طوى ترامب صفحة بولتون… فماذا عن الشرق الأوسط؟
ناصر قنديل
– في صحيفتين شديدتي التعبير عن مناخ الباحثين والمفكرين والنخب المشاركة في صناعة القرار الأميركي مقالتان شديدتي الأهمية، واحدة لخبير الأمن والاستراتيجية المعروف باتزانه ومكانته ستيفن كوك نشرها في الفورين بوليسي، والثانية افتاحية لوول ستريت جورنال، والمقالتان تتناولان عملية ضرب مجمع أرامكو كمفصل هام في تحديد مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وفقا لتسمية الأميركيين لمنطقتنا. والتقاطع بين المقالتين واضح ومحدد ودقيق، وهو أنه من اللحظة التي لم يأخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيها بنصيحة جون بولتون بالردّ على إسقاط إيران لطائرة التجسس الأميركية العملاقة، حدث أمران، الأول هو تبلور قرار ترامب بطرد بولتون، والثاني هو قرار إيران بالمضي قدماً في التصعيد، والسؤال الذي طرحته الوول ستريت علناً تحت عنوان هل يندم ترامب على طرد بولتون ويعود لنصائحه ولو بغيابه فيقرر المواجهة؟ طرحه ستيفن كوك في مقالته بصورة أشدّ عمقاً تحت عنوان، كيفية التصرف الأميركي بعد ضربة أرامكو لن تقرر فقط مستقبل السياسة الأميركية في المنطقة، بل مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة، وتالياً مستقبل المنطقة، كما يقول عنوان مقال ستيفن كوك في الفورين بوليسي، هذه هي اللحظة التي تقرّر مستقبل الشرق الأوسط .
– المقالتان منشورتان قبل إعلان الرئيس ترامب عن تسمية مستشاره الجديد للأمن القومي روبرت أوبراين وما يتضمنه الاختيار من قطيعة مع نظريات بولتون، وإشهار لبدء عهد جديد يقوم على التفاوض، والذهاب إلى الأمم المتحدة، والابتعاد عن خيار المواجهة مع إيران. كذلك تعليق بولتون على ضربة أرامكو المتوافق مع مضمون المقالتين في القول إن عدم تجاوب ترامب مع دعوات الرد على إسقاط الطائرة كان السبب في تشجيع إيران على المضي في خيار التصعيد وصولاً لعملية أرامكو، سابق لجواب ترامب الضمني عليه بطبيعة اختياره أوبراين للخلف، وهو الآتي من عالم التفاوض والتحكيم والتعاقدات الاقتصادية. وبما قاله ترامب عن ترجيح خيار التعامل الدبلوماسي مع عملية أرامكو، ما يعني أن الأجوبة على الأسئلة التي طرحتها الصحيفتان قد تمت.
– ترامب ليس نادماً على طرد بولتون ولا على عدم الأخذ بنصيحته. هذا هو الجواب على سؤال الوول ستريت، والأهم هو الجواب على ما مهدت له الفورين بوليسي من توقعات لما سيترتب على كيفية التعامل مع عملية أرامكو. فستيفن كوك يقول في تلك المقالة، إن ثلاثة مصالح أساسية رسمت سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وتحكمت بها على مدى سبعة عقود وهي: ضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، والمساعدة في الحفاظ على الأمن الإسرائيلي، والتأكد من عدم قدرة أي دولة أو مجموعة من الدول على تحدّي القوة الأميركية في الطريقة التي من شأنها أن تعرض المصالح الأخرى للخطر . ويسرد كوك محطات كحربي الخليج في عهد كل من جورج بوش الأب وجورج بوش الإبن، كمثال على محركات هذه السياسة، ويعتبر كوك أن ما جرى في الخليج منذ شهور يتصل بالمحاور المحركة للسياسة الأميركية، النفط وأمن إسرائيل وتحدي الهيبة الأميركية. والطرف المعني هنا هو إيران، وابتعاد واشنطن عن الرد سيعني شيئاً واحداً، وهو أن الأساس المنطقي الكامل للاستثمار الأميركي في الشرق الأوسط على مدار السبعين سنة الماضية قد تغيّر . وبالتالي يجب على الولايات المتحدة أن تحزم أمتعتها وتعود إلى الوطن .