الأزمة الاقتصادية – المالية.. تقاذف المسؤوليات ودفن الرؤوس في الرمال
لا شك في أن لبنان بات معلقاً على إيقاع التحركات الشعبية التي لن تنكفئ وستعود وتطل مجدداً في الايام المقبلة، والأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية مع ما يرافق ذلك من تصنيفات ائتمانية للبنان والتي لا تزال دون المستوى.
وإذا كان الشارع على موعد مع تحركات جديدة سوف يعلن عنها المنظمون في الساعات المقبلة، في وجه الحكومة ومكوناتها التي سارعت الى التنصل من مسؤولياتها ورمي الكرة في ما بينها. فإن البارز أمس، تمثّل بإبقاء لجنة مراجعة التصنيف الإئتماني للدولة اللبنانية موديز على التصنيف الحالي Caa1. فضلاً عن وضعها تصنيف لبنان قيد المراقبة وباتجاه التخفيض خلال ثلاثة أشهر إذا لم يتبلور مسار الأمور باتجاه إيجابي. وستقوم موديز خلال هذه الفترة بتقييم أداء الحكومة ومدى التزامها بإقرار موازنة العام 2020. وسوف يعزز هذا الالتزام يعزز الثقة ويؤمن الدعم الخارجي.
وبينما يأتي هذا التصنيف بعدما سقط لبنان في تصنيف وكالة «فيتش» من درجة -B إلى CCC ، لم يتوقف المعنيون كثيراً عند التصنيف على قاعدة ان شركات التصنيف تستند في تقييمها لبنان الى ركائز أساس تتصل بالثقة الضعيفة بلبنان جراء عدم الاستقرار السياسي المحلي وعدم فعالية الحكومة، وتدهور النمو الاقتصادي، وأن الحكومة تعي ذلك، وتتجه لإنهاء هذه الحالة السلبية خلال الأشهر القليلة المقبلة، من خلال إقرار موازنة العام 2020 في موعدها الدستوري والبدء بتنفيذ مقرّرات سيدر وماكينزي وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
في المقابل، شغلت الشائعات حول الوضع النقدي والمالي والاقتصادي الوسط السياسي الرسمي رغم التفاؤل الجزئي بتعميم المصرف المركزي للمصارف تأمين السيولة بالدولار الأميركي بالأسعار الرسمية لقطاعات محددة. وتوقفت مصادر مقربة من بعبدا لتقول لـ»البناء» إن ما جرى ويجري ليس بريئاً على الإطلاق، فهناك غرف سوداء تعمل لضرب العهد، وضرب سلطة الدولة وتقويض عناصر قوتها، عبر تعليب الأفكار ورميها على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض محطات التلفزة بهدف تحميل العهد مسؤولية تدمير البلد اقتصادياً ومالياً، مؤكدة أن أحداً من أصحاب بث الشائعات لن يفلت من الملاحقة. فالأجهزة الأمنية تقوم بواجبها وكذلك الأجهزة القضائية من أجل وضع حد للفوضى التي تضرب الاستقرار النقدي والمالي، خاصة أن هناك جهات وقفت خلف تحريك بعض المتظاهرين يوم الأحد بطريقة مشبوهة. وقالت المصادر: رئيس الجمهورية لن يسمح لأي مكون بالتآمر على البلد واقتصاده، خاصة أنه يجهد منذ وصوله الى سدة الرئاسة لإنقاذ البلد من براثن الفاسدين، ويواصل دعوة القوى السياسية الى التعاون وتنفيذ ما اتفق عليه لإنقاذ الوضع الاقتصادي، مع تأكيد المصادر أن التنفيذ يبقى على عاتق الحكومة مجتمعة التي ليست على المستوى المطلوب.
