انقلاب عون يطيح بالسلسلة…
هتاف دهام
أطاح التفاهم العوني ـ المستقبلي بسلسلة الرتب الرواتب. اتصالات مساء يوم الثلاثاء على مستوى القيادات العليا في الفريقين أفضت إلى ما أفضت إليه من إرجاء جديد للبت في ملف السلسلة.
التقارب البرتقالي الأزرق في الجلسة العامة كان مكشوفاً، والمقاربة العونية الجديدة لأجل الاستحقاق الرئاسي لم تعد تخفى على أحد في فريق 8 آذار، أقله عند حزب الله الذي يبدو أنه يبلع الموسى ويسكت، على رغم أنّ التيار الوطني الحر أكد أنه حريص على «عدم زعل الحزب».
نزل الموقف العوني كالصاعقة على فريق 8 آذار، فكلام ومناقشات مساء الجمعة في اللجان المشتركة محاها نهار الثلاثاء. البرتقاليون باستثناء أنهم كانوا ضدّ TVA، كانوا يناقشون في جلسات اللجان بشكل جيد وإيجابي ويسوّقون الأفكار، والنائب كنعان كان مستاء من المستقبل الذي رغب منذ البداية بإعادة مشروع السلسلة إلى مجلس الوزراء.
نسف لعمل كنعان
انقلب التيار الوطني الحر أمس على التقرير الذي أعده رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان عن عمل اللجان المشتركة. نسف الجنرال ميشال عون كلّ عمل النائب كنعان في اللجنة الفرعية، والذي كان يتباهى به لجهة ما يعتبرها إنجازات شخصية، فأيّ ملاحظة حول بعض النقاط من قبل بعض النواب داخل الاجتماعات كانت تثير الحساسية لديه، إلى درجة أنه لا يتقبّلها. لم يأخذ الجنرال ذلك في الاعتبار.
وعلى عكس كلمة النائب آلان عون الذي لم يمانع فيها تأليف اللجنة، لم يكن لكلمة كنعان أيّ وقع سلبي أو إيجابي في الجلسة، على رغم دعوته إلى أن يكون هناك توازن بين الحقوق والإمكانيات، وإشارته إلى أنّ الإصلاحات ضرورية ويجب أن نقوم بإصلاح حقيقي والالتزام بمواعيد دستورية، كإحالة مشروع الموازنة إلى المجلس النيابي، إضافة إلى الحسابات المالية.
أعاد الجنرال من الرابية كنعان إلى نقطة الصفر. فحسابات العماد تختلف عن حسابات نواب التغيير والإصلاح الذين انقسموا عند التصويت على تأليف لجنة لتنجز خلال مهلة الأسبوعين تقريراً حول المرسومين 10415 و10416.
فما إنْ نضجت طبخة الرئيس فؤاد السنيورة الصباحية عن ضرورة تأليف اللجنة من النواب ووزيري المال والاقتصاد لإعادة درس السلسلة والابتعاد عن المفعول الرجعي، خلال مهلة قصيرة، والعودة بعد ذلك إلى المجلس لإقرارها بعد تعديلها، وإقرار سلة الإصلاحات، حتى غادر الجلسة النائب عن التغيير والإصلاح عباس هاشم.
وفيما كان رئيس لجنة المال والموازنة يتجوّل في بهو المجلس مستاء مما جرى كان النائب عون يحاول أن يكون الدينامو في المشاورات والاتصالات الجانبية العونية – المستقبلية – القواتية التي عُقدت على هامش الجلسة، معتبراً أن عمل اللجان غير كاف، ولا بأس بمزيد من الدراسة.
ورقة أسماء أعضاء اللجنة كانت موجودة في جيب النائب عون. سحبها وأعطاها للسنيورة الجالس في مقعده الكائن أمام مقعد النائب جورج عدوان. أعدّ الأخير الاقتراح. رفضت حركة أمل وحزب الله المشاركة في اللجنة.
طرح الاقتراح على التصويت فحصل على تأييد 65 نائباً ومعارضة 27 نائباً، فيما امتنع النائب نبيل نقولا علناً عن التصويت. انقسم التيار الوطني الحر يوم أمس في الجلسة، توافق لأول مرة النائب كنعان الذي بقيَ عند التصويت في الخارج بسبب الإحراج، مع النائب نبيل نقولا الذي قال: لا رأي عندي في هذا الشأن.
فرز جديد عند التصويت
لم يكن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يرغب في التصويت، لا سيما التصويت بالمناداة الذي أصرّ عليه النائب علي عمار. فهذا التصويت فرز الكتل السياسية من جديد: حزب الله، حركة أمل، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب البعث، وتيار المردة، في مقابل تيار المستقبل، الوطني الحر، حزب الكتائب، القوات، والتقدمي الاشتراكي، على رغم أنّ البناء على انعطافة استراتيجية سياسية للتيار الوطني في الوقت الحالي، هو بمثابة المقاربة الخاطئة.
