عون: متمسّكون بالدفاع بكلّ الوسائل… وروحاني الأولويّة لفلسطين واليمن أزمات البنزين والدولار مستمرة… والحكومة تفصل نقاش الموازنة عن الأوراق الاقتصاديّة
كتب المحرّر السياسيّ
نجحت إيران بفرض منطقها على التفاوض غير المباشر الذي تديره العواصم الأوروبية بينها وبين الإدارة الأميركية، بعدما بات ثابتاً أن أوروبا عاجزة عن امتلاك إرادة مستقلة تترجم تمسكها بالاتفاق النووي، وهو ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمته وكرره مراراً، كتفسير للجوء إيران إلى إجراءات تدريجية للخروج من اتفاق ليس فيه شركاء. وبات الدور الأوروبي المعلن هو السعي للتهدئة تمهيداً للتفاوض بين طهران وواشنطن. وهذا ما نقله رئيس حكومة بريطانيا بوريس جونسون إلى الرئيس روحاني وتحدّث عنه الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومضمون التفاوض غير المباشر الذي تديره باريس بصورة رئيسية وتشجعه بريطانيا وألمانيا، لا يتركز الآن على الاتفاق النووي الذي جعلته واشنطن عنوان ومبرر العقوبات التي تفرضها على إيران ومَن يتعامل معها تجارياً، بما وصفه الرئيس الإيراني بالجريمة الموصوفة، بحيث بات الخطاب الأميركي المعلن والعروض الأوروبية المكملة له، يرتكزان على ثنائية، ربط التراجع الأميركي عن حزمة هامة من العقوبات، ولو من البوابة الأوروبية تتيح تفعيل آلية أنستيكس بصورة جدية لتبادل النفط الإيراني مقابل تحويلات مصرفيّة، وتسمح للمصارف الإيرانية بالمتاجرة مع السوق الأوروبية، على أن يتوّج ذلك بما طلبته إيران من عودة أميركية إلى إطار التفاوض في قلب الاتفاق الذي تمثله صيغة الخمسة زائداً واحداً، بينما تطلب واشنطن على الأقل لقاء بروتوكولياً يجمع الرئيسين الأميركي والإيراني.
في الملفات الإقليمية مع البداية المحققة في سورية، التي قدّمها الرئيس روحاني كإنجاز للسياسة الخارجية الإيرانية بالتعاون مع روسيا وتركيا لحل مشاكل المنطقة مذكراً بدور إيران في الحرب على الإرهاب، مقدماً الأولوية اليوم لإسقاط مضمون صفقة القرن وما يتصل بمحاولات كيان الاحتلال تصفية الحقوق الفلسطينية وضمّ الأراضي وبناء وتوسيع الاستيطان والسيطرة على القدس كعاصمة له، بدعم أميركي لا محدود خارج كل معادلة قانونية. وبالتوازي فتح الرئيس الإيراني ملف الحرب العدوانية على اليمن مؤكداً مساهمة إيران الفاعلة للتوصل إلى اتفاق استوكهولم حول الحديدة واستعدادها لمواصلة دعم مساعي المبعوث الأممي لتحقيق حل سياسي في اليمن دون تدخل خارجي، داعياً لوقف المجازر والقتل والعدوان وفك الحصار.
على المسارين اليمني والفلسطيني كانت التطورات تحمل الجديد، فالأزمة في كيان الاحتلال لا تزال مستمرة حول تشكيل الحكومة الجديدة التي كلّف رئيس الكيان رؤوفين زفلين، بنيامين نتنياهو مرة أخرى بتشكيلها، وهو ما يعني سقوط مشروع حكومة الوحدة مع تحالف أزرق أبيض، بعدما أعلن زعيمه بني غانتس رفضه المشاركة فيها برئاسة نتنياهو، وبات طريق نتنياهو للنجاح مشروطاً بالعودة للتفاهم مع أفيغدور ليبرمان، إلا إذا نجح باستقطاب أحد مكونات تحالف أزرق أبيض. والأزمة في الكيان لا تنفصل عن استعصاء أنتجته قوى المقاومة بجعل خيار الحرب مستحيلاً أمام قادة الكيان.
في المسار اليمني تركت المجازر التي ارتكبتها السعودية في اليمن مناخاً من الغضب الذي بدأ يترجم بالتلويح بسحب مبادرة الرئيس مهدي المشاط بوقف استهداف العمق السعودي، فيما حذرت مصادر يمنية من أن الإمارات قد تكون الهدف المقبل بعد هجوم أرامكو.