وفيما يكمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذا الشهر نصف ولايته التي نجح خلالها في الدفاع عن ثوابته الاستراتيجية وعما يؤمن به من قناعات وما بناه من تحالفات قبل الرئاسة، لا تستغرب مصادر مقرّبة من حزب الله لـ»البناء» ما يُحاك ضد العهد. فبعد فشل المعنيين من النيل من الرئيس عون استراتيجياً قرروا العمل على تحميله مسؤولية سياسات اقتصادية بدأت منذ 27 عاماً وأدت الى نهب الدولة وإفقارها. صحيح ان التيار الوطني الحر شارك بعد الدوحة في الحكم لكنه لم يكن مسؤولاً عن وضع السياسات الاقتصادية التي ليست إلا استمرار لدينامية رسخت نفسها منذ العام 1992.
وتقول المصادر نفسها إن أزمة البلد الحالية أزمة تراكمية لم تولد خلال السنوات الثلاث، لكن ضيق الخيارات في الوقت الراهن امام القوى السياسية لمعالجة الأزمة أدخل لبنان في عنق الزجاجة، خاصة وأننا نعيش حصاراً وعقوبات أميركية وإجراءات تتصل بالنظام المصرفي، بالتوازي مع الركود الذي أصاب الاقتصاد اللبناني، منذ بدء الأزمة السورية، وتراجع السياحة بسبب الوضع الأمني فضلاً عن أزمة الدولار، مع إشارة المصادر إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خلال التعميمات التي أصدرها أمس، بشأن تنظيم فتح الاعتمادات لاستيراد الدواء والقمح والمحروقات، يحاول ضبط عملية نزف العملة الأجنبية بطريقة تحاكي قدرة الاحتياطي الأجنبي اللبناني على التحمل.
وليس بعيداً، خرج رئيس الحكومة سعد الحريري من جهته ليؤكد أمس: بعض السياسيين يقولون ما ذنبنا نحن؟ ذنبهم ان المصيبة حصلت بسببهم، مضيفاً: «صحيح، أننا نمر بأوضاع اقتصادية صعبة ولهذا علينا اتخاذ قرارات جريئة. وهذا أمر غير قابل للنقاش لأن ما لن نتحمله فعلياً هو انهيار البلد».
وفي السياق، تقول مصادر تيار المستقبل لـ»البناء» إن العلاقة بين الرئيس عون والحريري جيدة، لكن في الوقت عينه لا يجوز أن يسمح رئيس الجمهورية للمحسوبين عليه أو على تياره بالتصويب على الرئيس الحريري وتحميله مسؤولية ما جرى، والغمز من قناة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على أنه محسوب على رئيس الحكومة وأن البلد وصل الى ما وصل اليه بسبب سياسات الرئيس الشهيد رفيق الحريري. فما جرى من قبل المقرّبين من العهد والوزير جبران باسيل يثير علامات استفهام كثيرة، مشدّدة على ان رئيس الحكومة قد يكون الأول والوحيد الذي يواصل تكثيف اتصالاته مع الجهات الدولية لدعم لبنان وتجنيبه الضغط الاقتصادي وحماية القطاع المصرفي، وتسيير مشاريع سيدر وأمواله. واعتبرت المصادر أن إلقاء المسؤولية على الآخر هو دفن للرأس في الرمول، مبدية أسفها لما يجري من فشل في طرح الحلول المرجوة والمنشودة، قائلة اذا كان الحريري يتحمل مسؤولية الازمات المتراكمة، لماذا لا يدفع رئيس الجمهورية وتياره الى استقالة الحكومة وهو الذي يتمثل بالحكومة بـ11 وزيراً؟ ولماذا أيضاً لا يعطل قرارات الرئيس الحريري وفريقه؟ مضيفة يبدو أن البعض لا يريد الاتعاظ مما يجري في الشارع، فبدل رميه الاتهامات شمالاً ويميناً، وتنصله من المسؤوليات، عليه الدفع بقوة لمعالجة الوضع المتردي.
وبحسب مصادر المستقبل، فإن فقدان العملة الصعبة والبنزين، مردها إقدام عدد من التجار بدعم من بعض القوى النافذة على تهريب الدولار وبكميات كبيرة إلى سورية.