لبنان على صفيح ساخن والأسئلة الكبرى عن تناغم صناع الاحتقان مع اللاعبين في الشارع اتصالات مكثفة بين التحالف الحكوميّ لمنع تحريض الشارع نحو الانقسام وتبادل الاتهام
كتب المحرّر السياسيّ
تكفّلت الصور التي نشرها الإعلام الحربي اليمني حول تفاصيل العملية النوعية التي استهدف بها الجيشَ السعوديَّ في منطقة نجران، بإسقاط الحملة الإعلامية التي كلفت بها القنوات التابعة للسعودية والإمارات للتشكيك بحجم العملية ومدى تشكيلها تطوراً خطيراً في مسار الحرب، سواء لجهة تظهير مقدرات اليمنيين على قيادة وتنظيم عمليات كبرى، أو لجهة حجم الخسائر السعودية التي تفضح هشاشة بنية الجيش الذي لم يعُد مَن فيه يؤمن بموجب للقتال، وصار المرتزقة من غير السعوديين يشكلون غالبية مقاتليه.
العملية البرية التي أكملت الأبعاد النوعية للعملية الجوية التي استهدفت منشأة أرامكو الأميركية السعودية، كانت كافية لصدور تعليقات من خبراء عسكريين غربيين عن سقوط الحرب السعودية والحاجة لإقفال ملفها قبل أن تسقط السعودية نفسها. بينما كانت القيادة اليمنيّة تؤكد استعدادها السابق لوقف عملياتها مقابل وقف الحرب والعدوان وفك الحصار بدءاً من فتح مطار صنعاء. وهي المبادرة التي أطلقها رئيس المجلس السياسي اليمني مهدي المشّاط وكان لردّ السعودية عليها بمجازر الضالع وعمران، ومبادرة موازية لوقف جزئي للنار وفي مناطق دون أخرى، ليكون الردّ اليمنيّ التمسك بالمبادرة كما وردت بالدعوة لوقف شامل للعدوان.. وكانت التتمة بالعملية النوعية في نجران، لكن اللافت يوم أمس، كان صدور موقف إيراني داعم للمبادرة اليمنية، ما يعني وضعها تحت الضوء في المفاوضات الدبلوماسية غير المباشرة القائمة بين طرفي المواجهة في اليمن والمنطقة، والدعوة لجعلها جدول أعمال لهذه المفاوضات.
لبنانياً، كان يوم أمس يوماً ليرقص اللبنانيون ومعهم لبنان كله على صفيح ساخن، حيث تفجّرت على إيقاع الأزمات المتصلة بعدم توافر الدولار في الأسواق وأزمة المحروقات، حالة من الغضب الشعبي سرعان ما تحوّلت إلى تظاهرات اختبر اللبنانيون نماذج سابقة منها، وخبروا ما يترتّب عليها من فوضى في الشارع، وما يختفي بين جنباتها من قلق أمني، دون أن يكون لاعتبارها تنفيساً للغضب والاحتقان، اي دور في تفسير سبب تقديسها من البعض وتبشيرهم بها كطليعة ثورة اجتماعية، طالما أن لا برامج حلول يحملها قادة التظاهرات على الطاولة، حتى لو سقطت الحكومة أو سقط الحكم. وبدا أنه كما في المرات السابقة، فإن الغموض في هوية الجهة المنظمة والقائدة للتحركات في الشارع، وغياب البرامج التي يتحلق حولها المتظاهرون لفرضها، تصير للتحرك وظيفتان: الأولى إيصال رسائل محددة لا صلة لها بالحلول المأمولة، بل بالعلاقات الداخلية والخارجية، حول ما يمكن أخذ الوضع إليه ما لم تتم الاستجابة لطلبات لا علاقة لها بما يظنه الغاضبون في الشارع، بل ما يريده الخارج الذي لا يتحمل بالضرورة مسؤولية ما فعلته السياسات المالية التي شجع الحاكمين على مدى ثلاثة عقود لاعتمادها، وما يريده الخارج ليس مالياً بل سياسي بعنوان مالي، يتصل بمحاصرة حزب الله، والتركيز على دعوات فصله عن الجسم الحكومي.
وبقدر ما كان واضحاً أن ثمة بعداً سياسياً في استثمار احتقان الشارع لعكس المصالح الطبيعية لكل نقابة أو احتجاج، كانت الصورة أشد وضوحاً، لجهة دور التلاعب بالأسواق بأدوات لا يملكها إلا لاعبون محترفون فيها، ويملكون مقدرات مالية على المضاربات، وتساندهم خطوات حكومية بالاحتفاظ بفوترة مشتريات المشتقات النفطية، وفواتير الهاتف الخلوي، وفواتير مولدات الكهرباء، بالدولار الأميركي، تقارب بالمجمل أكلافها نصف مليار دولار شهرياً. وهو ما يكشف وجود لوبي مالي مصرفي يشترك فيه الصرافون، لتجفيف وجود الدولار من الأسواق ولمنع الاعتماد الحكومي للتسعير بالليرة اللبنانية، في آن واحد.
