سيمون أسمر أشعل الشموع وأضاء العتمة في الفنّ وغيره شوّه الوطن والفنّ… والنهاية قريبة!
جهاد أيوب
سيمون أسمر… التلفزيونات العربية قبل سيمون أسمر حالة، وخلال صناعته برامج المنوعات والنجوم شعلة مضاءة، وبعد سيمون أسمر حالة مظلمة وأحياناً مشرقة، ولكن!
هو المخرج المعلم، والمشاكس، والحاكم بأسلوبه، والحاسم برأيه، هو المميّز والكبير سيمون أسمر.
هو مَن أعطى برامج المنوعات وهجاً وحضوراً، وقيمة في جماليات الصورة، وتماسك الفكرة والموضوع والحوار والصنعة والوقت والضيوف، والمشاركين، والمتسابقين، والفائزين.
هو مَن وزع الفن في ربوع لبنان خلال مواسم الحروب الأهلية التي كانت، وقدم المجتمع اللبناني إلى العالم العربي خارج نطاق الحرب، لا بل انفصم نتاجه عن بشاعة المرحلة التي كانت… في الشوارع يتقاتلون، يتذابحون، يتنافقون، يتسابقون على خراب الوطن، وهو سيمون أسمر يقدّم الصوت الأجمل في «ستديو الفن»، اجمل الصفحات التي أغنت الذاكرة، ومسح المتاريس عن ألوان الربيع والفرح والسعادة والغناء، وبأن لبنان يرفض هؤلاء وحربهم… ومع تراكمات السنوات نجح سيمون أسمر وفشل كل من حمل السلاح!
نجح سيمون الذي زرع البهجة على مَن زرع الموت والبشاعة، نجح سيمون أسمر في أن يقدّم صورة ما في داخل كل مواطن فينا خارج سموم مَن حارب، وانتصر سيمون…
نعم سيمون أسمر أشعل الشموع، وأضاء العتمة في الفن، وغيره شوّه الوطن والفن رغم من حاربه، وانتقده، وجرح بعمله وبسمعته وبشخصه، ولكن لم يستطع أحدهم أن يتطاول على عمله وصناعته، ومن تركه خسر الكثير!
هو لم يكن مجرد مخرج عبر، أو يعمل خلف الشاشة، ويوجه هذا وذاك، هو كل ما له علاقة بفن الفن، بفن الصورة، بفن مَن يعمل داخل المربع وخارجه، بفن برامج المنوّعات، وبفن توزيع الأدوار… أقصد هو أبوها وأمها!
هو مَن فرض أسلوبه، وطريقته على الجميع، وهو مَن ترك بصمة إخراجية لنوعية برامج غالبية مَن يعمل اليوم في كل الفضاء العربي، وأشدّد على كلمة «كل» يقلده، ويسعى إلى أن يصل إلى تجربته رغم الإمكانيات الضخمة اليوم، ورغم اختلاف الظروف، والسياسة التي تتحكّم بصناعة برامج كهذه في فضاء عربي عجين!
هو المخرج العربي الوحيد الذي أخرج أفكاره في كل الوطن العربي، وعمل في غالبية التلفزيونات العربية من لبنان إلى مصر، وإلى الأردن ودبي، وسورية، والعراق و… ناهيك على أن اسمه كمخرج تلفزيوني أصبح نجماً ينافس نجوم التمثيل والغناء، ووصل إلى أوسع شهرة في كل العالم العربي، وهذا من النادر حدوثه!
ذات مساحات إعلامية في الصفحات الثقافية كان سيمون أسمر يُنتقد، والأقلام تجرّح به وبسمعته بحجة أن الفضل يعود إليه في ابتعاد الناس عن البرامج الثقافية، وانشغالها ببرامج المنوّعات السطحية، والطبخ والأزياء… هذا الكلام لا قيمة واقعية له، بل غيرة من نجاح تجربة فرضت حضورها بقوة النجاح، أما واقع الثقافة في تلك المرحلة وحتى الآن يتحمّله المثقف والظروف السياسية التي اعتمدت استخفافاً بالعقول والحالة الاقتصادية !
