مرجع مالي سابق لـ «البناء»: تخبّط وتضارب في السياسات النقدية والمالية وغياب خطة اقتصادية مصادر «لبنان القويّ» لـ «البناء»: تشويه صورة العهد لن تنجح… ومستمرّون

لم يكن محضُ صدفة افتعال أزمة الدولار والمحروقات وما نتج عنها من اشتعال للشارع بفترة وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريق عمله ووزير الخارجية خارج البلاد! ففترة السفر كانت فرصة لتجار الأزمات للتلاعب بأسعار الدولار بمادة البنزين بموازاة حملة إشاعات حول ارتفاع سعر الدولار الى 200 ليرة لبنانية وتعميم مناخ الإفلاس والانهيار المالي مع تسريب معلومات عن تغيير حكومي واستقالة الحكومة! لا سيّما أن هذا المناخ يأتي في سياق تسعير حملة العقوبات المالية على حزب الله وتصفية بنك الجمال وتهديد بنوك أخرى بالتصفية.

هذه المؤشرات والمعطيات دفعت بمصادر في التيار الوطني الحر إلى ملاحظة وجود هجمة ممنهجة على العهد لاستهداف رئيس الجمهورية وتحميله مسؤولية تردي الأوضاع بسبب مواقفه السياسية والوطنية، إضافة إلى إثارة الخلافات السياسية بين أطراف الحكومة، وأشارت المصادر لـ»البناء» الى أن الحملة مكشوفة ولن تنجح والرئيس عون مستمرّ في تحمل مسؤوليته والحكومة لتطبيق ورقة بعبدا لإنقاذ وإصلاح الوضع ولو تدريجياً». وأشارت مصادر عونية إلى أن «هناك جهات استخدمت التحرّكات الشعبية لتحقيق أهدافها السياسية».

لكن مرجعاً مالياً واقتصادياً سابقاً، وصف ما يجري على المستوى الاقتصادي بالتخبّط وتداخل وتضارب السياسات النقدية والمالية في ظل غياب سياسة اقتصادية واضحة، ما يؤكد أننا أمام أزمة نظام سياسي ومالي في لبنان حيث للمرة الأولى في تاريخ لبنان تتخذ إجراءات غير طبيعية كتقييد حركة الرساميل وحركة التحويل الى الخارج وسحب الودائع من المصارف ووضع حدود للحصول على الدولار»،

وأضاف المرجع: «في أسوأ الظروف السياسية والعسكرية لم يمرّ لبنان بمثل هذه الأزمة، بل الأزمة النقدية هي نتيجة عشرات السنوات من السياسات الخاطئة وعدم احترام الحد الأدنى من قوانين الإدارة السليمة المالية والنقدية». ولفتت الى أن «أزمة الدولار لها أسباب عدة منها أن العديد من المدّخرين الكبار إما حوّلوا ودائعهم بالدولار إلى الخارج أو اتجاه المواطنين لتخزين الدولارات في بيوتهم تحسّباً للأسوأ».

وسارع رئيس الجمهورية الى ضبط الوضع ومنع انفلاته باتجاه الأسوأ، عبر سلسلة اتصالات ولقاءات مصرفية ومالية في قصر بعبدا، أبرزها مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أعلن أن البنك المركزي «يؤمّن حاجات القطاعين العام والخاص بالعملات الأجنبيّة، وسيستمر في ذلك وفقاً للأسعار الثابتة التي يعلن عنها المصرف المركزي من دون تغيير». معلناً أنه «سيصدر اليوم عن مصرف لبنان تعميم ينظم توفير الدولار للمصارف بالسعر الرسمي المعلن عنه من المصرف المركزي لتأمين استيراد البنزين والأدوية والطحين ضمن آلية سيرد شرحها في التعميم، مع التشديد على أن علاقة مصرف لبنان هي مع المصارف فقط، وهو لا يتعاطى مع المستوردين مباشرة». ورداً على سؤال قال: لا يتعاطى مصرف لبنان تاريخيّاً بالعملة الورقية، ولن يتعاطى بها حالياً أو مستقبلياً لاعتبارات عدّة. إلا أن التعميم الذي سيصدر غداً سيخفف حكماً الضغط على طلب الدولار لدى الصيارفة.

