محور واشنطن الإقليمي… وخريف الحروب!
فاديا مطر
لم تعد ساحات ما سُمّي الربيع العربي على قدر توظيفها الذي بدأته في العام 2011 لجهة قدرتها على قيادة الحروب واستثمارها في إغراق الدول المناوئة لواشنطن ومحورها في المنطقة في بحر فوضى الحروب ومتغيّراتها المرسومة، فالمعادلة تغيّرت بتغيّر توازن القوى ومعادلات الاشتباك التي ليس آخرها من اليمن، فاستهداف منشآت أرامكو السعودية في عمقها الاستراتيجي وضع النقاط على حروف الحروب التي تديرها واشنطن بمحورها الإقليمي بشكل مغاير لما كتب، وأظهر فشل حروب محورها الصهيو ـ خليجي في تعويم فعالية تلك النتائج، وهو فشل بُنيَ عليه تعاظم قدرة محور المقاومة من طهران إلى دمشق وبيروت وصنعاء، فلا واشنطن لعبت هذه المرة لعبة تراجع اللحظات الأخيرة ، ولا السعودية استردّت ماء وجهها المنسكب في مياه الخليج، وهو ذات الحالة المتوازية مع الكيان الصهيوني الذي وقف عاجزاً أمام عملية المقاومة اللبنانية في أفيفيم ، ويقف حالياً على منصة العجز السياسي الداخلي، فإسقاط طائرة الناتو العملاقة التجسّسية في الأجواء الإيرانية كانت المختبر الأول لفشل أنظمة واشنطن في الإقليم وعجز الولايات المتحدة عن تزويدها بردّ يشفي غليلها تجاه ما تحاول زجّ طهران به في خلط أوراق المنطقة، لتأتي عملية أرامكو في قلب العمق السعودي مؤشراً ثابتاً على دخول تباشير خريف حروب واشنطن في المنطقة، فالردّ الأميركي على ما اعتبرته الرياض أدلة على تورّط إيران في الإستهداف كان خارج رغبة السعوديين التي أتت خارج التوقعات، والتداعيات لم تكن أكثر من اعتبار إيران أنّ هذه الأدلة عبارة عن ترهات لا أكثر وضياع لبوصلة اتجاهات الاستهداف حتى الآن وفقدان القدرة على الردّ أمام الحق اليمني بالدفاع عن نفسه، فما الذي ستجده الرياض بعد أرامكو ؟ وهل رسالة بومبيو من السعودية ستخلط الأوراق من جديد؟
فالقيادة الإيرانية بكلّ مستوياتها السياسية والعسكرية أبرقت بالتصريح من مغبة أيّ ردّ عسكري يستهدف المصالح الإيرانية لأنه سيخرج خارج حدود إيران، وهي رسالة واضحة وصريحة ثبتت معادلة ردع إيرانية على كلّ المستويات، وذات الرسائل بعثت بها طهران بعد إسقاط طائرة التجسّس الأميركية، وزادت عليها بلسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنّ الأهداف الأميركية كانت قد تحمّلت مكانها على قواعد الردّ الصاروخي في كلّ من قطر والبحرين والمياه الخليجية في حال أيّ تهوّر أميركي بضربة عسكرية، وهو كلام جدي يشبه في مضمونه ما كان قد حدث في بيرل هاربور في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1941 في هاواي، عندما استهدفت القوات اليابانية الأسطول الأميركي بدون أيّ إعلان أو بيان عسكري وقتها، وشلت حركة القوات الأميركية في المحيط الهادي بشكل كبير جداً، لتدخل بعدها واشنطن بحلفها الحرب العالمية الثانية، وهي حادثة لم تنسَ طعمها واشنطن في تعاملها مع إيران في حرب التوترات الخليجية، وقدرة الجيش اليمني وأنصار الله في تغيير مجرى الحرب، فالواقع بات معادلة جديدة أدخلت محور واشنطن نفق الخسارات الكبيرة والتي تنبئ بعجز مالي واقتصادي بدأت حتى الدول المستفيدة منه أوروبياً تحسب حسابه على المستويين المتوسط والبعيد، وهو خيار يمكن أن يتكرّر في عملية ردعية وعد اليمنيون أبو ظبي فيها بردّ يكسر دولتهم الزجاجية إذا لم ينسحبوا من حلف الحرب على اليمن، فهو تغيّر تقرأه دول العدوان على اليمن في كلّ الإتجاهات التي سلكها دفع واشنطن بمال البترول لغزو المنطقة، وهي تباشير خريف حروبهم القادمة من بوابة المستشار الجديد للأمن القومي روبرت أوبراين الذي يأتي من طبقة مغايرة لأفكار بولتون، وهي إشارة مبطنة عن سياسة اللاحرب التي لا تزال دول المحور الأميركية لا تعترف بجدواها رغم كلّ ما تبدّل، فبين الاعتراف واللا اعتراف تقع تسريبات أوروبية وأميركية تعوم كلام عدم القدرة على الحرب مع إيران، وهو خيار بدأ جلياً بعد حادثة الطائرة العملاقة وخطوط ينبع و أرامكو وردّ أفيفيم القادر على تغيير قواعد الاشتباك في أيّ لحظة…
ماذا إذا لم تقرأ دول العدوان مستجدات ومتغيّرات الميدان بدقة؟ وهل هي قادرة على تحمّل بيرل هاربور جديدة في المنطقة، وربما تمتدّ لخارج الحدود؟ هي مقاربات تحدّدها الأيام المقبلة في معادلات المنطقة التي أدخلت خريف الحروب الغربية الى شتاء سياسي تعترف فيه بقدرة محور المقاومة، وإلا فإنّ الضغط على الزناد خيار لم يعد التراجع فيه مقبولاً أو حتى ممكناً تحت تطوّر الظروف.