الذين قادوا التحركات الاحتجاجية التي تحولت إلى نذر بالفوضى، مشروع فوضى عارمة، هم كما تقول شعاراتهم وتاريخهم، شركاء صناع الأزمة الراهنة ومستثمرون عليها. وهذا ما قالته عمليات التحريض والتشهير التي امتلأت بها صفحات التواصل، بصورة طالت أغلب أركان التحالف الحكومي الراهن، باستثناء تحالف القوى المناوئة لهذا التحالف الحاكم، وخصوصاً الحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب القوات اللبنانية، اللذين بدوا كقديسين في عرف أهل الحراك، ما كشف وجود نيات لإشعال الفتن بين أركان هذا التحالف وجعل أطرافه تتورّط باتهام بعضها البعض الآخر. وهو ما نشطت الاتصالات المكثفة لامتصاصها، تمهيداً لتلاقي أركان الحكم والحلفاء داخل الحكومة، وليكشف المتواطئون عن مواقفهم داخل هذه الاجتماعات.
لم يسجل المشهد السياسي والحكومي في عطلة نهاية الأسبوع، أي نشاط يذكر، لتتصدّر التظاهرات الشعبية في الشارع الواجهة احتجاجاً على تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية في لبنان، بينما غابت الحكومة واختفى المسؤولون وكأن ما يجري في الشارع لا يعنيهم وتركوا الأمر للقوى الأمنية لاحتواء الشارع عبر مواجهات مع المحتجين أدّت الى سقوط عدد من الجرحى واعتقال آخرين، إلا أنها انتهت بخروج المواطنين من الشارع وفتح الطرقات وعودة الأمور الى طبيعتها.
وبدأ الحراك صباح أمس، حيث تجمع عشرات المواطنين في ساحة رياض الصلح وبعد وقت قصير تجمع آخرون في جادة بشارة الخوري التي تحوّلت الى ساحة عراك وكرّ وفرّ بين المتظاهرين والقوى الأمنية، كما قطعت طرقات عدة في بيروت بالإطارات المشتعلة والحجارة كجسر الرينغ وطريق الحمرا عين المريسة وطريق المطار ومستديرة الكولا وغيرها قبل أن تعمد القوى الأمنية الى فتحها بالقوة.
كما أقفل محتجون طريق المصنع احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية السيئة، وما لبثوا أن أعادوا فتحه كما اعتصم العشرات أمام سرايا الهرمل الحكومية احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، رافعين شعارات تندّد بالفساد والإهمال، وألقيت كلمات عدة وقطع السير لبعض الوقت، وسط إجراءات لقوى الأمن الداخلي التي عملت على تحويل السيارات إلى شوارع فرعية. ونفذ أهالي بريتال اعتصاماً على الطريق الدولية عند مدخل البلدة احتجاجاً على سياسة الهدر والفساد من دون أي محاسبة، ورفع المحتجون شعارات طالبت بمحاسبة الفاسدين.
وأقدم عدد من المحتجين على إزالة صورة رئيس الحكومة سعد الحريري وإحراقها في ساحة النور في طرابلس، كما وتم إحراق صورة أخرى وإزالة لافتات لتيار المستقبل في المدينة، كما هتف المعتصمون ضد الرئيس نجيب ميقاتي في منطقة المعرض في طرابلس. وكان لافتاً ما أشار اليه رئيس « تيار الكرامة النائب فيصل كرامي الى أنّ 52 من أهل طرابلس لا يعملون رغم الوعود التي تلقوها على أبواب الانتخابات الأخيرة بـ 900 الف وظيفة .
وعلقت وزيرة الداخليّة والبلديّات ريّا الحسن، عبر تويتر على أحداث الشارع بالقول: بتفهّم تذمّر الناس من الوضع الاقتصادي والمالي الصعب، وأنا مع حرية التظاهر والتعبير أكيد، بس اللي ما بفهمو صور الحرق والتكسير والتمزيق والشتم اللي بيشوّه أيّ تحرّك مطلبي .
وأضافت: كوزيرة داخلية لا يمكنني إلا أن أثني على القوى الأمنية في هذا النهار الطويل والمتعب وجهود عناصرها التي لم تسمح لأشخاص بأخذ التظاهرات لأماكن أخرى بعيدة عن غايتها، وفي الوقت نفسه لا أقبل ان يتطاول أيّ عنصر أمني على أيّ مواطن .