لكن مصادر «البناء» لفتت الى أن «الصرافين بالتعاون مع المصارف استغلّوا ضغط الطلب على الدولار نتيجة استخدامه من قبل مصرف لبنان في عملية تغطية عجز الدولة وإنفاقها وتغطية الليرة، استغلوا ذلك لحجز ما تبقى من الدولار في الأسواق للتحكّم بسعره، لتحقيق مزيد من الأرباح»، موضحة أن «المصارف تُعمّم بأنها تعطي الصرافين كميات كبيرة من الدولار بسعره الرسمي، فيما الصرافون يدعون أنهم لا يحصلون على احتياجاتهم من الدولار من المصارف إلا بسعر السوق، فيما تبين أن المصارف والصرافين يتحكمون بحجم التداول بالدولار في الاسواق وبسعره. وهذا ما أدى الى اندلاع الأزمة».

وتساءل مراقبون لماذا لم يتحرك القضاء للتحقيق بأسباب الأزمة وتوقيف مفتعليها الذين هددوا الامن الاجتماعي والمالي للدولة؟ أين التحقيق والمحاسبة؟

وفي سياق ذلك، قال المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم في تصريح تلفزيوني إنه «عندما يصبح عمل الصراف يهدد الثقة بالنقد الوطني يكون هذا الصراف تجاوز الحدود وارتكب جرماً جزائياً مما يسمح للنيابة العامة أن تتدخل».

ولفت خبراء في المال والاقتصاد لـ البناء الى أن اللقاءات التي أجراها الرئيس عون فور عودته لا سيما مع الحاكم سلامة والإجراءات التي ستتخذ منها تعميم المصرف المركزي اليوم، ستنعكس ايجاباً على الأسواق وتساهم في احتواء الازمة التي أدت الى توتير الوضع السياسي وتفجير غضب المواطنين في الشارع ، لكنها أوضحت ان التعميم قد يكون الحل على المدى القصير للأزمة الحالية ويؤمن الاستقرار والسيولة بالدولار الى أجل محدد، لكنه ليس حلاً جذرياً بل الأزمات مرشحة للتكرار في اي وقت ، الامر الذي يتطلب بحسب الخبراء من السلطات المالية والنقدية والحكومة ككل وضع خطط على المدى الطويل وتحريك العجلة الاقتصادية وتفعيل الاستثمار وتشجيع السياحة ورفع مدخولها من مليار ونصف مليار دولار الى 3 او 4 مليارات دولار. وهذا يحتاج إلى استقرار أمني وسياسي وبنية تحتية لتوفير الخدمات، وبالتالي رفع نسبة النمو الى 3 في المئة ، ولفت الخبراء الى أن ثقة المواطنين والمستثمرين بالسلطة النقدية اهتز في الآونة الأخيرة، إذ لم يستطع المصرف المركزي ضبط سعر صرف العملة في الأسواق ما أدى الى إشاعة الفوضى والمعلومات المضللة وتضخيم الأزمة التي زادت الأمور تعقيداً وسوءاً .

لكن على ما يبدو أن شركات ومحطات وتوزيع المحروقات ورغم إبدائها الإيجابية الكاملة إزاء التعميم، تنظر بحذر كبير لطريقة التعامل مع هذا القطاع الحيوي الذي هو ركيزة الاقتصاد ويعيل اكثر من خمسة آلاف عائلة. واشارت في بيان الى ان «الشركات المستوردة للنفط والغاز في لبنان تكرّر طلبها الاطّلاع على مشروع قرار مصرف لبنان قبل إصداره والتشاور بشأنه وفي حال لم تطّلع على هذا المشروع، فإنها تحتفظ بحق دراسته بعد إصداره قبل اتخاذ الموقف النّهائي من تنفيذه، وإلى حين اتخاذ الموقف النهائي، فإن شركات الاستيراد لن تعدّل طريقة البيع».

وفيما ترددت معلومات عن منع بنك بيبلوس المودعين من سحب الدولار بالصراف الآلي طمأن المصرف في بيان زبائنه بأنه لديهم حرية التصرف بحساباتهم عند الاستحقاق، وأنهم يستطيعون الحضور إلى الفرع لإتمام كافة العمليات المصرفية بما فيها السحب النقدي بكافة العملات».

واستقبل عون رئيس جمعية المصارف في لبنان الدكتور سليم صفير ورئيس لجنة الاقتصاد والتجارة والتخطيط النيابية النائب نعمة إفرام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى