قلق الناس من الوضع الاقتصادي والاجتماعي وسبل العلاج…
إبراهيم ياسين
تزايد القلق في الشارع من احتمالات تدهور الوضع الاقتصادي الاجتماعي، وبالتالي تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وما يفاقم هذا القلق التبدّل الحاصل في السوق في سعر صرف الدولار وانعكاسه على الأسعار، حيث يلجأ التجار إلى تسعير المنتوجات والسلع على أساس سعر الصرف الذي يحدّده تجار الصيرفة، وبالتالي عدم الإلتزام بالسعر الرسمي الذي يحدّده البنك المركزي، فيما البنوك الخاصة ترفض بيع الدولار للمواطنين وتشترط لمن لديه ودائع بالعملة اللبنانية في حال أراد تحويلها إلى دولار أميركي أن يجري تجميد المبالغ المحوّلة إلى ستة أشهر، بمعنى أنه لا يستطيع أن يحصل على حاجته الضرورية من الدولار إلا من تجار الصيرفة الذين يتحكّمون بالسعر، ويحققون الأرباح الطائلة من خلال بيع الدولار بأسعار تصل إلى أكثر من 1620 ل.ل.، فيما السعر الرسمي هو بحدود 1515 ل.ل. للدولار الواحد.
في المقابل فإنّ المصرف المركزي لا يتدخل كما كان يفعل في السابق لمنع ارتفاع سعر صرف الدولار، والأكيد أنّ ضبط هذا
الموضوع بيد مصرف لبنان. فمشكلة عدم ضخّ دولارات كافية معطوفة على سلوك المصارف بعدم تلبية حاجة السوق مرتبطة أولاً وأخيراً بالمصرف المركزي… فيما الحكومة في حالة ارتباك في التعامل مع هذا الوضع المقلق للمواطنين، خاصة مع بدء العام الدراسي الجديد واحتمال أن ترتفع الأقساط إذا ما استمرّ سعر صرف الدولار بالارتفاع، مما يعني تدهوراً خطيراً في الوضع الحياتي والمعيشي ويهدّد بتحركات اجتماعية في الشارع بدأت نذرها بما حصل منذ أيام في بيروت وبعض المناطق من تظاهرات وإقفال للطرقات واشتباكات مع قوى الأمن الداخلي…
جميع اللبنانيين الآن بانتظار ما سيرشح عن الحكومة في اجتماعها المقبل من إجراءات لضبط الوضع المالي، وسعر صرف الدولار في السوق، وأيضاً حماية المواطنين من ارتفاع الأسعار، وفي حال لم تعمد الحكومة إلى ضبط الوضع واتخاذ إجراءات حازمة تطمئن المواطنين وتحمي مستوى معيشتهم فإنّ الأمور قد تشهد تدهوراً خطيراً يؤدّي إلى تفجّر الاحتجاجات في الشارع ودخول البلاد مرحلة عاصفة اجتماعياً.
لا يمكن معالجة هذا الوضع الاقتصادي والمالي بدون أن تكون هناك وقفة جدية من قبل الحكومة، تقوم على إعادة النظر في السياسات الاقتصادية الريعية القائمة والتي تسبّبت على مدى السنوات الماضية وحتى الآن بهذه الأزمة المالية المتفاقمة والناتجة عن زيادة حجم الدين العام وفوائده والعجز في الموازنة العامة، فيما تراجعت واردات الدولة، وتفشى الفساد، وغابت الرقابة والمحاسبة، والحرص على حماية المال العام والممتلكات العامة وحقوق الدولة المنهوبة، إنْ كان على مستوى من أَثْرى خلال وجوده في السلطة، أو من أَثْرىَ من خلال السيطرة على الأملاك البحرية والنهرية وأُعفيَ من الضرائب، فيما أدّت هذه السياسات الريعية إلى تدمير الإنتاج الوطني وتراجع الإستثمارات وفُرص العمل وهجرة الشباب إلى الخارج بحثاً عن الحياة الكريمة. أما تحويلات المغتربين فإنها تراجعت هي الأُخرى بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، والحصار الاقتصادي والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على تحويلات اللبنانيين في سياق الحرب الاقتصادية التي تشُنّها على المقاومة وبيئتها الشعبية ومُناصريها ومُؤيديها من اللبنانيين.
لذلك فإنّ هذه الأزمة المتشعّبة باتت تطرح أولوية التصدّي لها على مُستويَين:
المستوى الداخلي بإعادة النظر في السياسات الاقتصادية الريعية، لصالح اعتماد سياسات اقتصادية تقوم على دعم الإنتاج وحماية حقوق الدولة المنهوبة، وسنّ قانون ضرائبي جديد وعادل.
المستوى الثاني، وضع حدّ للوصاية المالية الأميركية والدولية صندوق النقد الدولي والإتفاقيات المالية المعقودة مع بعض الدول الغربية المفروضة على لبنان، ورفض الالتزام بالإجراءات الأميركية التي تُشكّل اعتداء على السيادة والكرامة الوطنية.
ويبدو من الواضح أنّ هذه الأزمة المتفجّرة تعكس طبيعة هذا النظام المأزوم، ويبدو أنّ أطراف الطبقة السياسية التي حكمت لبنان بعد اتفاق الطائف أفرغت هذا الاتفاق من روحه ومضمونه الإصلاحي، وعطلت تنفيذ كلّ البنود الإصلاحية التي نصّ عليها فأدخلت البلاد في الأزمات، ووضعتها في وجه العاصفة، وأصبح كلّ طرف من أطراف الحكم يضع اللائمة على الآخر، والمواطن هو من يدفع الحساب من قوته وحياته اليومية.
من هنا فإنّ التحدي الذي سيبقى الآن وفي المستقبل، كيف يُمكن لهؤلاء اللبنانيين من كلّ الطوائف أن يخرجوا من إطار هذا الواقع الغير مستقرّ الذي يسبّبه هذا النظام والمستفيدون منه من رجالات الطبقة السياسية…
كيف يمكن أن ينهضوا لتغيير هذا النظام المسبّب لكلّ هذه الأزمات؟