«شرق الفرات»… لِـمن القول الفصل؟
محمد توفيق قرنفل
على ضوء المتغيّرات والتطورات العسكرية والسياسية التي فرضتها دمشق مؤخراً، كان لا بدّ من إعادة ترتيب الأوراق وصوغ معادلة جديدة في المنظور الأميركي – التركي من شأنها أن تنسجم مع تطلعات الأخيرين، المتجاذبة تارةً والمتنافرة تارة أخرى بفعلِ الوجود الكردي.. فضلاً عن الدأب لتجميل الخسارة التي لحقت بالتركي والأميركي في مشهدية الحرب هذه.
فالأطروحة الأميركية – التركية لمفهوم المنطقة الآمنة، قد يعيدنا إلى الذاكرة قليلاً حيث الاتفاق الفرنسي – التركي الذي قضى بقضم رقعة جغرافية من الأرض السورية لصالح التركي تحت العباءة الفرنسية، كان ذلك نتيجة الهزيمة المتواترة التي لحقت بكلّ من الفرنسي والعثماني وتحطيم مطامعهم في الوقت آنذاك، ونستذكرُ أيضاً جماح الرغبة الفرنسية في كسب التركي إلى صفّها إبان التأهّبات للحرب العالمية الثانية، مما جعلها تلقي برقعة جغرافية سورية خصبة لواء اسكندرون إلى الأتراك كي يلتهموها!
– فهل تُعير واشنطن اهتماماً للهواجس التركية في قضم رقعة جغرافية أخرى من سورية، وتحجيم النفوذ الكردي الذي تصاعد في خضمّ هذه الحرب بفضل الأولى؟!
الواضح أنّ واشنطن تسعى عبر سياسية الكيل بمكيالين أن تبقي على موطئ قدم لها في شمال شرق سورية يعزز نفوذها، ويُعيدها للإمساك جيداً بمفردات الصراع، وفقَ ما تستدعيه مصالحها ومصالح الكيان اليهودي في هذا الشرق.
أما عن التركي ودوره وكوامن سياسته حيال المنطقة الآمنة، فيمكن أن نلتمس عامل تجاذب مع الجانب الأميركي من جهة، وعامل تنافر من جهةٍ أخرى، فعامل التنافر هذا يتمحور في جوهر المفردات الأمنية الاستراتيجية لدى التركي، ألا وهو الوجود الكردي بشقيّه العسكري والسياسي.. إذ أنّ التركي يسعى جاهداً منذ بدء تصاعد وتيرة الحرب السورية للبحث عن آليات تشرعنُ تحركاته، لتقليص الوجود الكردي شمال وشرق سورية، ناهيك عن نواياه التاريخية في استكمال عملية القضم الجغرافي للأراضي السورية، هذا يعني أنّه كان يحاول ضرب عصفورين في حجرٍ واحد، إلّا أنّ سورية دأبت دوماً لأن تكون بيضة القبّان التي تدفن أحلامه إلى الشمال من هذه البلاد، ونجحت إلى حدٍّ ما، بينما بقي مصير عفرين مجهولاً إلى الآن! بانتظار قرار المؤسسة العسكرية بالزحف تجاهها.
بالعودة إلى عامل التنافر التركي – الأميركي في خصوص المنطقة الآمنة، فيبدو أنّ واشنطن في إطار مباحثاتها مع أنقرة تسعى من خلال براغماتية سياستها إلى إيجاد جملةٍ من الحلول التي من شأنها أن تفضّ النزاع بين أنقرة والكرد، هذا النزاع الذي لا يخدم مصالحها إطلاقاً، إنما يبقيها متوترة في وقتٍ حافل بالارتباكات والتوترات صاغتهُ دمشق بفعل جديّة قرارتها المؤسساتية تحت الغطاء الروسي، لذا فإنّ التشدّق الأميركي للوصول إلى حلّ سياسي مثالي بين أنقرة والكرد، سيؤهّلها لتغدو قادرة على هندسة أيّ تحرّك عسكري تركي قد تحتاجه لاحقاً في حربها ضدّ سورية.
وبالتالي يُمكن تأطير هذا الاتفاق في ثلاث نقاط:
– تعمدُ تركيا إلى بلورة مفاهيم ذات أهداف إقليمية، لا سيما تلك المتعلقة بالكرد، فضلاً عن تأمين ورقة لتعزيز موقع لها على الطاولة السياسية المعنية بالشأن السوري، وذلك كي تؤمّن الحدّ الأدنى من المكاسب السياسية، وتحديداً بعد أن خسرتْ معظم أوراقها في هذه الحرب.
– إعادة خلط أوراق النصر السوري، واستمرارها في قضم الجغرافيا السورية، للتهدئة من وطأة هواجسها الأمنية والتي تعود إلى ما قبل الحرب حتى، فكان وجود دولة إلى الجنوب منها لها مطالب جغرافية ومائية ونزوعٌ إلى الزعامة الإقليمية في الوقت آنذاك، يشكّل هاجس خطرٍ، وكان هذا الهاجس حادّاً أكثر في ظلّ العلاقات السورية مع أرمينيا وقبرص ألدّ عدوّين تاريخيين للأتراك!
– المنطقة الآمنة المُزمع إنشاؤها في المنظور الأميركي تآتي في إطار سياسية الاحتواء لحلفاء واشنطن وامتصاص غضبهم.
وعلى الرغم من تباين وتناقض التصورات التركية والكردية والأميركية حول ماهيّة المنطقة، إلّا أنّ المسار الأميركي في هذا المضمار لا يكترث ضمناً لمطالب التركي كافّةً، ولا يهزُّ رأسه للكردي كما في كوباني!
مع الإشارة إلى أنّ المنطقة الواقعة شرق الفرات، تضمُّ خليطاً من الجماعات المذهبية والاثنية ما يجعل إقامة نفوذ أجنبي هناك أمراً شبه مستحيل، مع الأخذ بعين الاعتبار القرار السوري الروسي الإيراني الذي لم يبد واضحاً إلى حدّ الآن، لكن اعتدنا أن ندركهُ بين ليلةٍ وضحاها، على شاشات التلفزة المحلية، تذيعُ الشروع بالزحف العسكري، وتتلو النصر تلو الآخر…