غرق السعودية في مستنقع اليمن هل يؤدّي إلى وقف الحرب؟!
إبراهيم ياسين
التطورات التي يشهدها اليمن هذه الأيام، تؤشر بشكل واضح إلى إزدياد مأزق أطراف تحالف العدوان الذي بات يعاني من الفشل والإستنزاف المادي والإقتصادي والبشري، ومن إحتدام الصراعات بين أطرافه ووكلائه.
فبعد ما يقارب السنوات الخمس على شن التحالف السعودي الأميركي الحرب على اليمن بهدف إخضاعه ومنعه من التحرر من التبعية، وتحقيق استقلاله الوطني، فإنّ الحصيلة كانت مخيّبة لهذا التحالف… صحيح أنّ هذه الحرب قد دمّرت اليمن، لكن الأصحّ أنّ هذه الحرب بدأت في عامها الخامس تأخذ مساراً جديداً، تجلى في انتقال هذه الحرب إلى داخل القلب السعودي من ناحية، وإلى المناطق اليمنية الجنوبية التي تخضع لسيطرة الأطراف المدعومة سعودياً وإماراتياً من ناحية أخرى.
فأنصار الله والجيش اليمني بعد أن صمدوا في تصديهم للعدوان، انتقلوا من الدفاع إلى الهجوم، وبدأوا في نقل المعركة إلى داخل الأراضي السعودية، ونجحوا في توجيه ضربات قوية وموجعة للجيش السعودي ووكلائه، وضرب مواقع ومنشآت عسكرية كالمطارات، وإقتصادية كمعامل إنتاج النفط والغاز، والتي كان آخرها قبل أيام قصف معملي بقيق وخريص عبر عشرة طائرات مسيّرة، مما أدّى إلى توقف عمليات إنتاج النفط والغاز. هذه الضربة زادت من خسائر السعودية وكلفة الحرب التي تشنها على اليمن، وبالتالي مفاقمة مأزقها وفشلها مع كلّ يوم تستمرّ فيه هذه الحرب.
في مقابل هذا الغرق السعودي في مستنقع الإستنزاف، احتدم الصراع في المناطق الجنوبية في اليمن بين الأطراف الموالية للسعودية، وتلك المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في وقت انسحبت فيه الإمارات من المشاركة في القتال على الجبهات في مواجهة أنصار الله والقوى الوطنية والجيش اليمني تاركة السعودية ووكلاءها يتحمّلون وحدهم عبء استمرار هذه الحرب، الأمر الذي أحدث تصدّعاً كبيراً في العلاقة التحالفية التي نشأت في بداية الحرب بين السعودية والإمارات. ويعود انسحاب الإمارات وخلافها مع السعودية إلى أنّ أبو ظبي وصلت إلى قناعة بأنّ الاستمرار في الحرب أصبح مكلفاً جداً لها، ولا أُفُق للانتصار في هذه الحرب، في حين أنّ أنصار الله قادرون على ضرب الإمارات وإلحاق خسائر جسيمة باقتصادها، كما يفعلون في العمق السعودي، وبالتالي فإنّ التوقف عن المشاركة في الحرب ضدّ أنصار الله والجيش اليمني هو الضمانة لتجنب الغرق أكثر، وتفادي انهيار الإقتصاد الإماراتي الذي يعتمد على الخدمات والاستثمارات الخارجية.
ومن الطبيعي أنّ احتدام الصراع بين الرياض وأبو ظبي على خلفية ذلك، أن ينعكس في تنامي مأزق السعودية وجعل أنصار الله والجيش اليمني في موقع المستفيد من هذا الصراع، وتصعيد هجماتهم في الداخل السعودي، لخلق المزيد من الوقائع التي تضغط على حكام الرياض لوقف حربهم المدمّرة، خصوصاً أنّ وكلاء السعودية هادي ومجموعته في اليمن باتوا في حالة معنوية سيئة أضعفت من قناعتهم على الإستمرار في الحرب ضدّ أنصار الله والجيش اليمني نتيجة شعورهم بأنّ السعودية تخلت عنهم وتركتهم يواجهون قصف الطائرات الإماراتية التي تدخلت لدعم المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم منها، في سياق سعيها لتمكينه من إحكام سيطرته على المحافظات الجنوبية بعد أن سيطر على مدينة عدن.
كلّ ذلك يؤشر إلى أنّ استمرار التحالف السعودي الأميركي في هذه الحرب أصبحت أضراره أكثر بكثير من فوائده، لا بل أن لا أمل بالحصول على مكاسب من استمرار هذه الحرب التي بات استمرارها على هذا النحو مصدر قلق للإدارة الأميركية، لكون أنّ أكبر وكيل لها في المنطقة وهو «النظام السعودي»، أصبح مهدّداً بفقدان المزيد من قدراته الاقتصادية والمالية نتيجة الاستنزاف الكبير الذي يعاني منه بفعل هذه الحرب، ونتيجة تراجع وتهميش دور النظام السعودي في المنطقة في خدمة السياسات الأميركية والصهيونية.
إنّ إضعاف النظام السعودي وتراجع قدراته ومكانته وتأثيره في المنطقة إنما ينعكس سلباً على النفوذ الأميركي في المنطقة، وهذا ما دفع واشنطن باتجاه البحث عن سُبُل وقف هذه الحرب، وبدأت عبر مسقط حواراً مع أنصار الله للتوصل إلى تسوية، مما يؤكد أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت شريكة مباشرة في هذه الحرب العدوانية، والآن أدركت بأنّ مصلحتها تقتضي العمل على وقفها، وبالتالي ممارسة الضغط على النظام السعودي للدخول في مسار التسوية لتجنّب حصول تداعيات خطيرة في السعودية من جراء استمرار الحرب بدون طائل.
طبعاً كلّ ذلك ما كان ليحصل لولا الصمود الأسطوري للشعب اليمني وقواه الوطنية بقيادة أنصار الله الذين نجحوا في إحباط أهداف الحرب وتحويلها لحرب استنزاف لأعداء اليمن، وإجبارهم على الإقرار بالفشل وصولاً إلى التسليم بالهزيمة، وبحق اليمنيين بتقرير مصيرهم ومستقبلهم بعيداً عن التبعية والهيمنة الأميركية السعودية.