هونغ كونغ.. لؤلؤة الشرق ستبقى مشرقة

سماهر الخطيب

من بوابة المكان الذي أعلن منه ماو تسي تونغ في الأول من تشرين الأول 1949 قيام الجمهورية الشيوعية، في تيان إنمين، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ أمس، أنه «ما من قوة في العالم يمكنها أن تهزّ دعائم الأمة الصينية العظيمة».

وقال بينغ في مستهلّ الاحتفالات بالذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية «ما من قوة يمكنها أن تمنع الشعب الصيني والأمة الصينية من المضي قدماً».

وعلى بعد ألفي كلم جنوب بكين، كان يوم أمس، «يوم غضب»، كما سمّاه المتظاهرون في هونغ كونغ.. الذين حوّلوا هذه المناسبة إلى تظاهرة، مندّدين بـ»تراجع الحريات وخرق مبدأ شعب واحد ونظامان»، وفق رأيهم.

في حين أكد بينغ التزامه «مواصلة العمل بموجب هذا المبدأ»، مدافعاً في الوقت نفسه عن «الوحدة الوطنية». وقال الرئيس الصيني «الوحدة، هي الحديد والصلب، هي مصدر القوة»..

تدخل خارجي وأصابع أميركية

ومن اللافت أن هناك تدخلاً وتلاعباً خارجياً وراء تعقيد الوضع في هونغ كونغ. وتشويه أميركي وبريطاني لمبدأ «دولة واحدة ونظامان» وانتقاد لا داعٍ له للحكومة الصينية.

إذ تواجه الصين، تلك القوة الاقتصادية العالمية الناهضة في زمن قياسي لا يتجاوز السبعة عقود، حرباً أميركية تجارية الهدف منها تحجيم دورها الاقتصادي وتقليل نمّوها ووقف تعاظم مكانتها العالمية.

ولم تقف المواجهة عند العقوبات وفرض الرسوم، بل تسعى الولايات المتحدة إلى إثارة الاضطرابات داخل الصين نفسها من خلال دعم تظاهرات هونغ كونغ التي باتت سيناريو آخر لـ»الثورات الملونة»، وبات لا يُخفى على أحد وجود المصلحة الأميركية والأصابع الأميركية في رسم مظاهراتها ومطالبها من خلال إهمال الحقيقة وتشويهها، وتبييض جرائم العنف بحجج حقوقية وديمقراطية وتدخلات «إنسانية»، مترافقة مع ضغط اقتصادي ظهرت مفاعيله عقب زيادة وتيرة الحرب التجارية التي أعلنتها ضدّ الصين حكومة وشعباً.. ما يعكس حرص واشنطن على التحريض ورؤية الفوضى!

حقوق محفوظة وردّ على التدخل

ومن المعروف أنّ حقوق وحريات سكان هونغ كونغ مكفولة بالكامل وفقًاً للقانون، إذ أنّ الحفاظ على استقرارها يخدم مصالح جميع أنحاء العالم وليس المصلحة الصينية فحسب،

وأكدت الصين مراراً على حماية سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية كذلك دعم ازدهار هونغ كونغ واستقرارها بالنسبة للصين أمر متين.

وواجه التدخل الأميركي المتكرر في شؤون هونغ كونغ معارضة صينية قوية مطالبة الولايات المتحدة بـ»التفكير مليّاً في تصريحاتها وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلاد».

إذ لا يمكن إهانة الشعوب وحال الشعب الصيني كغيره من الشعوب لا يرض بالإهانة، وكثيراً ما صدرت تصريحات عن القيادة الصينية تحث عبرها الولايات المتحدة على «الالتزام بالقانون الدولي والمعايير الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية والتوقف فوراً عن التدخل في الشؤون الداخلية للصين».

كذلك رفضت الصين التدخل البريطاني، بعد أن ولّى الزمان الذي التي كانت فيه هونغ كونغ مستعمرة بريطانية أما اليوم فليس للمملكة المتحدة سيادة أو سلطة قضائية أو حق الإشراف عليها ووفقاً للقانون، وتعتبر الحكومة الشعبية المركزية مسؤولة عن الشؤون الخارجية المتعلقة بمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة.

وتُعدّ هونغ كونغ المعروفة بـ»لؤلؤة الشرق» مركزاً مالياً عالمياً، وشرياناً اقتصادياً حيوياً في ثاني أعظم قوة اقتصادية..

لكن ما شهدته هونغ كونغ منذ حزيران الماضي من تظاهر وشغب لفت انتباه المجتمع الدولي وأثار الكثير من التساؤلات حول حقيقة الوضع في هونغ كونغ؟ وهل هذه التظاهرات شبيهة بالثورات الملوّنة أم هي صناعة أميركيّة تزامنت مع حربها التجارية لإضعاف الصين والضغط عليه!!

حقيقة ما جرى..

