إيران تقود العالم الإسلامي
العلامة الشيخ عفيف النابلسي
في الوقت الذي تعيش معظم الدول الإسلامية حالة من الضعف والتفكك، وقدراً كبيراً من الإحباط واليأس، وانحساراً خطيراً في المشاعر الوحدوية، تسير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طريق الأمل والقوة والعلاقات الإسلامية والإنسانية في أرقى وأجلى صورها ومعانيها.
وبينما ترزح معظم هذه الدول في التعقيدات التاريخية والطائفية والقومية بما لها من مرارة ذاتية، وتداعيات خطيرة على الروابط الأخوية والعواطف الإنسانية والقيم الدينية، يجسد السلوك الإيراني صورة باهرة عن الثبات والتوحد والالتزام بالقضايا المقدسة. لم تمد إيران ما كرسه الاستعمار عبر سياسات التجزئة والتقسيم والفتن بسند واقعي تاريخي. لم تعطِ الاستكبار صك براءة على جرائمه وإفرازاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية. لم تعترف بدوره ونفوذه ووجوده السرطاني. لم تنخرط في مشاريعه. لم ترتمِ في أحضان ترتيباته الإقليمية. لم تسمح بإغراءاته أن تصل إلى حدود الشعب الإيراني الأخلاقية والسياسية والاقتصادية.
كثيراً ما تقف المبادئ والشعارات التي ترفعها الدول الإسلامية عند كونها مبادئ وشعارات ليس إلا. التراجع عندها أصبح واقعية. والانبطاح أمام أميركا انحناءَة بسيطة أمام العاصفة.
والتخلي عن فلسطين والقدس نجم عن متغيرات وظروف دولية وإقليمية لا ينبغي أن تتحول إلى جلد للذات! والسماح للتكفيريين بالانتشار كالفطر والذهاب إلى سورية لتدميرها والعراق لتمزيقه مجرد صدى لمشروع سرعان ما تنتهي مفاعيله!
فيما الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنطلق من ضرورة الوحدة لمواجهة التحديات التي يفرضها الاستكبار على المسلمين الوحدة كفكرة وقيمة ومشروع للمستقبل، وإطار للعمل على صعيد الأمة كلها.
كحقيقة قرآنية وإنسانية في مواجهة الولاءات القبلية والتقليدية البائسة التي تعود بالمسلمين إلى زمن الجاهلية المرير. الوحدة كتطلع ونهوض يقتضيه واقع التحالفات الدولية على المستويات كافة. إن الموقف الفكري والسياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية ينطلق من ضرورة تحويل الدولة الإسلامية إلى الدولة الأمة لجهة التعاون والتشارك في لجم الأخطار والانخراط في مشروعات بناء الحضارة الإنسانية على أسس جديدة، وبالتالي الخروج من دائرة التنظير إلى مستوى التطبيق ومن حالة الأوهام إلى التكامل الفعلي بالتحرك نحو العصر والتاريخ!
إن إيران تسهم في تقليص الخلافات الإسلامية الإسلامية، فيما دول إسلامية تغذي الخلافات بالمال والإعلام.
إنّ إيران تدعو لمؤتمرات عن الوحدة فيما دول تدعو لتحالفات لتمزيق عرى الأمة. إنّ إيران تؤكد على المحددات الأساسية لتعميق الاستراتيجية الإسلامية في مواجهة الحملة الاستكبارية للسيطرة على المنطقة وسلب ثرواتها فيما تتجه دول إسلامية للانخراط في مشروعات التقسيم والتجزئة. إنّ إيران تدفع بكل قوتها لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين وإذ بدول إسلامية تشجع التكفير بكل أوزاره وآثاره.
إنّ إيران تؤكد على القضية الفلسطينية كقضية إسلامية إنسانية مركزية، فيما دول إسلامية صرفت النظر عن هذا الهم بل انخرطت والتزمت تسوية القضية بين الصهاينة والفلسطينيين على أسس باطلة وظالمة.
إن إيران تكرس إمكاناتها الضخمة مادياً وتسليحاً وإعلامياً وسياسياً في سبل دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية لتحرير أرضها بينما تعمل دول إسلامية على محاربة المقاومة وإخماد وهجها.
إنّ إيران تقتحم المستقبل على رغم الحصار والعقوبات القاسية، بحيث تكون فاعلة وقادرة على صياغة المستقبل وبناء العلاقات الايجابية وتقليص السلبيات من خلال إرادة التغير وضمن سياق المشاركة في تشكيل مستقبل المنطقة والعالم.
إيران اليوم تتصدى للتكفير وتدعم المقاومة، تناصر الشعب الفلسطيني، تدافع عن الشعوب المظلومة.
تصح صورة الإسلام، تواجه الاستكبار، تتحرك دبلوماسياً في طول العالم وعرضه لتحقيق العدالة والأمن والسلام، تقيم المؤتمرات لبناء علاقات إنسانية ودولية تقوم على الاحترام والتعاون، تخترق الحواجز لبناء صناعات حديثة ومتطورة، تدعو أبناء الإسلام من كل المذاهب إلى التصالح وتخفيض نسب الخلافات العقائدية، تنفتح على أتباع الأديان السماوية لإقامة قواعد حياة إنسانية ودينية سليمة، تعزز قدرتها في مختلف المجالات بالكد والمناقبية والحكمة، تقيم برامج اقتصادية واجتماعية طموحة ورائدة، وتعزز الحريات والديمقراطية للشعب الإيراني للاستفادة من طاقته وإبداعاته في سبيل إنتاج تيار إسلامي حضاري يصل إلى كل منطقة في العالم.
إيران اليوم تقود العالم الإسلامي وتتصدر المشهد الإقليمي والدولي لأنها تتكئ على قيم أصلية وسلوك نبيل ورؤية طموحة وقيادة حكيمة وشعب لا يتعب من الصبر والمثابرة!.