موسى الصدر… أرواحنا تحلق في سماء ملكوتك
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
في ستينات القرن الماضي أطلّ علينا نجم ساقته يد العناية الإلهية إلينا. هو الإمام السيد موسى الصدر، يحمل معه كلّ ما للإنسان المعذب من أمنيات، وكلّ ما للإنسان المؤمن من أمل عظيم بالله، وكلّ ما للإنسان اللبناني من تطلعات في الأمن والاستقرار والازدهار والقوة والمنعة في وجه الأعداء.
جاء فاكتشفنا معه المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام، في إيمانهما وصبرهما وجمالهما وصلابتهما.
جاء مسكّناً للأوجاع، معانداً للفاسدين، ملهماً للمناضلين، أنيساً للمحرومين، رفيقاً للأحرار. الأحرار الذين يريدون العيش بكرامة. الأحرار الذين لا يهابون الظالمين والمعتدين والمفسدين. الأحرار الذين لا يستكينون للواقع السيّئ بل يواجهونه ويقاتلون من أجل تغييره قتال الأبطال.
من أعماق معاناته كان يتحرّك ليؤسّس حياة كريمة للناس، من أعماق وحدته كان يسير مصحّحاً كلّ الأخطاء والانحرافات السياسية والأخلاقية، من أعماق إيمانه كان يبشّر بالخير والمحبة والتسامح والعيش الواحد.
يمتلئ غضباً عندما يتعرّض الوطن للمخاطر، ويمتلئ حباً عندما تتعافى قيم المواطنين بالتعاون والصلاح. في كلّ مراحل حياته ظلّ هذا الإمام ذلك الثائر الذي جعل من الثورة قضية الحق، وقضية العدالة، وقضية الدفاع عن المحرومين، والمنكسرة قلوبهم في أصقاع الوطن وأطرافه.
عكس بخطاباته ومواقفه أدق ما يعتري لبنان من مشاكل وأزمات وقدّم الحلول بشعلة من حب وشرارة من وعي ومعرفة وحكمة.
أراد لبنان وطناً لجميع بنيه، وأراد للناس أن يعيشوا بشعور صادق فيدافعوا عن حريتهم وسيادتهم واستقلالهم بروح المسؤولية والاعتزاز.
أراد لبنان بلد العيش الواحد، بلد المقاومة في وجه الكيان الغاصب، بلد يجتمع فيه وحي السماء وإبداع الإنسان لصناعة الخير والسلام.
اليوم نستعيد في ذكراه كفاح ثائر، مقاومة صادق، نضال شريف، عنفوان مخلص. رغم رطوبة سجننا الكبير، وظلمة واقعنا الداخلي، فإنّ أفضل الأوقات عندما نستعيد ملامحك الشامخة فنشمخ، ووفاءك الجميل فنكبر، وحبّك العظيم فتحلق أرواحنا في سماء ملكوتك.