في نيويورك أيضاً، حيث العالم يجتمع لمناقشة الأزمات الدولية، كانت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مليئة بالرسائل سواء لجهة التمسك بحل أزمة النازحين السوريين بعدما لم يعد من سبب لبقائهم خارج بلادهم، أو لجهة تحميل جيش الاحتلال مسؤولية تهديد القرار 1701 عبر انتهاكات متواصلة، لا يستطيع لبنان الصمت عنها رغم تمسكه بالقرار 1701 لكن دون التنازل عن حقه بالدفاع بكل الوسائل المتاحة، وهو ما يجعل الموقف الذي صدر عن المجلس الأعلى للدفاع وقدم التغطية لرد المقاومة على العدوان الإسرائيلي، موقفاً شديد القوة مكرّساً بوثيقة أممية تتلى من أعلى منبر عالمي وأمام رؤساء دول العالم وتدوَّن في محاضر الأمم المتحدة.
داخلياً، تتواصل أزمات البنزين ونقص توافر الدولار في الأسواق، وتتواصل مصاعب الحلحلة بين الجهات المعنية، فنقابة أصحاب المحطات رفضت ما نقل عن حاكم مصرف لبنان، بأنه سيصدر الثلاثاء ترتيباً لاستيراد البنزين، وأكدت سيرها بالإضراب بعد مهلة اليومين، بينما لم تنجح المساعي الحكومية بتعديل فواتير شركات الخليوي نحو اعتماد الليرة بدلاً من الدولار، رغم كون ملكيتها تعود للدولة. وبالتالي قطع الطريق على قرار مشابه يطال الشركات الخاصة، فيما واصلت الحكومة مناقشة بنود الموازنة بعدما شكلت لجاناً لبعض القضايا العالقة وحددت اليوم موعداً لمناقشة الأوراق الاقتصادية، مع إقرار فصلها عن الموازنة، بناء على طلب وزير المالية عملاً بالطابع السنوي للموازنة، التي يجب أن ترافقها بالتأكيد رؤية اقتصادية وإجراءات تطال الوضعين المالي والاقتصادي ضمن خطط تستمر لأكثر من سنة.
وفيما توزّع النشاط الداخلي بين ساحة النجمة والسرايا الكبير، خطفت اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمواقف التي أطلقها الأضواء، وذلك خلال إلقائه كلمة لبنان امام الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، في دورتها الرابعة والسبعين حيث ناشد «كل زعماء العالم ليساهموا في العمل على عودة النازحين الآمنة الى سورية». واكد «أن شروط العودة أصبحت متوافرة، فالوضع الأمني في معظم أراضي سورية، ووفقاً للتقارير الدولية، أضحى مستقراً والمواجهات العسكرية انحصرت في منطقة إدلب، وقد أعلنت الدولة السورية ترحيبها بعودة أبنائها النازحين». وحذر عون من تحويل النازحين الى «رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول»، ملاحظاً «ان علامات استفهام عديدة ترتسم حول موقف بعض الدول الفاعلة والمنظمات الدولية المعنية، الساعي إلى عرقلة هذه العودة والادعاءات بخطورة الحالة الأمنية في سورية، وإثارة المخاوف لدى النازحين»، مشيراً الى «ان هذا ما قد يدفع لبنان حكماً إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها، بالاتفاق مع الدولة السورية لحل هذه المعضلة التي تهدد الكيان والوجود».
واكد «ان الخروق الإسرائيلية للقرار 1701 لم تتوقف يوماً، وكذلك الاعتداءات المتمادية على السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، والعمل العدواني السافر الذي حصل الشهر الماضي على منطقة سكنية في قلب بيروت هو الخرق الأخطر لهذا القرار». وجدد القول «إن لبنان ملتزم القرار 1701 لكن لا يلغي حقنا الطبيعي بالدفاع المشروع عن النفس بكل الوسائل المتاحة». واعرب عن «تمسك لبنان بحقوقه السيادية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال الغجر المحتلة» وانه «لن يوفر أي فرصة في سبيل تثبيت حدوده البرية المعترف بها دولياً بالوثائق الثابتة في الأمم المتحدة، وترسيم الحدود البحرية».
والتقى عون عدداً من الرؤساء والمسؤولين الدوليين، وابرزهم الرئيس الايراني حسن روحاني وجرى خلال اللقاء التطرق الى العلاقات الثنائية والتطورات في المنطقة، بحضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف.