كان يبتسم، ويغرف بضحكة استخفاف، ويراهن على الزمن، ومع الأيام تأكد أنه كان على صواب، ومن انتقده كان يسعى للظهور في برامجه، واليوم يترحمون على أيام وبرامج سيمون أسمر!
في كل برامجه كان يبدأ مع الأسطورة صباح التي التقته في تلفزيون لبنان قناة 7 تلة الخياط، واهتمت به، ومنذ تلك السنوات ارتبطا بصداقة متينة، وكان يعتبرها النجمة العالمية، وهي تعتبره المعلم!
سيمون أسمر المخرج الوحيد الذي صادق كبار النجوم، وساهم في صناعة نجومية مواهب واعدة حتى أصبحت نجوماً، ومنهم مَن تخاصم معه، تشابك مع احتكاره لنجوميتهم بعقود ساهمت بتثبيت حضورهم، وعبر ذلك كون أهم شركة تخدم الفنان، وتقدمه بطريقة غير معتادة عربياً، لا بل هو المسؤول عن النجم عن كل شاردة وواردة، كيف يلبس، كيف يختار، ماذا يتحدث، ويطل عبر وسائل الإعلام… سيمون أسمر مؤسسة قائمة بذاتها!
هكذا حال تجربة المخرج سيمون أسمر أحببته، أو لم تحبه، وافقته، أم لم توافق حسمه، ديكتاتوريته في العمل، قراراته، ونظرته إلى الأمور…
سيمون أسمر هو ذاك الشاب الطموح الذي جاء من التجربة الفرنسية ليقدّم البرامج الأجنبية، وكان أن لمع اسمه عالياً من خلال برنامج « استديو الفن»…هذا العمل الذي أنجب باقة ذهبية من نجوم الساحة الغنائية اللبنانية والعربية.
قدّم أهم النجوم حتى الآن، إضافة إلى أسماء في الشعر واللحن والتقديم والجمال والإعلام… كلهم قدّمهم سيمون في برنامجه في قالب من ذهب، وشهرهم كما شهر نجوم الغناء!
لا نستطيع أن نضع تجربة سيمون في الإخراج فقط، هو ساهم في تقديم نمطية مختلفة في الصورة التلفزيونية، شكل مغاير عن المألوف، وحيوية مفعمة بالجمال والأناقة، ويحسب له تطوير برامج المنوّعات إضافة إلى الجدية والمسؤولية لتصبح كل تلفزيونات العالم العربي تسعى إلى تقليد برامج سيمون، لا بل التلفزيونات الغربية وبالتحديد في ألمانيا أدهشتهم مقدرة سيمون بتقديم أكثر من فكرة منوّعة في العام، وربما أصداء «الأول» وصل إلى العالم، و»ستديو الفن» غطى كل بلاد العرب، وقلد واستنسخ والجميع فشل!
عرفته منذ سنوات تألق، ومن ثم دخوله في مشاكل لا نحبّ الحديث عنها، ومنذ شهر اتصلت به لنكرّم رموزنا في تلفزيون لبنان فردّ قائلاً:» معقول بعد في أحد بلبنان يكرّم الفنانين؟!.. أنا صحياً تعبان ومش مثل الأول، وما عاد بدي اطلع، بعتذر منك… حاسس حالي كثير مريض، يمكن قربت النهاية… المهم شكراً لأن فكرت فينا…»!
سيمون أسمر لا يشبه آحداً، ولا أحد يشبهه. هو حالة نادرة، خاصة، تفوق على كل من يعمل في مجاله، وترك خلفه نجاحات متميزة، وأساليب تدرس، وجدلية ستبقى إلى ما بعد رحيله، سيمون أسمر نجومية من ذهب، وقيمته بما قدمه، وبما صنعه، وبما قاله في الفن.. نعم الفن مع سيمون غير، وبعد سيمون أسمر اختلف ولم يلمع كثيراً!