مجلس الدفاع يمنح ردّ المقاومة إجماعاً وطنياً… بـ حق اللبنانيين بالدفاع بكل الوسائل القوات تفتح سجالاً تشكيكياً في الحكومة… والحريري يردّ: إسرائيل هي المعتدية
كتب المحرّر السياسيّ
المعادلة في واشنطن باتت مبنية على ثنائية عنوانها التوصل سريعاً لتفاهم مع إيران ينهي التصعيد، شرط منح التصعيد الإسرائيلي فرصة فتح الباب لضمانات أممية للأمن الإسرائيلي، وهذا ما يفسّر وفقاً لمصادر على صلة مباشرة بالاتصالات الجارية على المستوى الدبلوماسي بين العواصم الكبرى، التعامل الإيجابي الأميركي مع مبادرة الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون والسير برعاية خطوات للتصعيد الإسرائيلي بالتوازي لفتح الباب الدبلوماسي للبحث بتعويم بدائل قديمة جديدة، ترتكز على السعي لنشر قوات دولية بدلاً من المراقبين على جبهة الجولان المحتل، ودمج القرارين 1701 و1559 على الجبهة اللبنانية ما يتيح تمديد مهمة اليونيفيل لتطال الحدود اللبنانية السورية. وبالمقابل المعادلة في طهران واضحة، اصل المشكلة مع واشنطن ليست في الملف النووي بل في أمن إسرائيل ، وموقف إيران ثابت في الملف الإسرائيلي واحتضانها حركات المقاومة ولن تتغير وتحصر البحث مع واشنطن بالملف النووي والعقوبات، ودون تراجع أميركي غير مشروط عن العقوبات والعودة القانونية إلى الاتفاق النووي لا مبرر لقمم رئاسية ولا لاجتماعات وزارية، وطهران باقية ضمن الاتفاق وجاهزة للتراجع عن خطواتها التصعيدية فور التزام الشركاء الآخرين في الاتفاق وخصوصاً اوروبا بموجباتهم. وهذا ما قاله الرئيس الإيراني حسن ورحاني تعليقاً على الدعوة لقمة تجمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، أما في موسكو فكل ما يستدعي إقراره المرور في مجلس الأمن الدولي يجب أن يحظى برضا الدول ذات الصلة، وبشأن الحدود اللبنانية والسورية فهو يتطلب موافقة الدولتين كي تسمح موسكو بمروره، أما على المسار الإيراني فموسكو تشجّع الجهود الفرنسية وتفاؤلها بالتوصل لحلول وسط، لكنها تعتبر أن إيران تقف على أرض قانونية صلبة وأن المخالفة للقوانين الدولية جاءت من الطرف الأميركي ولذلك عليه تحمّل نتائج التصعيد.
في لبنان كان يوماً من أيام الوحدة الوطنية المشهودة في الوقوف صفاً واحداً لتوفير الغطاء الوطني للمقاومة في ردّها المنتظر على العدوان الإسرائيلي باسم اللبنانيين الذين أكد مجلس الدفاع الأعلى حقهم بالدفاع بكلّ الوسائل. وهو ما شرحت مصادر قانونية الفارق بينه وبين القول بحق لبنان، ما يعني ضمناً حق الدولة اللبنانية حصراً، بينما حق اللبنانيين فهو تكريس لمعادلة ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة دون تسميتها. ونفت مصادر متابعة الحديث عن وضع المقاومة للحكومة في أجواء الردّ الذي ستقوم به، والذي يستعمل الحديث عنه للتشويش على العلاقة التكاملية التي بدت في أعلى مراتبها بين الحكومة والمقاومة. وقالت المصادر إنّ المقاومة لا تريد أكثر من هذا الموقف السياسي من الدولة، والدولة بغنى عن التورّط بتفاصيل ردّ المقاومة والتشارك بأعبائه. وهذا هو الوضع الصحي.
تعزّز الموقف الرسمي وضوحاً بما جرى في اجتماع الحكومة عندما تولى رئيس الحكومة الردّ على وزير القوات اللبنانية ريشار قيومجيان الذي أراد الغمز من قرار وبيان المجلس الأعلى للدفاع متسائلاً عمّن يمسك بقرار السلم والحرب، وكلام رئيس الحكومة كان كافياً لإقفال النقاش وتسجيل تحية من وزراء حزب الله لموقف رئيس الحكومة، الذي قال إنّ إسرائيل معتدية ولا مبرّر لكلّ هذا الجدل، فلسنا من يفتح حرباً، بل نحن من نتعرّض للعدوان وكلّ ما نفعله هو أننا نؤكد حقنا المشروع بالدفاع.
