدين المسيحي أو أن يهاجروا لتطمئن قلوب بعض المغالين.
لمحبي الإصلاح، يعبّر الإصلاح عن مفهوم الإنصاف في العدل، وعن معاملة الناس بشكل متساوٍ، وعدم الانحياز لفئةٍ معينة، أو التعامل معهم بعنصرية، وذلك من خلال سنّ القوانين التي من شأنها أن تمنح جميع أفراد المجتمع فرصاً متساوية في مختلف المجالات الصحية، والتعليمية، وفي مجال الأعمال، وبصرف النظر عن الانتماء الطائفي أو المناطقي.
كذلك إنّ المساواة هو حق أساسي في المجتمع الديمقراطي. والمساواة اصطلاحاً تعني أن يحصل المرء على ما يحصل عليه الآخرون من الحقوق، كما عليه ما عليهم من واجبات دون أيّ زيادة أو نقصان، وهي القيمة التي تجعل جميع الأطراف سواء.
تلتقي المسيحية والإسلام على أن ّالله يأمر بالعدل والمساواة، وأكّدها السيّد المسيح في العهد الجديد فإذا خُلِق الإنسان على صورة الله ومثاله تكوين 1: 27 فهو متساوٍ مهما يكن في الحقوق الأساسيّة العائدة للشّخص البشريّ مع أخيه الإنسان، أيضاً مزامير 67 آية 5 تساوي وعدالة وسلام بين الشعوب…
ومبدأ المساواة أصل ثابت من أصول الإسلام، وقاعدة عامة من قواعد شريعته. قال الله سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى…
تشتمل المساواة في الإسلام على إزالة كافة الفروقات بين جميع الناس ليصبحوا سواسية بصرف النظر عن أديانهم وأجناسهم لأنّ في ذلك فوائد، منها القضاء على الفتن الطائفية، وذلك لأنّ ما سُمّي حينها في عهد الخلافة الإسلاميّة أهل الذمة كانوا يشعرون بحقهم في المواطنة، وحقوقهم كانت متساوية تماماً مع حقوق المسلمين.
تستند القوانين والاتفاقيات الدولية الى نموذج المسيحية والإسلام كأساس في اعتمادها الاتفاقيات والإعلانات التي تطالب الالتزام بالمساواة والعدالة الاجتماعية والحفاظ على الكرامة البشرية ومكافحة التمييز العنصري والطائفي، فيضع ا ن ا ق الإنسان ا واة مقدمة إعلانه، ويعتبرها أساس الحرية والعدل، ويقوم ا م ا هذا المبدأ.
تنص المادة 21 في هذا الإعلان على أنّ لكلّ شخص الحق نفسه الذي لغيره في تقلّد الوظائف العامة في البلاد، يعني أن تكون أمام جميع المواطنين نفس الفرصة التي تعطيها الدولة لرعاياها في الوظائف، دون تمييز بسبب اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الانتماء المذهبي أو غيرها من الاعتبارات.
كذلك تطالب منظمة العمل الدولية الحكومات وأصحاب العمل بوضع سياسات اجتماعية واقتصادية تعزز المساواة وتكافؤ الفرص في مكان العمل على أن يُمنع التمييز لأسباب جنسية، عرقية، قومية، دينية أو طائفية.
هنا نلفت إلى أنّ المادة ب – في مقدّمة الدستور تنص على أنّ لبنان ملتزم مواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان، وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. أيّ أنّ لبنان ملزم تنفيذ القوانين الدولية.
وإنّ ّ الداخلي والانتماء الوطني .
ينص قانون العمل اللبناني على المساواة في حياة العمل، وطبقاً لذلك يجب التعاطي مع العاملين بصورة متساوية من ناحية التوظيف وشروط العمل على أن يختار رب العمل، العامل الأكثر استحقاقاً للوظيفة.
لذلك ننتظر من رب العمل الأول في الدولة وهو رئيس الجمهورية أن يبرهن على أنّ للاختيار أسباب تتعلق بالكفاءة وأنّ الاختيار لم يكن تمييزياً.
إنّ عدم المساواة كان من أبرز الأسباب التي أدّت إلى انْدلاع أكبر ثورتين شهدهما العالم منذ ثلاثة قرون، وهما الثورة الفرنسية والثورة الأميركية.
تشير العدالة الاجتماعية إلى حقّ كلّ المواطنين في تكافؤ الفرص والحصول على نصيب من الناتج القومي للدّولة، وأن لا يشعروا أنهم دون غيرهم بحيث يكونون متساوين في الحقوق والواجبات. وذلك يتطلب منظومة من السّياسات والإجراءات التي تضمن لجميع النّاس الحصول على حقوقهم على قدم المساواة مع غيرهم دون محاباة لصاحب سلطة أو نفوذ.
