ماذا بقي من الثقة لاستردادها… أيّتها الحكومة؟
ناصر قنديل
– قضيّتان راهنتان في الشارع تقضّان مضاجع اللبنانيين، قضية أزمة المحروقات وقضية غياب الدولار من شبابيك المصارف وانتقاله بسعر أعلى بمئة ليرة إلى شبابيك الصرافين، والدولة غائبة إلا بالتطمينات والوعود الكلامية، وصولاً لحد إنكار وجود الأزمتين. واللبنانيون الذين يعيشون واقع الأزمتين ينتظرون من الحكومة أجوبة تترجم بالأفعال والوقائع. فعندما يقول حاكم مصرف لبنان من اجتماع للحكومة إن لا أزمة دولار، ويصدر نشرته للتسعير محدداً سعر صرف الدولار بـ 1507 ليرات، فعلى الحكومة ومصرف لبنان ضمان قدرة اللبنانيين الحصول على الدولار بهذا السعر الموجود على الورق، بينما لا يمكن الحصول على الدولار من السوق إلا بفارق مئة ليرة أي بـ 1607 ليرات. وعندما تقول الحكومة إن لا أزمة محروقات، فعليها أن تؤمن للناس القدرة على الوصول لسلعة البنزين دون الاصطفاف في طوابير من مئات السيارات تنتظر، ويرافقها ما يرافق هذه التجمّعات من غضب ومشاكل وانفلات ومخاطر.
– تحدّث كبار المسؤولين الحكوميين في معرض أحاديثهم المتكرّرة خلال الشهور الماضية عن معالجات الأزمات الاقتصادية والمالية، وعلى رأسهم رئيسا الجمهورية والحكومة، عن أولوية استرداد ثقة المواطنين بالدولة، كشرط لنجاح كل المعالجات. والسؤال البسيط هو هل هذا السلوك لمسؤولي الدولة يندرج ضمن خطة استرداد ثقة اللبنانيين بدولتهم؟ وهل يبقى شيء من هذه الثقة عندما تتحول الدولة إلى خيال صحرا في قضايا تستهلك اليوم من اللبنانيين اهتماماتهم وتشكل اختصاراً لكل همومهم؟ وهل هكذا تثبت الحكومة صدقيتها، لا بل صدقها، وهي بنظر اللبنانيين تكذب وتقول ما لا تفعل، وتعد بما لا تستطيع الوفاء به؟
– الخطر أكبر من حدود الصدقية والصدق، فلمن يستسهل ما يجري في الشارع، نقول له أنت مخطئ وواهم. البلد يكاد يشتعل، وما يجري من إرهاصات يهدّد بالأعظم، وليس هناك أفق لأي احتجاج عفوي في إحداث تغيير جذري. وهنا تكمن الطامة الكبرى، ان نزول الناس إلى الشارع وقد بات وشيكاً، سيقدم فرصة نموذجية لمريدي الفوضى، والساعين لجعل التظاهرات التي تخرج غضباً من الأداء الحكومي، منصة لانقسام أهلي، في ظل صورة لا تسر القلب يرسمها الناس في مخيلتهم لمسؤولي دولتهم وعلاقتهم بالمال وإنفاق المال العام. وهم للأسف يتوزعونها بالتبادل على أساس طائفي، فتصير الفوضى مشروع تصادم على خطوط العصبيات، ترسم حدودها صفحات التواصل الاجتماعي، بين التهكم على هذا الرئيس ونفقات فريقه، والتساؤل عن مصالح رئيس وصمته عن ارتكابات وزرائه. والمشهد الحي في ما قيل عن نفقات زيارة الوفد الرئاسي إلى نيويورك، وما يُقال عن خيمة منصوبة وفق رأس وزارة الاتصالات التي وصلت رائحة فضائحها المالية حدّ التسبب بزكام الأنوف.
– هذا تحذير نأمل أخذه على محمل الجدّ، فالشارع يغلي، والغضب أسوأ موجه في السياسة، والناس غاضبة. عاجلوا للمعالجات الجدية والعملية وصارحوا الناس، واتبعوا مبدأ أن الثقة بين الحاكم والناس كل نجاحه لا نصفه فقط، والأمر جلل. لا تردوا على المستشارين الذين يهوّنون ما يجري ويستخفون أمامكم بالتداعيات. عالجوا الأمر قبل أن يفلت زمام الأمور وتخرج عن حدود السيطرة.