الأدوار الخارجية تخلق توازناً انتخابياً فماذا عن الداخل؟
ناديا شحادة
تشهد تونس تنافساً محموماً بين المرشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، الذين يحدوهم الأمل ليخلفوا الباجي قائد السبسي على رأس الدولة التونسية، ولكن الطريق نحو قصر قرطاج لا يبدو مفروشاً بالورود أمام أيّ من المرشحين في ظلّ وجود صراع في تونس بين لوبيات ومتنافسين، وصراع آخر خفي غير ظاهر وهو التدخل الأجنبي في الاستحقاق الرئاسي.
فالتونسيون يعيشون على وقع الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم غد الأحد 15 سبتمبر/ أيلول بمشاركة 26 مرشحاً ينتمون إلى أحزاب او ائتلافات حزبية إضافة إلى مستقلين. ويحظى الاستحقاق الانتخابي بمتابعة من قبل دول إقليمية وأجنبية لها مصالح اقتصادية وسياسية في تونس تعود إلى عقود.
الحديث خلف الكواليس ازداد التأثير الأميركي الفرنسي على الانتخابات وعن الدعم الأجنبي الذي يحظى به عدد من المرشحين البارزين، وهو حديث لا يخرج عن طبيعة الصراع السياسي في البلاد منذ الثورة وبداية الانتقال الديمقراطي سنة 2011، ويتفق متابعون على وجود تدخلات أجنبية، خاصة من أوروبا، وفي مقدّمتها فرنسا، فالاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتونس، كما قدّم دعماً مالياً واقتصادياً هاماً لها بعد عام 2011، بهدف فرض أملاءات سياسية، والسيطرة على القرار الوطني من الباب الاقتصادي.
رئيس الحكومة المستقيل يوسف الشاهد أثار قراره التخلي عن جنسيته الفرنسية جدلاً واسعاً، وأعاد إلى الواجهة تصريحات تشير إلى العلاقات المثيرة للريبة بين السلطات الفرنسية والشاهد، لكن الأخير دائماً ما ينفي التهم ويؤكد أنّ حصوله على الجنسية الفرنسية كان في إطار ظروف معينة مشدّداً على ولائه لتونس.
والشاهد اتهم كذلك بعلاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية وبأنه عمل في السفارة الأميركية في تونس قبل الثورة لكن رئيس الحكومة المتخلي يعتبر تلك التهم في إطار السجال السياسي المتعلق بالانتخابات.
انّ من بين التدخلات الأوروبية في تونس هو الصراع الفرنسي الإيطالي بخصوص قضية المرشّح الرئاسي الموقوف نبيل القروي، حيث هناك صراع إيطالي فرنسي في تونس، وهو يتمظهر في مثل هذه المشاكل التي تكون أغلبها مفتعلة وغير مدروسة ولا عقلانية وهي ضدّ البلد وضدّ التجربة الديمقراطية. ففرنسا وإيطاليا يتقاتلان في ليبيا وتهمّهم تونس. وقد تجلى هذا الصراع بتصريح للنائب الفرنسي من أصل مغربي نجيب الغراب الذي عبّر عن قلق فرنسا تجاه قرار إيقاف نبيل القروي وانعكاس ذلك على التجربة الديمقراطية. وقال النائب الفرنسي «اليوم دون محاكمة عادلة ودون احترام لقرينة البراءة نبيل القروي مسجون».
إضافة إلى تدخل الاتحاد الأوروبي بدوره في الملف بدعوة السلطات التونسية إلى احترام مبدأ تكافؤ الفرص وذلك بالسماح للمرشح نبيل القروي بالقيام بحملته والظهور في المناظرات التلفزيونية.
وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي في بيان نشر الثلاثاء «ندعو السلطات المعنية إلى اتّخاذ الإجراءات اللاّزمة قصد تمكين كلّ المترشّحين، ومن ضمنهم السيد نبيل القروي، من القيام بحملاتهم للانتخابات الرئاسية في إطار احترام مبدأ تكافؤ الفرص وفقاً لما ينصّ عليه القانون الانتخابي التونسي وطبقاً لمقتضيات الأحكام الترتيبية الجاري بها العمل».
ووسط جدل كبير وتنافس سياسي حادّ بين المرشحين، ورد حديث عن التأثير الأميركي في الانتخابات رغم انّ واشنطن تنتهج أسلوب «القيادة من الخلف» في ما يتعلق بسياستها تجاه دول المغرب العربي، وترك الأمر للأوروبيين لاعتقادها أنَّ مصالحها تتماشى بشكل مباشر مع المصالح الأوروبية، ومن ثم سيتولى الأوروبيون تأمين المصالح الأميركية – الأوروبية في المغرب العربي ولا حاجة للتدخّل الأميركي المباشر في قضايا دول الشمال الأفريقي. الا انه وجهت تهمة لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي على انه مرشح الولايات المتحدة الأميركية للرئاسة التونسية، حيث ذكر موقع موند «أفريك» الفرنسي أنّ المرشح النموذجي للوبيات المذكورة هو الدكتور عبد الكريم الزبيدي الطبيب والأكاديمي البارز والذي كان محلّ ثقة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي منذ 2011 وقد حاول طرح اسمه في حزيران 2018، لخلافة يوسف الشاهد على رأس الحكومة، وانّ وزير الدفاع يتمتع بدعم سري من واشنطن التي عزّزت وجودها العسكري في تونس وهو رصيد أساسي بشرط أن لا يخرج إلى الضوء نظراً لحساسية هذا الموضوع لدى الشارع التونسي.
ووجّهت لمرشحين آخرين تهم الولاء للأجنبي، على غرار مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو، الذي اتهم بحمله الجنسية السعودية،
لكن مرشّح النهضة نفى الأمر، فيما يرى مراقبون في المقابل أنّ دعم مشيخة قطر لحركة النهضة الإخوانية مسألة أصبحت واضحة للعيان ولا يمكن نكرانها، فالأذرع الإعلامية للدوحة دائماً ما تروّج لأفكار المتأسلمين المتطرفين، حيث اقتصرت برامج القناة القطرية الخاصة بتغطية الانتخابات التونسية على الدعاية لمرشحين إخوانيين فقط هما الإخواني عبد الفتاح مورو ورئيس حراك تونس منصف المرزوقي المقرّب من الإخوان في تجاهل تامّ لمبادئ الحياد والمهنية لتغفل عن عمد الـ 26 مرشحاً الآخرين في انتخابات الرئاسة بالبلاد. ناهيك عن الدعم المالي والسياسي الذي تحظى به حركة النهضة.
رغم تكثيف المرشحون حملاتهم لكسب مزيد من الأصوات قبل الدخول في الصمت الانتخابي اليوم السبت 14 أيلول، فإنَّ غياب الإجماع بين مراقبي المشهد الانتخابي التونسي على طرح اسم مرشح قادر على حسم الانتخابات يدلّ على أنّ الانتخابات ساحة مفتوحة غير محسومة النتائج، فلا أحد بإمكانه الجزم بنتيجة الانتخابات فالكلّ بات متوقعاً ومهيئاً لحدوث مفاجآت فالشارع التونسي من الممكن أن يغيِّر من الخارطة السياسية برمّتها سواء بالانقلاب على كلّ المفاهيم «الإخوانية» والليبرالية وبناء عهد جديد مع شخصيات أكاديمية لديها تصوّر اقتصادي لأنَّ الأزمة الحقيقية التي تعيشها تونس هي أزمة اقتصادية بالأساس ألقت بظلالها على السياسة والأمن، وأثرت أيضاً على العلاقة مع الجوار.