كما التقى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس الذي اكد أن «الامم المتحدة حريصة على سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه»، كما التقى الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات ميغل انخل موراتينوس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وقالت مصادر مقربة من عون لـ»البناء» إن أزمة النازحين السوريين حظيت بتركيز الرئيس عون لما تشكله من خطر على لبنان، مشيرة الى أن الدولة السورية أبلغت لبنان بأنها متعاونة لإعادة النازحين وهي أقرت عدداً من القوانين والإجراءات من ضمنها العفو عن المتخلفين عن اداء الخدمة العسكرية الالزامية ومنح قروض سكنية للعائدين لبناء وحدات سكنية وترميم المنازل المتضررة من الحرب، ويعول عون بحسب المصادر على «الحل السياسي للازمة السورية لا سيما انهاء معركة ادلب سلمياً من دون اللجوء الى خيار الحرب العسكرية تمهيداً لانهاء الحرب في كل سورية، وبالتالي عودة كل النازحين اليها ما يخفف الضغط الكبير الذي يتحمله لبنان جراء ذلك».
على صعيد آخر واصل مجلس الوزراء مناقشة مشروع الموازنة في جلسة عقدها برئاسة الرئيس سعد الحريري في السراي الحكومي. وكلف المجلس وزير المالية علي حسن خليل، بالتنسيق مع وزيري الطاقة والمياه والاتصالات، إعداد تصور عام يهدف إلى توفير كلفة استخدام الطاقة الكهربائية والاتصالات في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة. كما كلف وزيرة الدولة للتنمية الإدارية مي شدياق، بالتنسيق مع وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا والاستثمار عادل افيوني، إعداد تصوّر عام يهدف إلى توحيد استعمال أنظمة المعلوماتية المستخدمة في الإدارات والمؤسسات العامة وصيانتها. كما كلف وزير المالية إعداد تصور عام يهدف إلى تخفيض كلفة أعمال التنظيفات والمواد الاستهلاكية في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة.
وأعلن وزير المال أن «الاوراق الاقتصادية الإصلاحية ستناقش في اجتماع للجنة الوزارية الخميس». وكشف خليل في حديثٍ للـ»ام تي في» أنه لن يدخل اي تعديلات على موازنة 2020.
وبقيت أزمة الدولار محل اهتمام رسمي وترقب لدى أصحاب محطات الوقود والمواطنين. فنُفذت أمس اعتصامات وتظاهرات في الشارع. إلا أن معلومات البناء تؤكد أن الأزمة في طريقها الى الحل بعد إعلان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة انه سيصدر تعميماً يوم الثلثاء المقبل، ينظم فيه تمويل استيراد القمح والدواء والبنزين بالدولار الأميركي . إلا أن تجمع اصحاب المحطات شدد في بيان على التمسك بالبيان الصادر يوم الاثنين والذي قبل بمهلة الـ48 ساعة، وأن اي فرصة أخرى هي بمثابة اعلان إفلاس لجميع اصحاب المحطات .
ووسط هذه الاجواء، فتح باب النقاش على مصراعيه حول قانون الانتخاب، إذ باشرت اللجان المشتركة بدراسة اقتراح قانون الانتخاب المقدّم من كتلة التنمية والتحرير، وذلك في جلسة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي الذي وصف الجلسة بأنها من ارقى الحوارات التي دارت بين النواب وهذه بداية الطريق . وأعلن ان رئاسة اللجان المشتركة ستدعو الى جلسة ثانية في الوقت الملائم للاستمرار في هذا النقاش .
ويتركز اقتراح التنمية والتحرير على النظام النسبي في دائرة واحدة، من دون الصوت التفضيلي مع احترام مبدأ المناصفة وإدخال إصلاحات جوهرية كاعتماد «كوتا» نسائية 20 مقعداً إلزامياً.
ولفتت مصادر اللجنة لـ»البناء» الى أن «الجلسة تميّزت بالهدوء والموضوعية والعلمية دون أي كيديات سياسية ولا مواقف مسبقة، وقد تناوب نواب التنمية والتحرير على شرح القانون من جوانب متعددة»، وأكد نائب حركة أمل محمد خواجه لـ «البناء» أن «أهمية القانون تكمن بعدالة التمثيل وتحويل لبنان الى دائرة وطنية كبرى وتجديد الحياة السياسية واقتراحنا هو مفتاح إصلاحي لتطوير النظام السياسي والحياة العامة». في المقابل تؤيد مصادر تيار المستقبل الطرح وتعتبره فرصة للانتقال الى نظام سياسي جديد، فيما تشير مصادر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لـ»البناء» الى أن توقيت فتح النقاش في قانون الانتخاب غير مناسب في هذه الظروف. ويرى خبراء انتخابيون ان «اعتماد هذا القانون يحقق نقلة إصلاحية في قانون الانتخاب وينقل لبنان الى مرحلة سياسية جديدة».