إضاءة
حسين ريدان
لم يتوانَ أبداً ابن بلدة «بتعبوره» في شمال لبنان، الشاعر السوريّ الهوى والهوية صباح عبدالله في ديوانه الشعري الجديد «أشعار من خلف البحار» والذي احتفى بتوقيعه في قاعة منفذية ملبورن للحزب السوري القومي الاجتماعي عشيّة الأحد الفائت، عن تقديم باقةٍ شعريةٍ غضّة المعاني في أغراضها ومقاصدها القومية الاجتماعية والمعبّرة في آنٍ عن عظمة ومطامح النفسيّة السورية وسمو مراميها في الحياة والوجود والارتقاء.
فالشاعر القومي صباح عبدالله وبعد ما يُقارب الخمسة عقودٍ على اغترابه الجسدي في استراليا، لم يحِدْ قيد أنملةٍ عن انتمائه الوجوديّ الحق للحزب السوري القومي الاجتماعي منذ أن رفع يمينه زاويةً قائمةً هاتفاً لتحيا سورية، فواضبَ على درس العقيدة ولهج بها وصقل نفسه بتعاليمها المحيية فجلت وعيه القومي وأيقظت موهبته التي اكتست جدارة التعبير عمّا يختلج سرائر نفسه العابقة بكل جميلٍ حاملٍ للنظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفن التي أرساها أنطون سعاده مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وباعث نهضته.
واذا كان الشاعر القومي هو خير المؤمنين بتجديد الأدب والشعر، وفي طليعة الدعاة الى حمل المسائل والقضايا التي تصب في مصلحة الأمة السورية وسيادتها وقرارها، فإنه بوليده الشعري الجديد أجاد إجادةً ثمينةً في رفع مقام شعره الى مستوى القضايا الواعدة التي تتماشى ومصلحة الأمة برمّتها. فتجده مبدعاً في أشعاره معنىً ومبنىً، مبتكراً في المعاني انتقاءً وتخيُّراً، بارعاً في أصول الشعر أشكالاً وأنواعاً وألواناً ونظماً وإنشاداً ومحاكاة، غير وارثٍ على الإطلاق لشعراءٍ كانت قصائدهم هياكل وهميّة عارية جوفاء لا تعبق بالحياة والحراك والنضارة والرونق، ولا تخاطب واقعاً حياتياً، ولا تكترث لمطالبَ عليا أو مُثُلٍ سامية أو قِيمٍ زاخرة نبيلة، بل دأبَ عبدالله على ضخِّ روحٍ حيّة فيها تؤهلها لفتح آفاقٍ ومناحٍ جديدةٍ في طريق الشعر وفي كافة نواحي أدبنا السوري، كأنه بها يعلن إنسانه الحاضن لثقافته السورية، المنكبُّ على تقديمها للعالم أجمع وأينما حلَّ في كل ساحٍ من ساحات الاغتراب بأنها الأقدم في تاريخ الشعوب والأجدى في مصاف العلوم بها نتسلَّحُ ونمضي ونفاخر.
ومن نافل القول إنَّ الشاعر القومي الذي ابتعد في قصائده الشعرية عن الابتذال في الألفاظ والاقتباس في المعاني والتسلّق الى عالم الشهرة الشخصية على شاكلة شعراء المواسم والمناسبات والمُناخات، فإنه في ديوانه الشعري الجديد يجسّد ارتقاءً كامل الأوصاف للنفس السورية الطامحة للمطالب العليا في الحياة وللإنسان – المجتمع الجديد الفاهم الخير العام والمؤمن بقول سعاده بأنَّ «كل أدب لا يعرف الحياة لا يحيا».
خلاصة القول وقصاراه، إنَّ الشاعر القومي صباح عبدالله أصاب ما يرنو إليه في إسقاط حجاب الفردية عن شعره ورفض النزعة المادية وإبعاد التقليد الغامض والخاوي حتى صيَّرَ قصائده إلى الغاية النبيلة المبتغاة حيث موطن الشعر الحقيقي ومقامه وغايته التي هي تحقيق الأجمل والأعز والأنبل والأسمى لمجتمعنا القوميّ وحياتنا القومية ونفسيتنا السورية التي لا ترتقي إلاّ بوعينا ووجداننا القوميين وعشقنا الأكيد لأمتنا سورية وذوداً عنها في شتى الميادين الحياتية وحقول الأدب والشعر والثقافة والعلوم والفنون كافة وبكل ما أوتينا من قوّةٍ تفعل فعلها في مجرى التاريخ لحياةٍ أجود وعالمٍ أرقى.
الشاعر الأمين صباح عبدالله عرف تماماً كيف ينهل من تاريخ أمتنا السورية ومواهبها وتعاليمها وكل ما يدور في فلك حياتها ويعود إلينا بسوريته القومية الاجتماعية المشبعة حنيناً وحباً والتزاماً وثباتاً وإقداماً ووفاءً تجلَّى تماماً بقصائده الشعرية الرائعة التي سكبها في ديوانه الشعري الجديد «أشعار من خلف البحار».
هنيئاً للشاعر القومي صباح عبدالله وهنيئاً لمحبي الشعر وقارئيه وطوبى لسورية الأمّة بأبنائها الرافعين رايتها إلى قِممٍ شمّاء أينما حلّوا وتواجدوا فهم خيرُ قومٍ لخيرِ أمّة في العز والمجد والإباء.
ناشط ثقافي واجتماعي مقيم في ملبورن