اللجنة الآذارية
شكلت اللجنة التي أكد الرئيس بري أنه ضدّ تأليفها من النواب آلان عون، جورج عدوان، إبراهيم كنعان، غازي يوسف، جمال الجراح، هنري حلو وسامر سعادة، ينضمّ إليها الوزراء أصحاب الاختصاص المال والاقتصاد والتربية والتنمية الإدارية وحاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس الخدمة المدنية عند الحاجة.
ولما نعى النائب حسن فضل الله السلسلة بالقول: «العوض بسلامتكم». تمنى الرئيس برّي أن لا يكون هذا اليوم يوماً ظالماً بتاريخ المجلس النيابي، وقال للسنيورة: «أعرف نتائج التأجيل منذ الآن».
على رغم ذلك حُمّلت اللجنة الآذارية كرة نار السلسلة، فأيّ تخفيض للأرقام سيخلف تداعيات ستتحمّل كتلها النيابية مسؤوليتها. فرح تيار المستقبل ومَن معه باللجنة وهلل لتشكيلها، من دون أن يعي أنه وضع نفسه في مأزق في مواجهة الشارع النقابي، بعدما كان يسعى لإرجاع المشروع إلى الحكومة، لما سيتبع ذلك من تحريك للشارع ضدّ الحكومة، إلا أنّ السنيورة لم ينجح في ذلك.
طبخة بحص
وحده وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب كان صريحاً، وجدّد ما أكد عليه منذ اليوم الأول أنّ السلسلة طبخة بحص، وأن لا إمكانية أن تقرّ بعد أسبوعين أو ثلاثة كما طرحت، لأنّ الخلاف الذي كان قائماً اليوم سيبقى قائماً ولن تمرّ السلسلة إلا بالتوافق السياسي، الذي حصل على الأمن، لكنه على السلسلة غير قائم حتى هذه اللحظة.
وفق حسابات بري كان من المقرّر أن ينتهي النقاش من السلسلة اليوم على أبعد تقدير، لتتحوّل الجلسات إلى انتخابية، فالرئاسة كما قال بري أمس لديها جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية، وأنا وعدت بأن تكون جلسة انتخاب الرئيس الجديد آخر نيسان، وأنا مع إقرار السلسلة بكلّ مندرجاتها وفق الأصول، فتدخل رئيس كتلة المستقبل سائلاً: «كيف نحلّ قضية من هذا النوع في الهيئة العامة؟»، واعتبر النائب عدوان «أننا بقدر الحرص على أن تحصل الناس على حقوقها، لا نريد أن يكون الحصول على هذه الحقوق لفترة قصيرة وبعد فترة يصاب كلّ الاقتصاد اللبناني، وبالتالي نصل إلى نتائج معاكسة للنتائج التي نحن نريدها».
أما النائب آلان عون فأكد «أننا لسنا ضدّ التريث شرط عدم تطيير سلسلة الرتب والرواتب»، سائلاً: «ماذا فعلت الدولة في موضوع الهدر والفساد؟
2000 مليون دولار ضرائب
وُضعت العصي في دواليب السلسلة مع كلمة السنيورة الصباحية التي استغرقت وقتاً طويلاً. فلم تبرز أي إشارة إلى أنّ البحث سيصل إلى نتيجة بعد إعلانه الحرب ضدّها بشكل علني. وأشار إلى «أنّ أكلاف إقرار السلسلة المقترحة الآن ترتب ما لا يقلّ عن 2000 مليون دولار كضرائب ورسوم إضافية على كلّ عائلة لبنانيّة في السنة.
واقترح حلاً للخروج من أزمة سلسلة الرتب والرواتب، ينصّ على «العودة بأرقام السلسلة إلى حدود اقتراح الحكومة تجنّباً لمخالفة الدستور، وإقرار إجراءات مالية لمعالجة تفاقم العجز عبر زيادة الـ TVAإلى 12 في المئة مع إعفاء السلع الاستهلاكيّة الأساسيّة، لحماية أصحاب الدخل المحدود».
كما نص اقتراح السنيورة على «معالجة مشكلة الكهرباء وزيادة الأسعار على الاستهلاك المرتفع، والمبادرة إلى حملة إصلاحات إداريّة تزيد الإنتاج وتضبط الهدر، وزيادة عدد ساعات العمل للموظفين على خمسة أيام في الأسبوع، كما الالتزام بعدم إقرار أيّ مشروع إنفاق من دون توافر الإيرادات، وتأجيل إقرار مشروع السلسلة لمزيد من البحث في أرقام الإنفاق والإيرادات».
وأكّد السنيورة «دعم طموح المواطنين في العيش الكريم وتحسين المداخيل من دون الإطاحة بالاقتصاد الوطني والاستقرار المالي والنقدي»، وشدد على أنّ «إعادة النظر بالسلسلة يجب أن يترافق مع خطة إصلاحيّة لزيادة الإنتاج، لأنّ المواطن غير الموظف يطالب بتحسين الخدمات في مؤسسات القطاع العام».
سلامة «لا يعرف الفرق بين التجزئة والتقسيط»
أدرك نواب الوفاء للمقاومة مع كلمة الرئيس فؤاد السنيورة أنّ هناك تسوية ما يحضّر لها. تلقى نواب الوفاء للمقاومة في جلسات منح الثقة للحكومة الكثير من الاتهامات من دون الردّ على ذلك، إلا أنّ ما حصل يوم أمس من انقلاب على حقوق الشعب، لم يمرّ مرور الكرام عند نواب حزب الله، الذين تحدث منهم كلّ من النواب علي فياض، علي عمار، حسن فضل الله ونواف الموسوي.
فكان النائب فياض دعا إلى مناقشة السلسلة بعيداً عن المناكفات السياسية. وقال: «نحن حاولنا السير بين حديث إعطاء الناس حقوقهم وبين الظروف الاقتصادية، ولا نريد تمويل السلسلة من القروض، فذهبنا إلى معالجات الإيرادات الضريبية مع عدم زيادة حجم الدين وعدم تحميل الطبقات الفقيرة العبء ودعا وزارة المال إلى إعادة تقويم السياسة الضريبية بعد إقرار السلسلة».
وطالب عمار بـ»الكفّ عن تضليل الناس» في ما خصّ مشروع قانون السلسلة
ولفت عمّار إلى «أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جاء وهو لا يعرف الفرق بين التجزئة والتقسيط، وسألته عن ذلك فقال لا أفهم باللغة العربية»، مؤكداً «أنّ الهيئة العامة في مجلس النواب ليست محكومة لا لرأي رئيس الخدمة المدنية ولا لرأي حاكم مصرف لبنان».
وشدّد فضل الله، على «أنّ السلسلة حقّ للموظفين والمعلمين والعسكريّين، مؤكّداً الحاجة إلى تغيير جذري في النهج الاقتصادي المعتمد في لبنان، لإعادة الهيبة إلى الدولة ووقف النزف في الدولة على الصعيد الاقتصادي والمالي والإداري».
ودعا إلى رفع السريّة المصرفية ولنحاسب كلّ من مسّ بالمال العام.
وفيما حذر النائب الموسوي من الوصول إلى النموذج الرأسمالي، رفض الذهاب بالسلسلة إلى لجنة لدرسها، معتبراً أنّ هذا الأمر قد يكون «دفناً لها».
في موازاة ذلك، وفيما كانت الجلسة منقسمة بين من يريد إقرار السلسلة التي هي حق مشروع، وبين من يريد تمييعها لتطييره، انبرى النائب سامي الجميّل في الجلسة الصباحية إلى اقتراح نقل مجلس النواب إلى مكان آخر، فعقد الجلسات يؤدي إلى تعطيل الوسط التجاري وإقفال بعض المؤسسات في بيروت.
وقال: «بسبب الوضع الأمني للمجلس وإقفال الطرق، اقترح التفتيش عن مكان آخر. حرام، هناك الكثر من المؤسسات أقفلت والموظفون في بيوتهم، فلنقترح مكاناً بديلاً».
لقد شهدت الجلسة الصباحية أيضاً سقوطاً لاقتراح النائب انطوان زهرا بتحويل الجلسة العامة إلى سريّة، والذي انقسم في شأنه نواب التغيير والإصلاح، فعند التصويت صوّت لصالحه نواب الصف الأول كنعان آلان عون وسيمون أبي رميا الذي أيد النائب فياض حين قال: «نحن لا نناقش الأمن القومي إنما نناقش حقوقاً تتصل بالمواطنين، وتمنى على الجميع التعاطي مع هذا الموضوع بشفافية ووضوح، خصوصاً أنّ هناك من يقول في الخارج شيئاً وفي الداخل شيئاً آخر. وقال الجميّل: في الوقت الذي نطالب بقانون حق إعطاء المعلومات للرأي العام يطرح هو زهرا طرحاً مخالفاً لأبسط هذه الحقوق.
إذاً انتهت الجلسة من حيث بدأت. لم ينجح النائب علي عمار في سحب السمك من فم الحوت قبل أن يبتلعها، فحيتان المال تغلبت على السمك وأبقته في جوفها.