ما بعد الحرب السورية.. في المنظور الإسرائيلي!؟

محمد توفيق قرنفل

بالتزامن مع اقتراب وضع الحرب السورية أوزارها الأخيرة، بدأت إسرائيل إعادة النظر بشكل أكثرَ دقّة في منظومتها الأمنية والدفاعية على طول حدودها الشمالية والجنوبية، يآتي ذلك إبان حرب الاستنزاف الجديدة بالمفاهيم الاستراتيجية الأكثر حداثةً وتطوراً، والتي يُعدُّ لها المحور العسكري الذي تقوده إيران والمُتشكل من سورية وحزب الله وفصائل قطّاع غزّة .

فمنذُ التوقيع على اتفاقية السلام المصريّة الإسرائيلية عام 1979 – اتفاقية كامب ديفيد، رأت القيادة الإسرائيلية آنذاك أنّها تخلّصت من أكبر جبهة حرب كان مصر بحجمها، وبالتالي لم يتبقّى أمامها سوى هاجسُ الجبهة السورية، المتمثلة بالجنوب اللبناني ومرتفعات الجولان وقطّاع غزّة، هاجس هذه الجبهات السورية بقي مرافقاً لمنظومتها الأمنيّة حتّى اندلاع الحرب الأهلية السوريّة عام 2011..

هذه الحرب على قدرِ ماكان لها من أبعادٍ وخيمة واستنزافية على الصعيد الداخلي، كان لها أبعاداً إيجابية ومطمئنة إلى حدٍّ ما على الصعيد الخارجي المجاور بالنسبة لإسرائيل وتركيا، وهذا مايفسّر انخراط الآخيرتين في الحرب على سوريا بشكل مباشر و غير مباشر، للتهدئة من وطأة هواجسهما الأمنية وإطالة آمد الأزمة، وتقويض الدور السوري في محور المقاومة!

غيرشون هاكوهين العميد المتقاعد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، كتب منذ فترة ليست ببعيدة في مركز بيغين السادات للدراسات الإستراتيجية، مقالاً بعنوان إسرائيل والتحدّي الوجودي الجديد .

هذا العنوان أو الاصطلاح لربما هو الأول في تاريخ المصطلحات الإسرائيلية المُستخدمة من قِبل إسرائيل حول الصراع العربي الإسرائيلي.

يرى هاكوهين أن الانتفاضات العربية والسورية على وجه التحديد شكّلت عامل أمنٍ واستراحةً استراتيجية لدى إسرائيل، وأرستْ اعتقاداً لدى المنظومة الأمنية وخبرائها بأن دولتهم لم تعد في خطرِ مرمى النيران العربية والسورية تحديداً..!

قد يصحُّ اعتقادهم بصدأِ فوهات البنادق العربية تجاه كيانهم المزعوم!

لكن ماذا عن سورية؟! وماذا عن أبواب حربها التي على وشكِ أن تُوصد؟

هاكوهين ربطَ الخطر الوجودي بانتهاء الحرب السورية، وبالتالي فإنّ دمشق ستعيد هيكلة نفسها للولوجِ إلى المحور المقاوم كمعادلةٍ ملغومة بالاستراتيجات الجديدة، بزعامة طهران..!

وهذا مايُعيد الارتباك إلى الصفِّ الأمني اليهودي، فـ حسبَ زعمِ العميد هاكوهين أنّ هذا التحدّي الوجودي القديمُ الجديد، يتضمنُ ثلاث أخطارٍ رئيسية، تتلخص كالتالي:

1-خطراً كلياً شاملاً بأبعادٍ حربية استراتيجية غير مسبوقة من قذائف وصواريخ ذات دقّة بأهدافها.

2-خطرُ التشكيلات الإيرانية وحزب اللّه من مرتفعات الجولان.

3-الخطرُ الماثلُ أيضاً في الجنوب اللبناني وقطّاعِ غزّة.

لا ريبَ أنّ مفهوم الخطر الوجودي يغرسُ تفسيراته الممكنة وتعاريفه الواردة في المنظومة الأمنيّة والسياسية لدى تل أبيب، مما يدفع الأخيرة إلى شنِّ غارات جويّة على مواقع حيوية في سوريا بين الحين والآخر تزامناً مع أيِّ تقدُّم تحرزهُ الدولة السورية، فضلاً عن المطالبة بتقليص الدور الإيراني في سوريا وذلك في كلّ تصريحٍ تُدليهِ عبر مسؤوليها، ناهيك عن الإنخراط في أيِّ بروبغندا إعلامية ضد محور المقاومة بكافّة أقطابه.

-واعتقدُ أنّ إيران ومن خلفها أقطابُ محور المقاومة، تُعيد الترتيبَ لحرب استنزافٍ ليست كما قبلها، وبمنطقٍ أخصبُ استراتيجيةً يُرسي بدوره قواعدَ حربٍ ذات أبعادٍ نفسية بالدرجة الأولى، وأعني بذلك إحاطةُ الدولة اليهودية ببنى تحتية عسكرية مسلّحة على طول حدودها الشمالية والجنوبية، وبالتالي ستؤدي هذه العملية إلى خلقِ توازن رُعبٍ قائم على خطر القذائف والصواريخ موّلداً هاجسَ المحقِ في أيِّ لحظة لدى الإسرائيليين.

وعلى المدى البعيد لابدَّ لهذا الوضع أن يحمُلَ تأثيراً استنزافياً بكافّة المعايير يؤدي إلى كبحِ تقدّم إسرائيل وتقليص دورها في عمومِ الشرق.. ولربما تقويضُ دورها هذه المرّة سيُفضي إلى تقويضها كلّياً تبعاً لمنطق محور المقاومة في استراتيجيا حرب الاستنزاف هذه، والتي ليست كسابِقَتها في سبعينيات القرن الماضي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى