أردوغان يترنح في الشمال السوري
ناديا شحادة
الإنجازات العسكرية التي يحققها الجيش السوري في معركة أرياف حماة وإدلب جعلها تحجز مكانها المتقدّم في الترقبات الميدانية والسياسة ورفع منسوب الهزيمة لدى الجماعات الارهابية والدول الداعمة لها.
فاستعادة الجيش لمدينة خان شيخون بوابة إدلب الجنوبية وعقدة الربط مع ريف حماة تعد إنجازاً نوعياً في مسار مساعي الحكومة السورية لاستعادة محافظة إدلب الواقعة شمال غرب سورية والتي تعتبر مركز النفوذ الرئيسي لتركيا، وبالتالي خسارتها ستعني نهاية طموحات أنقرة في السيطرة على شمال سورية، وانتكاسة كبرى في مساعيها إلى ضرب الأكراد الذين تعتبرهم تهديداً وجودياً.
تقدّم الجيش السوري كانت له أصداء كبيرة لدى الطرف التركي الذي سارع بإرسال أرتال عسكرية كبيرة محمّلة بالذخائر والآليات قدّر عددها بخمسين آلية بين مصفحات وناقلات جند وعربات ودبابات، واتجه الرتل إلى معرة النعمان شمال خان شيخون، بعد دخوله من معبر باب الهوى الحدودي إلى الأراضي السورية. جاءت هذه التعزيزات بعد دخول الجيش السوري الأطراف الشمالية لخان شيخون، وقد قامت طائرة سورية وأخرى روسية بتنفيذ عدة ضربات تحذيرية على أطراف المدينة لمنع الرتل من التقدّم.
في هذا السياق سُمعت تصريحات تركية من نوع التهديد للحكومة السورية تعكس حجم الإفلاس الذي وصلت له أنقرة على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو حيث وجه كلامه للقيادة السورية وتحاشى الروس.
فجاء الردّ الروسي على لسان الرئيس بوتين في رسالة قوية وواضحة إلى السلطات التركية أكد فيها أنّ روسيا تدعم جهود الجيش السوري للقضاء على الإرهابيين في إدلب ، وذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، في نقد غير مباشر للرئيس رجب طيب أردوغان بقوله قبل التّوقيع على اتفاقيّات سوتشي في أيلول الماضي، التي أقرّت نزع السلاح عن جزء من منطقة إدلب كان 50 بالمئة من أراضي المنطقة تحت سيطرة الإرهابيين الآن زادت المسحة بنسبة 90 بالمئة .
تركيا التي تعيش حالة من التخبّط في سياستها الداخلية والخارجية باتت بموقف صعب بعد ان أخطأت بجميع حساباتها، وبعد فشلها بحماية النصرة في خان شيخون تحاول عبر جهود مضنية فرض رؤيتها في الشمال السوري، ولعلّ أخطر وآخر أخطاء الأتراك كان الاتفاق الذي توصلوا إليه مع الأميركيين لإنشاء شريط جغرافي تحت سيطرة الطرفين والإعلان عن نيتهم إعادة إسكان جزء من اللاجئين السوريين فيه، في محاولة للتعمية على المقاصد الحقيقية لهذا المنحى، فأنقرة هدفها من إنشاء المنطقة الآمنة في شرق الفرات هو تعويض خسارتها في إدلب بعدما فشلت جماعاتها بالصمود بوجه الجيش السوري، ومحاولة منها لمنع تزايد نفوذ الأكراد قرب حدودها ما يشكل تهديداً صريحاً لأمنها القومي. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فرغم التخبّط الذي شهدته السياسة الأميركية مؤخراً، إلا أنّ الاستراتيجية الأميركية في سورية تميل إلى ترتيب وضع منطقة شرق الفرات والبقاء فيها لمقاضاة القوات الإيرانية لخروجها من سورية أو تحجيمها ما أمكن، فواشنطن تسعى إلى اعتماد خطط جديدة لسحب يد إيران من سورية لتقطع كافة خطوط الشبكة الرابطة بين سورية ولبنان وطهران، ولكن تنفيذ اتفاق المنطقة الآمنة ليس يسيراً على واشنطن إذ عليها مراعاة الديموغرافيا السورية وإقناع الوحدات بالانسحاب من المناطق المتفق عليها.
يخطئ أردوغان الذي لا يجهل حقائق القوة ومعطياتها على الأرض والذي فشل في جميع رهاناته على إسقاط الحكومة السورية تلك الرهانات التي تقوم على حسابات سياسية وعسكرية غير دقيقة يخطئ إذا اعتقد أنّ إقامة المنطقة الآمنة بالتنسيق مع أميركا سيمرّ بسهولة ويخطئ أكثر إنْ اعتبر أنّ سورية وحلفاءها لا يملكون خيارات التصدي له وبناء على هذه الحقائق والمعطيات كان من الأجدر به بأن يعتمد دبلوماسية البحث عن اتفاق مع الحكومة السورية وحلفائها بدل من أن يجلب الأميركيين لكي ينشئ معهم منطقة عازلة في شمال سورية.