المقاومة إلى مرحلة جديدة في الردع: آن أوان الجوّ
ناصر قنديل
– من ميّزات المقاومة التي كرّستها على رأس هرم الذكاء الاستراتيجي بين جيوش المنطقة، وجعلتها تتفوّق على جيش الاحتلال، رغم ما يمتلك من ترسانة سلاح متقدّم وقدرات دمار شامل، وجيش مدرب ومجهز، إضافة لعدل القضية ورسالة الحق وثبات المعنويات وتفوّق روح التضحية وحسن إدارة الموارد والتماسك مع البيئة الشعبية وصناعة المصداقية، القدرة على الصبر والتحمّل والعضّ على الجرح رغم امتلاك وسائل الردّ، ليصير كل امتلاك لسلاح نوعي من قبل المقاومة مدخلاً لرسم معادلات ردع نوعية جديدة في المواجهة التاريخية الدائرة بينها وبين جيش الاحتلال، فلا يصرف رصيد وجود هذا السلاح النوعيّ بالمفرق في حالة غضب أو إحراج في الميدان، بل ينتظر وينتظر حتى يأتي ظهوره مرفقاً بكل أسباب المشروعية للظهور، وحتى يتسنى لظهوره قلب الموازين، ورسم قواعد اشتباك جديدة، وافتتاح مرحلة ردع جديدة.
– هذا كان الحال مع امتلاك المقاومة لصواريخ الكورنيت المضادة للدروع والدبابات، والذي سبق حرب تموز 2006 بزمن طويل، جرت خلالها تحرّشات إسرائيلية، ومرت أمام المقاومين فرص لقنص دبابات الاحتلال، ووقعت مواجهات محدودة، وبقي سلاح المقاومة هو العبوة التقليدية وقذائف الآر بي جي، حتى وقعت الحرب وكان لظهور الكورنيت ذلك الدور النوعيّ في تغيير مسار الحرب وصولاً لإعلان إخراج سلاح البر الإسرائيلي من الحرب. وهكذا كان الحال مع الصواريخ المضادة للسفن الحربية، التي بقيت تعضّ على جراحها مع كل عملية قرصنة بحريّة للسفن الإسرائيلية في المياه اللبنانية، حتى كانت مفاجأة تدمير البارجة ساعر في عرض البحر بداية التحول في مسار حرب تموز، وأخرج سلاح البحر الإسرائيلي من الحرب. وبالتأكيد هذا هو الحال مع سلاح الدفاع الجوي، الذي سيدخل المواجهة للمرة الأولى ترجمة لقرار قائد المقاومة السيد حسن نصرالله بمع الطيران المسيّر لجيش الإحتلال من التحليق في الأجواء اللبنانية، وقد انتظر هذا السلاح منذ زمن موعد الظهور، وتحمل رماته وراصدو راداراته الكثير الكثير وهم يرون بأم العين طائرات العدو تصول وتجول، حتى جاء التوقيت المناسب للانتقال إلى زمن جديد عنوانه، ولّى زمن المسيَّرات الإسرائيلية في أجوائنا.
– قرار الردّ الذي أعلنه السيد نصرالله على عمليات الضاحية وجنوب دمشق ترجمة لمعادلة الردع التي ستكون من عيار جديد في رسم قواعد الاشتباك، حيث الرد من أي مكان في لبنان وفي أي مكان في فلسطين المحتلة لا يزال غامضاً، وعلى عقول قادة كيان الاحتلال وجيشه ومخيّلاتهم أن تبقى تشتغل حتى موعده الذي ستحدّده قيادة المقاومة، وفي الانتظار حرب استنزاف قائمة بذاتها، ومثلما كان الحال بعد عملية القنيطرة مطلع العام 2015، وكثر الكلام عن أن المقاومة لن ترد لأن إيران منشغلة بمفاوضاتها على ملفها النووي ولن تفرّط باللحظة وستضغط على المقاومة، وجاءت الوقائع تقول إن المقاومة لا تعمل على الساعة الإيرانية بل على الساعة اللبنانية وكان الرد مزلزلاً . هذه المرة سيكون الرد مبركناً ، وعلى الذين يراهنون على دور التفاوض مع إيران في تجميد ردّ المقاومة أن يقفوا من الآن على رجل ونصف ويديروا وجوهم إلى الحائط.