وهنا تشدّد المادة ج – في مقدمة الدستور: تقوم الجمهورية اللبنانية على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل.
في تفسير المادة ٩٥ من الدستور
تقع ضمن الباب السادس – أحكام نهائية مؤقتة
– أولاً في مجمل الدستور، جميع المواد نافذة ما عدا المواد الملغاة، ولا توجد أيّ مادة مجمّدة أو معلقة أو تنتظر لذلك وجب التعامل مع المادة ٩٥ على أنها سارية حكماً، وما يؤكد ذلك أنّ جميع المواد المتبقية في الباب السادس إما ملغاة أو تامة مقضية.
– ثانياً عبارة: ـ أحكام نهائية مؤقتة ـ تعني أنها نهائية غير قابلة للاستئناف، وفي قانون القضاء: ما لا يُستأنف ينفذ فوراً.
وكلمة مؤقتة تعني المرحلة الانتقالية وفي التفسير العلمي تُعدّ المرحلة الانتقالية حالة التحضير بين المرحلة السابقة أي مرحلة ما قبل وثيقة الاتفاق الوطني والمرحلة اللاحقة أي المجتمع المدني خارج القيد الطائفي لذلك هي تحديداً المرحلة الحالية غير الدائمة.
– ثالثاً عبارة: على مجلس النواب – تعني أنه يتوجب على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين السير في اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية كفيلة بإلغاء الطائفية، فكلمة على تعني إلزامية البدء بالتنفيذ ولا يوجد مكان للتريث أو مراجعة القرار.
– رابعا عبارة: ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية ـ يعني أنّ هذه المرحلة الانتقالية قد بدأت ولا تنتظر القرار بإطلاقها، وما يؤكد أنها قد بدأت إتمام بعض أحكام المادة 95، وهي انتخاب مجلس النواب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
وهنا نستحضر المادة ح ـ في مقدمة الدستور، التي تقول إنّ إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية. هنا ألا تلام كلّ سلطة سياسية لا تعمل على تحقيق هدف وطني دستوري.
– خامساً عبارة: ـ وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى ـ تعني أنّ الوفاق الوطني جاء بعد حرب أهلية سببها الإحساس بالغبن عند فريق من اللبنانيين، ومقتضيات السلم الأهلي تطلبت رفع الغبن عن هؤلاء، فكيف بغبن 40 من الشعب اللبناني! إذاً مقتضيات الوفاق الوطني تعني الإنصاف وليس المناصفة.
أمّا عبارة باستثناء وظائف الفئة الأولى، فذلك يعني أنها مستثناة من القاعدة العامة، وتفسيرها الجلي أنّ جميع الوظائف العامة خارج القيد الطائفي ما عدا وظائف الفئة الأولى والتي تقسم مناصفةً، إلا إذا أراد بعض الجهابذة تفسيرها على أن جميع الوظائف العامة تخضع للاعتبار الطائفي مناصفةً باستثناء وظائف الفئة الأولى.
نستشهد هنا بالمادة 12 من الدستور اللبناني: لكلّ لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون وسيوضع نظام خاص يضمن حقوق الموظفين في الدوائر التي ينتمون إليها.
وفي ختام المواد الدستورية التي نعرضها المادة ي- في مقدمة الدستور التي تنص على أن لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، هذه المادة تسقط شرعية السلطة التي تريد نقض ميثاق عيش 40 من الشعب اللبناني.
لا يحتاج المسيحيّون إلى العباءة الطائفية للإطمئنان إلى حقوقهم في قسمة الوظائف، بل يحتاج الجميع إلى الضمانة الحقيقية وهي المساواة في حقوق المواطنة، بندٌ منها اعتماد مبدأ الكفاءة لأيّ منصب وظيفي.
يجب جعل المساواة عقيدة سياسية، أركان الدولة ل فعّالة، ل لّ .
إنّ السياسة التي لا تفرّق بين المواطنين بسبب طائفتهم أو أيّ من الفروقات الأخرى إنما هي سياسة تحقق الأمن والاستقرار في المجتمع لأنها تؤدي إلى الأفراد لعدالة الحكم.
انصفوا حتى لا تنسفوا.
المادة 95 عدّلت بموجب قانون 18 / 1990 عدلت بموجب قانون 0 / 1943
على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:
أ- تُمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ب – تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.