وعلى وقع اشتعال الشارع، غادر رئيس الرئيس الحريري، إلى باريس لتمثيل لبنان في وداع الرئيس الفرنسي الأسبق الراحل جاك شيراك. وسينقل الحريري إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وإلى زوجة الراحل برناديت شيراك وعائلته، تعازي اللبنانيين باسم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة اللبنانية.
وقال مصدر مطلع في 8 آذار لـ»البناء» إنّ «الذريعة التي نزل المواطنون الى الشارع محقة بعدما ذاقوا الذلّ والمعاناة وتحوّلوا الى طوابير على محطات الوقود وعلى شبابيك الصرافين وابواب المصارف لتأمين حاجياتهم من المواد الأساسية»، مضيفة أنّ «حالة الفساد القائمة وصلت الى الذروة ولم تعد تحتمل والمعالجات المتخذة حتى الآن لم تقنع احداً وليست حلولاً علمية وواقعية وعادلة وخاصة أنه في ظل ذروة التقشف في الدولة تُرصد مبالغ طائلة للجمعيات على حساب قطاع تمويل الإسكان، وبالتالي كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كيف تتخذ الدولة إجراءات ضدّ المواطنين وهم لا يشعرون بالثقة حيالها؟» وحذّرت المصادر من «محاولات بعض الجهات الخارجية والداخلية استخدام الشارع في لعبة الضغط على لبنان وحكومته لابتزاز المقاومة وانتزاع مكاسب سياسية تتعلّق بملفات وطنيّة كسلاح حزب الله والحدود البحرية والبرية وأمن «إسرائيل» وفي ملفي اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين والعلاقة مع سورية»، ولفتت الى حرف هذه الجهات الحراك عن مساره حيث بدأ بالآلاف وانتهى بالعشرات ما أدى الى خروج المتظاهرين السلميين من الشارع بعد أعمال الشغب ما أدّى إلى إفشال المظاهرة». كما ربطت مصادر «بين مواقف رئيس الجمهورية الأخيرة من سورية والمقاومة وبين تصعيد الحملة السياسية والإعلامية عليه».
ولاحظ أكثر من مصدر كمية الإشاعات التي ترمى في الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن إفلاس وانهيارات في الاقتصاد وفي قطاع المصارف وخلافات بين القوى السياسية وحملة على المصرف المركزي وآخرها معلومات عن خلاف بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة .
وقد نفى المكتب الإعلامي لرئيس المجلس ذلك، مشدداً في بيان على أن «العلاقة بين رئيس المجلس وحاكم مصرف لبنان جيدة جداً، وكل ما يثار خلاف ذلك يندرج في سياق الدس الرخيص والمخطط الرامي ستهداف لبنان واستقراره المالي وا قتصادي».
وقالت مصادر بعبدا لـ البناء إن الرئيس ميشال عون وفور عودته الى بيروت تابع الوضعين النقدي والمالي عبر سلسلة اتصالات مع المعنيين بالشأنين المالي والاقتصادي وسيبدأ أول اجتماعاته اليوم مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة، حيث سيطلع منه على أسباب وصول الأزمة الى ما وصلت اليه خلال الايام القليلة الماضية، كما سيلتقي وزير المال علي حسن خليل وسيعطي عون توجيهاته لاتخاذ إجراءات وآليات تقنية ونقدية تنظيمية لإعادة الوضع الى ما كان عليه . كما أوضحت المصادر أن الرئيس عون لم يُحمل المسؤولية الى أحد بل قال رداً على سؤال خلال عودته على متن الطائرة الى بيروت، إن هناك مسؤولاً عن الوضع النقدي هو حاكم البنك المركزي ومسؤولاً عن الوضع المالي هو وزير المال، والرئيس يجري اتصالات بعيدة عن الاعلام لمعرفة من يقف خلف هذه الازمة والشائعات التي تطال الاوضاع .
ولفتت مصادر في التيار الوطني الحر الى حملة ممنهجة وموجّهة ضد رئيس الجمهورية وضد العهد من جهات مختلفة في الداخل والخارج واستخدام كافة الوسائل لخدمة هذا التصويب منها الأزمة الاقتصادية والعمل على استغلالها ومفاقمتها وتضخيمها لتخويف المواطنين وضرب الثقة بالعهد وتأليب الشعب ضده. وقالت مصادر وزارية في تكتل لبنان القوي إن رئيس الجمهورية خطّ أحمر ولا يمكن تحميله المسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة. بينما لفتت تغريدة للنائب حكمت ديب بالقول: يللي مفتكر أنو ميشال عون جابو السوري لأنو أضعف ضابط أو الإسرائيلي لينفذلو أجنداتو أو ما بمثّل شعبو، يصحح معلوماتو. ما تجرّبونا .