وإذا أردنا العودة إلى الشرارة التي فجّرت الأوضاع في هونغ كونغ، فإننا سنعود إلى شباط عام 2018، وتفاصيل الحادث آنذاك، حيث هرب مواطن صيني إلى هونغ كونغ بعد ارتكابه جريمة قتل لحبيبته في تايوان الصينية.

وكانت في القانون ثغرة تمنع تسليم المجرمين الهاربين بين هونغ كونغ وبكين، فلم يسلّم إلى العدالة في تايوان حيث وقعت الجريمة، وذلك لعدم وجود ترتيبات للمساعدة القانونية في المسائل الجنائية ولا اتفاق للتسليم. فاقترحت حكومة هونغ كونغ حينها تعديل قانون تسليم المجرمين الهاربين وقانون المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية لسد هذه الثغرة القانونية..

ومنذ ذلك الحين، بدأت الوسائل الإعلامية، بنشر الشائعات والتحريض على التظاهر لعرقلة إقرار التعديلات في المجلس التشريعي، رغم إعلان الحكومة تعليق تعديل القانونين. وتصاعدت الأمور بذريعة معارضة هذا التعديل لتترك آثاراً سلبية خطيرة على سيادة القانون والنظام الاجتماعي والتنمية الاقتصادية ومعيشة الشعب والسمعة الدولية لهونغ كونغ.

تصاعد الأوضاع

وتدل الوقائع على أن الوضع في هونغ كونغ قد تحوّل من تظاهرات سلمية إلى جرائم عنف متهورة، ومن التعبير السلمي عن الآراء إلى تحدّي لمبدأ «دولة واحدة ونظامان»، وهو ما تعتبره الصين «خطاً أحمر» لا يمكن تجاوزه، ليتضح الهدف الحقيقي من تلك التظاهرات ومحركيها أنه ليس «معارضة تعديل القانونين»، بل «الإطاحة بحكومة هونغ كونغ» وتعطيلها تماماً والهدف الأسمى كما سبق وذكرنا هو «زعزعة سيادة الصين على هونغ كونغ» وبالتالي العبث بالخريطة الصينية وزعزعة سيادتها واستقرارها كما حدث في مناطق عدّة من الشرق الأوسط وهو سيناريو أميركي بامتياز.

وكما في سورية، يعمل السيناريو الأميركي والبريطاني بالاعتماد على الإعلام المغرض لتغطية الأحداث وفق سيناريو هم أعدّوه وأخرجوه، باتت فصوله مكشوفة المقاصد.

موقف الصين

في حين، كما كانت استراتيجية الصين الهادئة.. والتي لا يتخطى عمرها الحديث السبعة عقود قد استيقظ خلالها العملاق النائم على تطوّر في جميع المجالات وغزو فكري وثقافي واقتصادي وسياسي لجميع الدول سمته الأساسية تنموية في وقت رأت فيه الدول مَن يروي ظمأ عطشها للتنمية التي أنهكتها الحروب ومآسيها..

ومنذ عام 1997، تطبق الحكومة الصينية في هونغ كونغ سياسة «دولة واحدة ونظامان» عبر إدارة شؤون هونغ كونغ من قبل أهلها ومنحها درجة عالية من الحكم الذاتي بشكل جدي وكامل.

كما ضمّت الصين، هونغ كونغ إلى مسيرتها النهضوية معتبرتها جزءً لا يتجزأ من الأمة الصينية العظيمة وشاركتها في التنمية ولم تحرمها من الازدهار والاستقرار الذي نعمت به. وأصبحت من المراكز المتقدمة في العالم من حيث مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المختلفة حيث حققت هونغ كونغ نمواً مستقراً لاقتصادها المحلي تجاوز قيمته 360 مليار دولار أميركي في عام 2018 وهي ضعفا ما كانت عليه في عام 1996. وباتت «لؤلؤة الشرق» اليوم مركزاً مالياً وتجارياً وملاحياً عالمياً.

ويعود فضل الاستقرار والإزدهار الذي تنعم به هونغ كونغ إلى الضمان القوي من قبل برّ الصين الرئيسي والروابط الاقتصادية القوية معه، دون أن تأخذ الحكومة المركزية قرشاً واحداً من حكومة هونغ كونغ، بحسب التصريحات الصينية.

وبما أن شؤون هونغ كونغ هي شؤون الصين الداخلية، لن تسمح الحكومة الصينية بالمساس بسيادتها وأمنها أو تحدي سلطتها المركزية أو استغلال هونغ كونغ كمنصة للتسلل والتخريب في الصين.

وللحكومة الصينية والشعب الصيني إرادة قوية وعزيمة صلبة في الدفاع عن سيادة الدولة وأمنها ووحدة أراضيها، فتلك الدولة العظيمة التي استهلكت مئات السنين لبناء سورها العظيم تمتلك من الحنكة وطول النفس والدبلوماسية الناعمة في التعاطي كـ»دبلوماسية السور» لديها ثقة كاملة وقدرة كافية للحفاظ على الاستقرار والازدهار في هونغ كونغ وجعل «لؤلؤة الشرق» تتألق باستمرار.. فتأمل رعاك الله

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى