الانتخابات الرئاسية التونسية… صراع الشاهد والقروي
ناديا شحادة
تحظى الانتخابات الرئاسية التونسية المرتقبة بأهمية قصوى لدى الفاعلين السياسيين المحليين والشركاء الدوليين لتونس في آن واحد، وذلك بالنظر لمركزية منصب رئيس الجمهورية في المعادلة الوطنية، رغم أنّ طبيعة النظام السياسي في صيغته الدستورية الحالية، تعطي صلاحيات أكبر لرئيس الحكومة على حساب منصب رئيس الجمهورية.
تأتي هذه الانتخابات في ظلّ أوضاع اقتصادية ومعدلات تنمية ضعيفة، تنعكس على الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، وفي ظلّ أزمة سياسية عميقة وتحديات أمنية راهنة هي في عمقها مرتبطة بأجندات حزبية وسياسية وشخصية محلية، ليست بمنأى عن حسابات متعلقة بالاستحقاق الانتخابي الرئاسي في تونس.
وفي ظلّ هذا الوضع السياسي المتأزم واتساع دائرة الصراع على السلطة التي أضحى البعض ينظر إليها كغنيمة في ظلّ وضع اقتصادي واجتماعي صعب، قامت الأجهزة الأمنية بالقبض على المرشح الرئاسي نبيل القروي وهو من منتسبي حزب «نداء تونس»، وظلّ فيه ثلاث سنوات، قبل أن يغادره، كما نشط في العمل الخيري، عبر جمعية «خليل تونس»، ثم أسّس حزب «قلب تونس» في حزيران الماضي ليتسنّى له قانونياً الترشح للاستحقاق الرئاسي من ناحية، والظهور كرجل سياسة بخلفية حزبية للقطع مع الانتقادات الموّجهة إليه بتوظيفه العمل الخيري والإعلامي لأهداف سياسية.
حالة من الجدل والقلق سيطرت على المشهد السياسي التونسي بعد اعتقال السلطات التونسية المرشح الرئاسي نبيل القروي، على خلفية بعض الاتهامات في قضايا تهرّب ضريبي وغسيل أموال، بعد أيامٍ من اعتماد اسم القروي في القائمة النهائية لمرشحي الرئاسة، وفقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية.
من الناحية القانونية، فإنّ القبض على القروي يعدّ مجرد توقيفٍ تنفيذاً للقانون، فالقروي متهم في قضايا تتعلق بالتهرّب الضريبي وغسيل الأموال، إلا أنه من الناحية السياسة فإنّ الأمرَ يبدو أقرب ما يكون للاعتقال، وذلك بالنظر للوقت والكيفية التي تمّت بها تنفيذ القانون.
إنّ توقيت القبض على القروي الذي تمكّن من استيفاء الشروط اللازمة للترشح لرئاسة الجمهورية ما بين التزكيات البرلمانية أو الموافقات الشعبية، فضلاً عن كونه يستند إلى ظهير شعبي من خلال تواصله الجماهيري عبر حزبه بالإضافة إلى سلسلة الأعمال الجماهيرية التي يراها البعض خيرية بحكم كونه رجلاً للأعمال، رغم بعض المزاعم بوجود شبهات في تعاملات القروي المالية. إنّ التوقيت يثير الشكوك حول تسيييس تنفيذ القانون لأغراضٍ انتخابيةٍ.
القروي الذي بدأ منذ ليلة الأربعاء إضراباً مفتوحاً عن الطعام احتجاجا على اعتقاله، ركز خطابه وجهد نحو فئة واحدة من الشعب وهي الفئة الهشة اجتماعياً عبر مشروع خليل تونس نسبة إلى خليل ابنه الذي توفى في حادث سير، وهو مشروع يقوم بإرسال قوافل مساعدات للجهات الفقيرة في مناطق تقع معظمها في الأرياف، مكّنته تجربة العمل الجمعياتي الخيري من الاقتراب من الفئات المهمشة والضعيفة وازدادت شعبيته خلال الأشهر الأخيرة، وبات يقدّم نفسه كبديل للنخبة الحاكمة الحالية التي تستغل مؤسسات الدولة لمصالحها، وتراخت عن مساعدة الشعب كما صرّح سابقاً، اعتقاله قوبل بصمتٍ من جانب رئيس الحكومة والمرشح الرئاسي يوسف الشاهد، في ظل اتهامات من جانب بعض القوى السياسية بأنّ الشاهد يسعى لقطع الطريق على القروي المنافس القوي نظراً لشعبيته، لكن واقع الأمر أنّ المستفيد من تلك العملية هو مرشح حزب حركة النهضة الذي من المتوقع أن يستفيد من عملية تكسير العظام الدائرة بين بعض مرشحي التيار الليبرالي لتقف النهضة في المساحة الدافئة، في حين يخسر الشاهد صورته كمرشح ليبرالي يؤمن بقيم الديمقراطية ومنحرفاً عن المسار التوافقي الذي كان يسعى لترسيخه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، والذي حارب حتى اللحظة الأخيرة في حياته ضدّ قانون الانتخابات، الذي سعت النهضة عبر أغلبيتها البرلمانية لتمريره من أجل إقصاء مرشحين بعينهم مثل نبيل القروي وعبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر.
ورغم انقسام التونسيين بشأن قانونية إجراءات اعتقال القروي، فإنهم أجمعوا على ضرورة تحييد القضاء ومؤسسات الدولة وعدم الزجّ بها في الصراعات الانتخابية وتصفية الحسابات السياسية والحزبية، خاصة أنّ البلاد مقبلة على امتحان ديمقراطي جديد يلزمه مناخ سياسي مستقرّ. ولكن مع التشتّت الذي أصاب العائلة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية بسبب رفض رموزها الانسحاب والاصطفاف خلف مرشح توافقي واحد بتنا شبه مؤكدين بأنّ عبد الفتاح مورو مرشح حركة النهضة سيكون أول الواصلين للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية المقبلة في المقابل، لا أحد منا يمكنه الجزم بمن سيرافق «الشيخ الليبرالي»، رغم أننا لا نستبعد أن يكون ذلك مؤسّس حزب قلب تونس، ورجل الإعلام والأعمال التونسي، نبيل القروي.