بنود المبادرة الفرنسية بشأن إيران
د. حكم أمهز
عناوين عريضة حملها مبعوث الرئيس الفرنسي ايمانويل بون الى إيران في العاشر من الشهر الماضي، رأى فيها الإيرانيون مسعى جاداً – وإن كان لن يؤدي الى نتائج ايجابية بناء على خبرة إيران بالأميركيين – من قبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لإحداث خرق ما في جدار الأزمة القائمة بينهم وبين كل من أوروبا وأميركا. لذلك كان التجاوب معها على الأقل من قبيل رفع العتب وإلقاء الحجة، كي لا يُقال إن إيران تعرقل.
كذلك رأى الإيرانيون أن ما فرض المبادرة على الأوروبيين، وليس على الفرنسيون فقط، هو تقليص طهران التزامها بالاتفاق النووي.
تتألف المبادرة من نقاط عدة هدفت الى تجميد إيران خطوات تقليص التزامها بالاتفاق النووي، ومن بينها بنودها اقتراح بمشاركة وزير الخارجية محمد جواد ظريف في اجتماعات قمة السبع في فرنسا، باعتبار أن وجوده في المكان، حتى لو لم يعقد أي لقاءات مع الجانب الأميركي، يمكن أن يكون مسهلاً لمهمة ماكرون.
الموقف الإيراني كان إيجابياً، لانه ربط الحل بما سيصدر عن الأميركي.
اما ماكرون، فيعتبر ان له «مونة» على نظيره الأميركي دونالد ترامب، فهو كان متفائلاً بالنتائج، وأعطى الجهود الإيرانية شحنة ايجابية، بناء على ذلك.
المبادرة الفرنسية وضعت أيضاً حلولاً لبعض النقاط العالقة وسنحاول اختصارها بالتالي:
تعهّد إيراني بعدم تصنيع القنبلة النووية مقابل عدم إلزامها بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية NPT .
نقل المبعوث الفرنسي بون إلى طهران أن الأميركيين قلقون جداً من أن تصنع إيران قنبلة نووية، فأبلغه الإيرانيون ان لدينا فتوى بحرمة ذلك، فقال لهم ان الأوروبيين والأميركيين لا يفهمون لغة الفتوى، ونقترح عليكم أن تترجموا الفتوى بلغة القانون الدولي، تتعهد من خلالها طهران بعدم التصنيع. وبالتالي فإن إيران لا تكون ملزمة بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية التي ترفض التوقيع عليها ما لم توقع عليها حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
الإيرانيون وافقوا، وطالبوا أن يكون في اللجنة مجموعة 4+1، والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
بقي قرار الموافقة معلقاً بناء على ما ستؤول اليه المبادرة ككل.
مفاوضات غير مباشرة على مستوى وزاري بين إيران وأميركا
اقترح الفرنسيون عقد اجتماعات وزارية لمجموعة 4+1 مع إيران بحضور أميركي بصفة مراقب.. وتجري خلال الاجتماع مفاوضات غير مباشرة بين الإيرانيين والأميركيين. يعمل الفرنسيون خلال الاجتماع الأول، على تأمين إعفاء أميركي للصين والهند، لشراء النفط الإيراني، على ان تتوسع دائرة الإعفاءات في الاجتماعات التالية.
الفرنسيون كانوا حصلوا على مواقفة من الأميركي، على هذه الاجتماعات، الا انه بعد الرفض الإيراني لهذه المفاوضات غير المباشرة، تراجع الأميركي عن موقفه، وبرر بأنه لم ينسحب من الاتفاق النووي ليعود اليه، وأبلغ الأميركي، الفرنسيين، ان مجرد مشاركته في اجتماعات كهذه، ستعني تنازلاً للإيراني الذي سيحسبها انتصاراً له.
لذا طالب الأميركيون بعقد اجتماع على طاولة ثلاثية بينهم وبين الإيرانيين برعاية فرنسية. وبطبيعة الحال كان الفيتو الإيراني جاهزاً، الا ان تراجع الأميركي عن كل الإجراءات التي اتخذها بدءاً من الانسحاب من الاتفاق النووي.
تشكيل لجنة مراقبة للحركة المالية للصادرات النفطية الإيرانية مقابل عدم تقييد إيران بالتوقيع على معاهدة FATF
من البنود التي وردت في المبادرة، تسهيل بيع ما بين 700 ألف برميل الى مليون برميل يومياً من النفط الإيراني. وتزداد هذه النسبة على مراحل.
طهران اشترطت أن تكون كل مرحلة 3 اشهر، في الثانية تصبح النسبة مليوناً ونصف المليون، وفي الثالثة مليونين ونصف المليون برميل يومياً. تقسم أموال مبيعات النفط الى قسمين، واحد الى صندوق القناة المالية الأوروبية اينستكس وثانٍ الى البنك المركزي الإيراني. اختلف الطرفان في نسب كل قسم، الفرنسيون اقترحوا ان تكون مناصفة، اما الإيرانيون فرفضوا باعتبار أن تقسيماً كهذا، سيوثر على قوى الإنتاج المحلية والإنتاج الوطني، ويزيد من حجم التضخم.
وبطيبعة الحال فإن الإشكالية، كانت في كيفية مراقبة هذه الإموال الواصلة الى البنك المركزي الإيراني.
الفرنسيون اقترحوا تشكيل لجنة غير مرتبطة باينستكس، تتولى الإشراف على توزيع الاموال الواصلة الى البنك، على الوزارات الإيرانية. كالصحة والتربية والمواصلات وغيرها… وذلك مقابل إعفاء مرحلي لإيران من التوقيع على المعاهدة الدولية لغسيل الإموال وتمويل الإرهاب المعروفة بـ FATF. ومعروف ان إيران ترفض حتى الأن التوقيع على المعاهدة لأن الأميركيين وبعض الأوروبيين يصنفون المقاومة إرهاباً…
فتح اعتمادات لبيع النفط الإيراني بقيمة 14 مليار دولار
من البنود التي طرحتها المبادرة الفرنسية، فتح اعتماد بـ 14 مليار دولار في اينستكس، مقابل تعهّد إيران بتجميد خطوات تقليص التزامها بالاتفاق النووي.
على ان تقدم فرنسا 4 مليارات والمانيا 4 مليارات، واليابان ما بين 3 و4 مليارات، وبريطانيا والصين لم تحددا حصتهما بعد.
وتعهّد الرئيس ماكرون بتأمين هذه المبالغ خلال مباحثات قمة السبع في فرنسا.
وتكون ضمانة هذه الاعتمادات، بيع النفط الإيراني.
ويقترح ماكرون ان تتحوّل نسبة من قيمة المبيعات النفطية، الى صندوق اينستكس، والاخرى نقداً الى إيران. وتستطيع طهران ان تستفيد من أموال الصندوق، ادوية واغذية وقطع طائرات وغيرها..
وتعهد ماكرون بالاستحصال من ترامب على إعفاءات خاصة لبعض الدول بشراء النفط كما اشرنا سابقاً. مع الالتفات الى ان نسبة ما تستورده الصين من إيران اكثرمن 600 الف برميل والهند اكثر من 450 الف برميل.
على ان تلحق كوريا اكثر من 250 الف برميل واليابان اكثر من 100 الف برميل وغيرهما بالإعفاءات تباعاً.
وترصد اعتمادات الصندوق على مراحل في كل مرحلة اربعة مليارات دولار.
الا انه حتى الأن لم يتم التوصل الى اتفاق بهذا الشأن.
4 – كيفية درس الملفات وفق للمنظورين الأميركي والإيراني:
لم يستطع الفرنسيون التوصل الى حل في مسألة كيفية بحث الملفات بين طهران وواشنطن.
نقل الفرنسيون أن الأميركي يطالب ببحث كل الملفات بسلة واحدة وهي:
– وقف خطوات تقليص إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي.
– تمديد مهل الاتفاق النووي من 2025 الى 2040.
فالاتفاق النووي يحدد العام 2025 كموعد لتحرير إيران من قيود تعهداتها بشأن تصنيع وشراء وتصدير الأسلحة الثقيلة، أما الأميركيون فيطالبون بتمديد المهلة الى العام 2040.
– الصواريخ الباليستية والنفوذ الإيراني في المنطقة
الإيرانيون رفضوا، وشدّدوا على التدرج في البحث، على ان يكوم الملف الأول خطوات التقليص.. وبعدها لكل حادث حديث..
فإذا أثبت الطرف الآخر، التزاماً بما يتفق عليها في الملف الاول، بعدها يصار الى البحث في امكانية مناقشة الملفات الاخرى.
اقتراح إيراني بتشكيل لجنة من الدول التي تمتلك برامج نووية سلمية لضمان تنفيذ الاتفاق النووي.
طرح الإيرانيون اقتراحاً، يقول إنه في حال عدم التزام الاطراف الموقعة، بتنفيذ تعهداتها الواردة في الاتفاق النووي، تشكل لجنة لضمان تنفيذ الاتفاق تضم الدول التي تمتلك برامج نووية سلمية وليس عسكرية، كالمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا. وترى طهران انه من خلال توسيع دائرة الضامنين، يمكن ان تصل الى ضغوط أكبر على الأميركي من اجل إلزامه بتنفيذ تعهداته في الاتفاق النووي.
في النتائج:
حتى الآن لم يتم التوصل الى حسم أي من نقاط المبادرة، الا ان الفرنسيين متفائلون بإمكانية التوصل الى احداث ثغرة ما، في جدار الازمة بناء على المعطيات التالية:
المواقف الصادرة عن القادة الإيرانيين بانفتاحهم على المبادرات المطروحة لا سيما تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني حول استعداده للقاء أي شخص رغم تأكيدات روحاني والقادة الإيرانيين مراراً وتكراراً رفضهم لأي مفاوضات ما لم تتراجع واشنطن عن إجراءاتها .
التصريحات الصادرة عن الرئيس ترامب بعد قمة السبع والتي قال فيها إنه لا يسعى الى تغيير النظام في إيران، ومَدَح إيران وشعبها. ويرى الفرنسيون والألمان فيها، صفعة وُجهت لتيار بولتون وبومبيو اللذين قالا إن نهاية إجراءات الحظر الأميركي على إيران، إسقاط النظام فيها… لذا يخشى هؤلاء بأن يغيّر ترامب مواقفه، تحت ضغوط لوبي بولتون وبومبيو، بعد عودته الى واشنطن، على غرار ما فعل عندما أعلن انه سينسحب من سورية، ثم عاد في اليوم التالي وتراجع تحت ضغط هذا اللوبي.
ويقول الفرنسيون والألمان إن الأميركيين متحمسون للتوصل الى اتفاق..
خبير في شؤون إيران والشرق الأوسط.