مجلس الدفاع: حق الردّ مشروع
لليوم الثالث على التوالي بقي العدوان الاسرائيلي طاغياً على المشهد الداخلي ومحلّ الاهتمام الرسمي، وسط استمرار حكومة العدو الاسرائيلي إطلاق رسائل التهديد للبنان في محاولة للتحريض على حزب الله داخلياً ودولياً لثنيه عن الردّ ولشقّ الموقف الوطني اللبناني الموحّد المتمسك بحق لبنان المشروع في الدفاع عن نفسه بكافة الوسائل، كما أكد المجلس الاعلى للدفاع في اجتماعه الاستثنائي أمس، في بيت الدين، لا سيما بعدما كشفت المقاومة الاسلامية بأنّ الطائرتين المسيّرتين تحملان متفجرات لتنفيذ عملية تفجير، في الوقت نفسه انشغل كيان العدو بالتحليلات والتوقعات لردّ حزب الله المنتظر الذي وصفته إحدى وكالات الأنباء العالمية بالمدروس والذي لا يشعل حرباً.
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خلال اجتماع مجلس الدفاع الأعلى على ضرورة الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه، لأنه حق مشروع، فيما اعتبر رئيس الحكومة سعد الحريري انّ الاعتداء «تقصد منه إسرائيل تغيير قواعد الاشتباك، مما يهدّد الاستقرار». وأكد المجلس حق اللبنانيين في الدفاع عن النفس بكلّ الوسائل ضدّ ايّ اعتداء، وعلى انّ الوحدة الوطنية أمضى سلاح في وجه العدوان».
وتوازياً مع تحصين الموقف الداخلي يتولى رئيس الحكومة حملة دبلوماسية للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على لبنان، وقد اتصل أمس، بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وأبلغه ان الاعتداء الإسرائيلي عمل خطير واعتداء على السيادة اللبنانية وخرق لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 الذي أرسى الهدوء والاستقرار طوال السنوات الماضية. وأوضح الحريري انّ لبنان يعوّل على الدور الروسي في تفادي الانزلاق نحو مزيد من التصعيد والتوتر، وتوجيه رسائل واضحة لـ إسرائيل بوجوب التوقف عن خرق السيادة اللبنانية. وأكد الحريري انّ الاعتداء يهدّد بتصعيد خطير للأوضاع في المنطقة، لا يمكن التكهّن بنتائجه .
كما أجرى الحريري اتصالاً هاتفياً بمفوضة الأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني وطلب منها دعم الاتحاد الأوروبي مساعي التهدئة وضرورة وقف الخروقات الإسرائيلية للقرار 1701 الدولي والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة بعد التطورات الأخيرة.
وفي حين أوردت بعض وسائل الإعلام أنّ حزب الله أعلن أنه سيردّ على الاعتداء الإسرائيلي والمجلس الأعلى للدفاع أخذ علماً بالردّ الذي سيكون مناسباً ومتناسقاً، نفى وزير الدفاع الياس بوصعب ذلك، مؤكداً أنّ هذا الموضوع لم يطرح في جلسة المجلس إنما كلّ ما تمّت مناقشته هو فقط ما صدر في البيان الرسمي .
وبقي الهدوء الحذر مسيطراً على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة وتابع الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل تسيير دوريات مشتركة مقابل بلدة المطلة، وقد سجل تحليق لطائرات حربية إسرائيلية في أجواء الجنوب والبقاع. في المقابل سادت أجواء القلق في المستوطنات الصهيونية بانتظار ردّ المقاومة، وأشار المتحدث باسم اليونيفل أندريا تيننتي، في تصريح، الى أنّ جنود حفظ السلام التابعين لـ اليونيفيل يواصلون القيام بأنشطة منتظمة في منطقة عملياتهم في جنوب لبنان وعلى طول الخط الأزرق . وقال الوضع في المنطقة يحافظ على هدوئه، فيما تواصل اليونيفيل العمل مع الأطراف لضمان عدم حصول أيّ سوء فهم أو حوادث يمكن أن تعرّض وقف الأعمال العدائية للخطر .
وقد حاولت بعض وسائل الإعلام الغربية المتحالفة مع إسرائيل تضليل الرأي العام وتعزيز الرواية الاسرائيلية وشرعنة عدوانها، عبر الادّعاء بأن الطائرتين المسيّرتين استهدفتا صواريخ دقيقة تابعة لحزب الله، حيث أشارت صحيفة التايمز البريطانية إلى أنّ الهجوم الاسرائيلي استهدف موقعاً يخزن فيه حزب الله أجزاء أساسية من صواريخه الدقيقة». علماً انّ الموقع المستهدف مكان مأهول بالسكان ويضمّ مكتب العلاقات الاعلامية في حزب الله ولا يحوي أيّ مراكز عسكرية أو مخازن صواريخ، بحسب مصادر عسكرية.
وأكد الاتحاد الأوروبي في بيان أمس، «دعمه أمن لبنان وسيادته، بالتنسيق الوثيق مع شركائه الدوليين لتحقيق هذه الغاية»، وقال: «في نهاية المطاف، لا يمكن أن يكون هناك حلّ أحادي أو عسكري للمشاكل المترابطة في الشرق الأوسط».
وأوضحت المتحدثة باسم الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي ماجا كوسيانيتش انه تقع على عاتق جميع الأطراف في المنطقة، مسؤولية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتثال للقانون الدولي وتجنّب ايّ تصعيد اضافي ، وقالت: إنّ الاتحاد الاوروبي يتوقع ان يلتزم جميع الأطراف التزاماً تاماً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخصوصاً قراريه رقم 1701 و 1559 .
الحريري ردّ على القوات
وفرضت التطورات العسكرية نفسها على طاولة مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدت أمس، برئاسة الحريري في السرايا الحكومية والمخصّصة لبحث ملف النفايات. على أن تعقد جلسة للحكومة في بيت الدين الخميس المقبل.
واعتبر الحريري في بداية الجلسة انّ إسرائيل هي من اعتدت هذه المرة على لبنان ، وأكد انه يتابع الملف بكلّ دقة وهو تواصل مع لافروف لهذه الغاية. واستغرب وزير الدفاع الياس بو صعب قبل الجلسة تصريح البعض المنتقد لكلام رئيس الجمهورية، مشيراً الى أنّ من حقنا الدفاع عن وطننا والبيان الوزاري يقول إنّ من حق المواطن اللبناني الدفاع عن أرضه ، داعياً الجميع الى قراءة البيان الوزاري، لافتاً الى أنّ الجميع أجمعوا على انّ الاعتداءات بدأها الاسرائيليون ، وأكد بأنّ من يرفض كلام عون يؤيد العدوان. فيما فُسِّر كلام بوصعب على أنه موجه الى القوات اللبنانية، نفى وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان أن يكون انتقد موقف رئيس الجمهورية مشيراً الى انه انتقد في تغريدة دعوة عون لبحث الموضوع في المجلس الأعلى للدفاع فيما كان يقتضي عرض الأمر على مجلس الوزراء الذي يمثل كافة المكونات ، لكن معلومات البناء تشير الى أنّ قيومجيان دعا في مداخلته في الجلسة الى حصر قرار السلم والحرب بيد الدولة اللبنانية ورفض الردّ العسكري على إسرائيل نظراً لنتائجة الخطيرة على لبنان ، فردّ عليه الحريري قائلاً: لكن إسرائيل هي من بدأت بالعدوان على لبنان ويجب تحميلها مسؤولية أيّ توتر يحصل .
وأشارت جهات وزارية في القوات لـ البناء الى أننا لسنا ضدّ موقف رئيسي الجمهورية والحكومة ونحن مع الدفاع عن لبنان، لكن ألا نجرّ البلد الى الحرب بردّ فعل عسكري من حزب الله، لأنّ الوضع الاقتصادي لا يحتمل ايّ حرب ، موضحة أنه اذا كان الرئيس عون يقصد بموقفه تغطية ردّ فعل حزب الله فلسنا معه ولا يمكن لرئيس الجمهورية او رئيس حكومة تغطية حزب بعمل عسكري ضدّ إسرائيل ، وتعتبر المصادر القواتية انّ الردّ يكون باللجوء الى مجلس الأمن والدول الكبرى وتقديم شكوى كما يفعل رئيس الحكومة للضغط على إسرائيل . ومع أنّ المجتمع الدولي لم يستطع أن يردع العدوان الاسرائيلي في أيّ وقت لا سيما مع وجود فيتو أميركي يمنع ايّ إدانة لـ إسرائيل في مجلس الامن، تصرّ المصادر بأن لا خيار آخر أمامنا دون عنف وحرب ودمار سوى المجتمع الدولي ، وعما اذا كانت القوات تؤيد قراراً حكومياً بتكليف الجيش اللبناني الردّ عسكرياً على إسرائيل ، ترفض المصادر ذلك مبرّرة بأنّ أيّ ردّ عسكري سيستدرج رداً اسرائيلياً على لبنان مكلفاً بشرياً واقتصادياً .
وحول وجود بند في البيان الوزاري يكرّس حق لبنان بالدفاع عن أرضه، ذكرت المصادر بأنّ القوات سجلت تحفظها على هذا البند، مشيرة الى وجود بند آخر يدعو الى حياد لبنان وسياسة النأي بالنفس، لكن السؤال هنا: هل يمكن للبنان أن ينأى بنفسه عن العدوان الإسرائيلي؟ وهل هذا العدوان هو صراع بين المحاور الإقليمية أم بين لبنان والكيان الصهيوني؟
في المقابل ردّت أوساط وزارية في تكتل لبنان القوي على كلام القوات مشيرة لـ البناء الى أنّ حق لبنان بالدفاع عن أراضيه وأجوائه ومياهه وثروته النفطية مكرّس في البيان الوزاري ولا يجوز أن يضعه البعض محل خلاف داخلي، الأمر الذي يستفيد منه العدو ، ودعت الى الحفاظ على الموقف الموحد والعمل على كافة الصعد لردع إسرائيل . فيما لفتت مصادر وزارية في 8 آذار الى أنّ موقف القوات لم يستدع رداً من فريق المقاومة لا سيما انّ رئيس الحكومة حسم الأمر واعلن موقف الحكومة الرسمي .
أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو موقف الحكومة اللبنانية إذا قام حزب الله بردّ عسكري على إسرائيل ؟، تشير مصادر بيت الوسط لـ البناء الى انّ الحريري يقوم بما عليه للضغط على إسرائيل دولياً وهو حريص على الوحدة الوطنية ولن يُستدرج ليقف ضدّ حزب الله أو لأيّ موقف يؤدّي الى تهديد الحكومة .
وكان وزير المال علي حسن خليل ورداً على سؤال عن موقف رئيس الجمهورية أكد أننا مع الرئيس عون . وعلّق وزير الاشغال والنقل يوسف فنيانوس على موقف عون بالقول: كلام لا يُعلى عليه .
أما اللافت والمتغيّر في موقف الحريري، فهو ما قاله وزير الإعلام جمال الجراح بعد الجلسة لدى سؤاله عن موقف القوات مشيراً الى أنّ مطلب القوات هو مطلب أغلبية اللبنانيين وهو متروك الى حين بت الاستراتيجية الدفاعية ، لكن الجراح ربط بين وضع هذه الاستراتيجية وزوال الخطر الإسرائيلي، وقال: الحديث عن قرار الحرب والسلم متروك لنقاش الاستراتيجية الدفاعية، وليس بهكذا جوّ وفي ظلّ الاعتداء الاسرائيلي نناقش هذا الموضوع .
وكان المجلس أقرّ خطة النفايات بمعظم بنودها باستثناء البند المتعلق بالأحكام المالية واسترداد الكلفة لأنه بحاجة الى دراسة اكثر. وأعلن وزير البيئة فادي جريصاتي بعد الجلسة أن بند المطامر في برج حمود والشمال وكوستابرافا والجديدة نوقش في جلسة مجلس الوزراء ولكن لم يُتخذ القرار النهائي بعد ومَن يعترض فعليه تقديم البديل . وقال ممنوع من الآن فصاعدا الاعتراض على مواقع المطامر والخطط من دون تقديم بديل وأعطينا مهلاً كافية للنقاش، وكما أن لا أمن بالتراضي لا بيئة بالتراضي . وأضاف كل منطقة ستستقبل منطقة للنفايات لا بدّ لها من حوافز .
لكن مصادر البناء أشارت الى أنّ الخلاف هو على مواقع المطامر في ظلّ رفض قوى سياسية وشعبية عدة إنشاء مطامر في مناطقها .
وأفيد أنّ وزير التربية و التعليم العالي أكرم شهيّب اعترض على إعادة فتح مطمر الناعمة ، معتبراً انّ «هذا المطمر تحمّل عن كلّ لبنان 18 مليون طن من النفايات على مدى 18 عاماً».
على صعيد آخر، انتخب القاضي طنوس مشلب رئيساً للمجلس الدستوري وأكرم بعاصيري نائباً للرئيس وعوني رمضان أميناً للسر، وتسلّموا مهامهم رسمياً من أسلافهم.