تركيا والتأرجح السياسي بين القطبين الروسي والأميركي
ربى يوسف شاهين
التمجيد بالحكم العثماني ما زال يُراود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهذا طبيعي كونه من نسل الدولة العثمانية. ومع كمّ التطورات والتحديات القائمة نتيجة المتغيّرات الجيوسياسية في المنطقة بشكل عام، وما أحدثته من تغيّرات في التعاطي مع الأحداث القائمة والتي تمّ افتعالها لأغراض تعدّت الحدود المنطقية للقوانين والمواثيق الدولية.
ومن هذه الأحداث تُعتبر الحرب على سورية من أهمّ العوامل التي أعادت صياغة الواقع السياسي لكثير من الدول، وتركيا منهم.
فسياسة الالتفاف على الظروف السياسية والعسكرية القائمة، انتهجها الرئيس التركي أردوغان في علاقاته بالقطبين الروسي والأميركي.
فالعلاقة التركية الأميركية كانت دائماً في أحسن درجاتها قُبيل تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب زمام الرئاسة في البيت الأبيض، فالرئيس السابق باراك أوباما حرص على الحفاظ على علاقته بـ أردوغان خلال السنوات الأولى من الحرب على سورية، عبر دعمه في محاربة الكرد، إلا انه وبعد تسلّم الرئيس الأميركي ترامب الحكم بدأت مظاهر العلاقة التركية الأميركية تأخذ مسارات مُتغيّرة، خصوصاً مع إعلان الولايات المتحدة تقديمها الدعم الكامل لقوات سورية الديمقراطية، لإنشاء فدرالية مستقلة، بالإضافة الى صفقة الصواريخ «أس 400» مع روسيا، والتي أزعجت واشنطن، وكان وزير الدفاع الأميركي بالوكالة آنذاك باتريك شاناهان قد وجَّه رسالة شديدة اللهجة لنظيره التركي بخصوصها في 6 حزيران/ يونيو والتي طرحت إمكانية إخراج تركيا من برنامج المقاتلة «أف-35»، بالإضافة الى أنّ القراءة السياسية للمسؤولين الأتراك تتجه نحو التغيّرات الحاصلة من قبل أميركا تجاه تركيا، والتي اتضحت أكثر وما زالت منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016 في تركيا، والتي يعتقد معظم الأتراك أنّ الغرب أيّ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، كانت لهم يد في ذلك، وتأكد ذلك من خلال عدم إظهار التضامن مع الشعب التركي في أعقاب الانقلاب والانتقادات التي وجهت للنظام التركي.
هي ملفات كثيرة تُشكل عائقاً بين واشنطن وتركيا، ويتربع ملف الكرد في الصدارة.
وبالنسبة للعلاقة التركية الأوروبية تدخل في آفاق التوتر والقلق، فتركيا عازمة على الإمساك بكافة الجهات رغم شرارات التوتر الحاصلة، إنْ كان أولها اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 24 نيسان/ ابريل من كلّ عام يوماً وطنياً لإحياء ما سمّاه «الإبادة الأرمنية»، ناهيك عن توتر العلاقة الأوروبية بسبب قضية قبرص وبحر إيجه في اليونان، وملف المعارضين الأتراك والكرد المطلوبين، فالمخاوف التركية نتجت من الغرب نتيجة اعتماد مجلس الشيوخ الأميركي «قانون الأمن والشراكة في شرق المتوسط»، والذي يدعو إلى رفع حظر بيع السلاح إلى قبرص، والذي فُرض للمرة الأولى عام 1987.
فهل تتجه تركيا إلى روسيا؟
استطاعت روسيا خلال الحرب على سورية من جذب تركيا إلى مقعد سياسي إيجابي، لتتمكّن عبره من حلحلة ملف الحرب على سورية، وذلك في الشمال السوري حيث نقاط المراقبة التركية والأدوات الإرهابية التابعة للنظام التركي، فبعد إسقاط الطائرة الروسية سوخوي في خريف عام 2015 من قبل القوات التركية، حاول أردوغان امتصاص الغضب الروسي عبر قبوله بالحلّ السياسي للحرب على سورية، ولتتطور العلاقة أكثر بإقامة شراكات تجارية عسكرية لشراء منظومة «أس 400»، وما تلاه من زيارات أخذت طابعاً تقاربياً أكثر منه ديبلوماسياً، ويعتبر ملف الكرد من أهمّ الملفات التي جمعت بين روسيا وتركيا، فمسألة قيام حكم ذاتي أو فدرالية كردية، هو أمر مرفوض من الطرفين، والذي شكل اتحاداً في القرار أمام واشنطن.
ومع انعقاد القمة الثلاثية الأخيرة في أنقرة بين روسيا وإيران وتركيا، وما نتج من قرارات بضرورة تأمين السيادة السورية على كامل أراضيها، وإنهاء الحرب نهائياً، لأكبر دليل على انّ السياسة الذكية التي تنتهجها روسيا وإيران وبموافقة سورية، هي التي استطاعت تغيير المواقف السياسية لأردوغان، والتي فرضتها التغيّرات الإقليمية والدولية، والتي استطاعت سورية رسمها بانتصار الجيش واستعادة 90 من أراضي الجمهورية العربية السورية.
في المحصلة، تبقى التأرجحات السياسية الأردوغانية بين القطبين الروسي والأميركي ملغومة، لحين حدوث استقرار نهائي في المنطقة، وخاصة في سورية، لا سيما أنّ الحرب على سورية تُعتبر الجهاز الكاشف والحقيقي لكلّ المتغيّرات الحاصلة إقليمياً ودولياً على الساحتين السياسية والعسكرية.